![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|||||||
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
|
حَيَاةُ الغَنِيِّ وَالفَقِيرِ لِعَازَرَ عَلَى الأَرْضِ (لُوقا 16: 19-22) يَصِفُ المَثَلُ حَيَاةَ الرَّجُلِ الغَنِيِّ وَنَفْسِيَّتَهُ وَخَطِيئَتَهُ. فَاسْمُهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ، لأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ تَرْكِيزٌ عَلَى هُوِيَّتِهِ وَشَخْصِهِ، بَلْ عَلَى مَا يَمْلِكُ، إِذْ إِنَّ حَيَاتَهُ مُرْتَكِزَةٌ عَلَى الغِنَى المَادِيِّ. وَالرَّجُلُ الغَنِيُّ هُوَ وَاحِدٌ مِنْ وُجُوهِ المُجْتَمَعِ، وَمِنْ ذَوِي المَكَانَةِ وَالجَاهِ، كَانَ يُعْشِقُ رَفَاهَةَ العَيْشِ وَهَمُّهُ الدُّنْيَا وَالبَذَخُ المُسْرِفُ، فَكَانَ يَرْتَدِي أَفْخَرَ الثِّيَابِ، وَيُعِدُّ أَرْوَعَ مَوَائِدِ الطَّعَامِ. وَهُوَ دُونَ اسْمٍ، أَنَّهُ نَكِرَةٌ، حَيْثُ إِنَّ الأَنَانِيَّةَ فِي اسْتِخْدَامِ أَمْوَالِهِ أَفْقَدَتْهُ الاسْمَ، لأَنَّ الشَّخْصَ الأَنَانِيَّ يَعِيشُ وَحْدَهُ، وَلا مَجَالَ لأَيَّةِ عَلاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الآخَرِينَ، خَاصَّةً الفُقَرَاءِ وَالمُحْتَاجِينَ، وَمِنْ بَيْنِهِمْ لِعَازَرُ الفَقِيرُ. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ كِيرِلُّسُ الكَبِيرُ بِقَوْلِهِ: "إِنَّ الغَنِيَّ كَوْنُهُ غَيْرَ رَحِيمٍ كَانَ فِي حَضْرَةِ اللهِ بِلاَ اسْمٍ، إِذْ قِيلَ بِصَوْتِ المُرَتِّلِ عَنِ الَّذِينَ لا يَخَافُونَ الرَّبَّ: "بِشَفَتَيَّ أَسْمَاءَهُمْ لا أَذْكُرْ" (مَزَامِير 16: 4). أَمَّا فَلْسَفَةُ الرَّجُلِ الغَنِيِّ فَتَقُومُ عَلَى أَنَّ الإِنْسَانَ مَوْجُودٌ عَلَى الأَرْضِ لِكَيْ يَتَنَعَّمَ وَيَتَلَذَّذَ، بِحَسَبِ مَبْدَإِ الشَّاعِرِ الرُّومَانِيِّ (Horace) هُورَاس Carpe Diem أ (أَيْ عِشْ يَوْمَكَ، لِنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ وَنَمْرَحْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ". وَقَدْ وَصَفَ صَاحِبُ سِفْرِ الحِكْمَةِ هَذِهِ الفَلْسَفَةَ بِقَوْلِهِ: "فَإِنَّ أَيَّامَنَا مَرُورُ الظِّلِّ، وَنِهَايَتَنَا بِلاَ رَجْعَةٍ، لأَنَّهُ مَخْتُومٌ عَلَيْهَا فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَعُودُ. فَتَعَالَوْا نَتَمَتَّعْ بِالطَّيِّبَاتِ الحَاضِرَةِ، وَنَنْتَفِعْ مِنَ الخَلِيقَةِ بِحَمِيَّةِ الشَّبَابِ. لِنَسْكَرْ مِنَ الخَمْرِ الفَاخِرَةِ وَالعُطُورِ، وَلا تَفُتْنَا زَهْرَةُ الرَّبِيعِ. وَلْنَتَكَلَّلْ بِبَرَاعِمِ الوَرْدِ قَبْلَ ذُبُولِهَا. وَلا يَكُنْ فِينَا مَنْ لا يُشَارِكُ فِي قَصْفِنَا. لِنَظْلِمِ البَارَّ الفَقِيرَ، وَلا نُشْفِقْ عَلَى الأَرْمَلَةِ، وَلا نَهَابْ شَيْبَةَ الشَّيْخِ الكَثِيرَةِ الأَيَّامِ" (الحِكْمَةُ 2: 5-10). وَيُحَذِّرُ مُوسَى النَّبِيُّ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: "إِنَّهُ مَتَى أَكَلْتَ وَشَرِبْتَ تَنَبَّهْ لِئَلاَّ تَنْسَى الرَّبَّ إِلَهَكَ" (تَثْنِيَةُ الاِشْتِرَاعِ 8: 11). فَإِنَّنَا لَمْ نُولَدْ وَلا نَعِيشُ لِكَيْ نَأْكُلَ وَنَشْرَبَ، إِنَّمَا نَأْكُلُ وَنَشْرَبُ لِكَيْ نَعِيشَ. لَمْ يَذْكُرْ يَسُوعُ أَيَّ خَطَايَا لِلْغَنِيِّ، سِوَى أَنَّهُ عَاشَ لِنَفْسِهِ وَأَهْمَلَ الفَقِيرَ الَّذِي عَلَى بَابِهِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الاِحْتِيَاجِ إِلَيْهِ. لَمْ يَسْتَعْمِلْ الغَنِيُّ أَمْلاَكَهُ لِيُعَزِّيهِ، وَلَمْ يَفْتَحْ بَيْتَهُ كَيْ يَدْخُلَ لِعَازَرُ إِلَيْهِ، بَلْ عَامَلَهُ كَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ. وَكَأَنَّهُ أَقَامَ هُوَّةً عَمِيقَةً بَيْنَهُمَا. وَهَذِهِ الهُوَّةُ نَفْسُهَا تَفْصِلُ بَيْتَ هَاتَيْنِ الشَّخْصِيَّتَيْنِ بَعْدَ المَوْتِ. وَيُعَلِّقُ العَلاَّمَةُ إِيرُونِيمُوس: "إِنَّ العَيْبَ لَيْسَ فِي الغِنَى عِنْدَ الرَّجُلِ المُوسِرِ، بَلْ فِي قَسَاوَتِهِ وَتَصَلُّبِهِ وَعَدَمِ شُعُورِهِ مَعَ المِسْكِينِ، وَعَدَمِ مُؤَازَرَتِهِ لِلْمُعْوِزِ المُسَمَّى لِعَازَرَ" (فِي عِظَتِهِ رَقْم 86). فَخَطِيئَتُهُ هِيَ الإِهْمَالُ، إِهْمَالُهُ لِلْقَرِيبِ وَتَجَاهُلُهُ لِعَازَرَ الفَقِيرِ، وَاللَّامُبَالاةُ فِي تَعَامُلِهِ مَعَهُ. وَاللَّامُبَالاةُ تَعْتَبِرُ أَنَّ الآخَرَ غَيْرُ مَوْجُودٍ. وَهُنَا تَظْهَرُ أَهَمِّيَّةُ الوَصِيَّةِ: «أَحْبِبْ قَرِيبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ» (لُوقا 10: 27). خطيئة الغني ليست الغنى بحدّ ذاته. خَطيئَةُ الرَّجُلِ الغَنِيِّ لَيْسَتْ أَنَّهُ فَعَلَ شَرًّا، بَلْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ خَيْرًا. فَلَمْ تُقَمْ عَلَيْهِ تُهَمٌ، وَلَمْ تُلْصَقْ بِأَخْلَاقِهِ وَصْفَةٌ تُشِينُهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ أَنَّهُ اكْتَسَبَ مَالَهُ بِطُرُقٍ مُحَرَّمَةٍ أَوْ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ. فالغِنَى فِي الْعَقْلِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ كَانَ يُعْتَبَرُ عَلاَمَةَ بَرَكَةٍ وَرِضَى مِنَ اللهِ؛ فَإِبْرَاهِيمُ كَانَ غَنِيًّا، وَأَيُّوبُ كَانَ غَنِيًّا، وَلَعَازَرُ صَدِيقُ يَسُوعَ كَانَ غَنِيًّا. ويُعَلِّقُ الْقِدِّيسُ بُطْرُسُ خَرِيزُولُوغُس قَائِلًا: "لَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيمُ غَنِيًّا لِنَفْسِهِ، بَلْ لِلْفُقَرَاءِ؛ فَعِوَضًا عَنْ الِاحْتِفَاظِ بِثَرْوَتِهِ، عَرَضَ تَقَاسُمَهَا". إِذًا لَيْسَتِ الْمُشْكِلَةُ فِي الْغِنَى، بَلْ فِي الاِسْتِعْمَالِ الْأَنْانِيِّ لِلثَّرْوَةِ وَاحْتِقَارِ الْفَقِيرِ. خطيئة الرجل الغني هي القسوة وتجاهل الفقير: الغَنِيُّ كَانَ يَرَى لَعَازَرَ الْفَقِيرَ عِنْدَ بَابِهِ كُلَّ يَوْمٍ، دُونَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُهُ. وَيَقُولُ الْقِدِّيسُ بَرْنَارْدُس: "إِنْ لَمْ تُسَاعِدْ أَخَاكَ الْفَقِيرَ، فَأَنْتَ تَسْلُبُهُ حَقَّهُ وَتَقْتُلُهُ". فَخَطِيئَتُهُ إِذًا هِيَ الْكِبْرِيَاءُ وَالْقَسَاوَةُ وَتَحَجُّرُ الْقَلْبِ. إِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ أَنَّ الْعَلاَقَةَ مَعَ اللهِ تَمُرُّ بِالضَّرُورَةِ عَبْرَ الْعَدْلِ وَالْمَحَبَّةِ نَحْوَ الْإِنْسَانِ. وَلِذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلْغَنِيِّ فِي الْهُوَّةِ: "«تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ" (لوقا 16: 25). حَتَّى الْكِلَابُ كَانَتْ أَرْحَمَ مِنْهُ، إِذْ "كَانَتْ تَأْتِي فَتَلْحَسُ قُرُوحَ لَعَازَر" (لوقا 16: 21). كرامة لعازر ومعنى اسمه. لِلْفَقِيرِ اسْمٌ: "لَعَازَر" (לַעְזָר)، وَمَعْنَاهُ: (اللهُ يُعِينُ»). إِنَّهُ الَّذِي لَمْ يَتَّكِلْ عَلَى نَفْسِهِ، بَلْ عَلَى اللهِ مُعِينِهِ. وَيَقُولُ الْبَابَا غِرِيغُورِيُوس: "أَشَارَ الرَّبُّ إِلَى اسْمِ الْفَقِيرِ دُونَ اسْمِ الْغَنِيِّ، إِذْ يَعْرِفُ اللهُ الْمُتَوَاضِعَ وَيُزَكِّيهِ دُونَ الْمُتَكَبِّرِ". لِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الْغَنِيِّ، لِأَنَّهُ فَقَدَ هُوِيَّتَهُ الْحَقِيقِيَّةَ، كَمَا قَالَ السَّيِّدُ: "مَا عَرَفْتُكُمْ قَطٌّ. اِذْهَبُوا عَنِّي أَيُّهَا الْأَثَمَةُ" (متى 7: 23). هناك مفارقة بين حياة الغني وحياة الفقير: الغَنِيُّ لَابِسٌ الأُرْجُوَانَ وَالْكِتَّانَ النَّاعِمَ، أَمَّا لَعَازَرُ فَعَارٍ وَظَاهِرُ الْقُرُوحِ. الغَنِيُّ يَتَنَعَّمُ بِوَلَائِمَ فَاخِرَةٍ، وَالْفَقِيرُ يَشْتَهِي الْفُتَاتَ. الغَنِيُّ لَهُ خَدَمٌ كَثِيرُونَ، وَالْفَقِيرُ لَا خَادِمَ لَهُ إِلَّا الْكِلَابُ. مُفَارَقَةٌ تُظْهِرُ تَفَاوُتَ الْعَالَمِ الْحَاضِرِ وَالْعَدْلَ الْإِلَهِيَّ فِي الْعَالَمِ الآتِي. الفقر والغنى في المنظور الروحي: لَيْسَ كُلُّ فَقْرٍ مُقَدَّسًا، وَلَا كُلُّ غِنًى مَمْقُوتًا. ِنَّمَا الْحَيَاةُ هِيَ الَّتِي تُهَذِّبُ الْغِنَى أَوْ تُفْسِدُهُ، وَتُزَيِّنُ الْفَقْرَ أَوْ تُذِلُّهُ. يَقُولُ الْقِدِّيسُ بَاسِيلْيُوس: "لَيْسَ الْفَقِيرُ مَنْ لَا يَمْتَلِكُ خَيْرَاتٍ، بَلْ مَنْ اعْتَنَقَ حَالَةَ الْفَقْرِ الرُّوحِيِّ". إِذًا الْفَقِيرُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الَّذِي يَفْتَقِرُ إِلَى اللهِ، وَيَسْتَغْنِي بِهِ وَحْدَهُ. وَهَكَذَا نَفْهَمُ كَلِمَةَ الرَّبِّ: "طُوبَى لِلْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُمْ سَيَشْبَعُونَ" (لوقا 6: 20-21). وخلاصة القول، خَطِيئَةُ الْغَنِيِّ تَكْمُنُ فِي قَسَاوَةِ قَلْبِهِ وَإِغْفَالِهِ الْمُعْوِزَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ بَابِهِ، أَمَّا فَضِيلَةُ لَعَازَر فَتَكْمُنُ فِي اتِّكَالِهِ الْمُطْلَقِ عَلَى اللهِ |
![]() |
|