![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() تعليم لوقا إن هذا الإِطار اللوقاويّ الواسع يلقي ضوءًا ساطعًا على التطويبات والتويُّلات. فقساوة التعارضات ترتبط بمتطلبة لوقا الجَذريّة، فيما يخصّ الفقرَ والغنى. فالمستوى الإجتماعيّ الذي يقف فيه يعكس مثالَه بتجرّدٍ فعليّ وفقر حقيقيّ. وانتظار الملكَوت في الآخرة يقابل لاهوتَه حول الزمن المتوسّط الذي هو الآنَ زمنُ الكنيسة. فتبدُّل الأوضاع يصوّر تبدّلَ القِيَم الذي أدخله وحي المسيح إلى العالم. أعلن التعليم الأولاّنيّ مجيء المسيح للفقراء الذين هم أخصّاء الله. وأعاد لوقا كتابة التطويبات على ضوء خبرة مسيحيّة اختبرها. وحين تذكّر الفقراء والمذلولين فكّر خصوصًا بتلاميذ أيّام الكنيسة الأولى، فكِّر بالذين عاشوا بطريقة بطوليّة الفقرَ من أجل المسيح. هذه الخبرة التي عاشها بقيادة الروح، رسَمت له بوضوح طريق المعلّم. وحين أعلن يسوع أن وضعَ الفقراء يستحقّ التطويب، أسمعنا نداءً متضمّنًا حتّى نأخذ بهذه الطريق بإرادتنا، إمّا في تجرّد باطنيّ (كما في متّى) وإمّا في تخَلٍّ فعليّ عن كلّ شيء. وقد تألّفت الجماعات المسيحيّة الأولى من تلاميذ ارتضَوا بإرادتهم بالفقر مع كل نتائجه: الجوعِ وكلِّ أنواعِ الحِرمان، الشقاءِ والدموع، التعيير والاحتقار. وهكذا حقّق هؤلاء الناس بطريقة ملموسة رجاء الملكوت في تَخَلًَ جَذريّ عن خيرات الأرض، في إيمان مجرَّد بمواعيد المسيح، في فرح روحيّ وتعلّق بالقِيَم العُلويّة وحدَها. لقد تقبّل لوقا هذا التفسير الخاصّ للإِنجيل كما أعلنه يسوع وأعاد تدوينه حسب نفسيّته الخاصّة. فالفقر الإراديّ بدَا في أوّل عهد المسيحيّة كمثال حياة قاسٍ، ولكنّه مثالٌ يحرّك النفوس. ولقد تأثّر لوقا بهذا المثال وقلْبُه يتعلّق بالمُطلَق. وحين نشرح التطويبات لا نكتفي بأن نقول إنّ لوقا حنّ على شقاء البشر وأخذ بإشعاع المحبة المسيحيّة، وتشكّك من قساوة قلب الأغنياء. إنه أدرك بصورة عميقة تساميَ خيرات الملكوت، فخاف من كلّ ما يقسم قلب الإنسان بين قِيَم الآخرة ومنافعِ الأرض، بين الله ومامون (أي المال). فعلى المسيحَيّ أن يختار بقلب كامل وغير منقسم، أن لا يطلب إلا خيراتِ العلاء، أن يتخلّى عن كلّ شيء ليتبع المسيح، أن لا يعطي قلبه إلا لله. هذا هو النداء الذي يوجّهه إلينا لوقا الآن: أن لا نطلب إلا الملكوت في الفقر الإراديّ، أن نتخلّى عن كلّ شيء من أجل المسيح. الخوراسقف بولس الفغالي |
|