![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في عام 1978، لم تذهب اليابان إلى مصر كسائح عادي، بل جاءت بعلمائها، ومهندسيها، وكاميراتها، وأحلامها الكبيرة… جاءت لتفتح بابًا كان مغلقًا منذ آلاف السنين، بابًا يحمل أعظم سؤال بنائي في تاريخ البشرية: "كيف بنى الفراعنة الهرم الأكبر؟" تحت راية مشروع وثائقي ضخم للتلفزيون الياباني لقناة Nippon، وصل فريق هندسي ياباني إلى صحراء الجيزة، يحمل فكرة جريئة إلى حد الجنون: بناء هرم مصغّر بارتفاع 20 مترًا، مستخدمين نفس الأدوات والتقنيات البدائية التي استخدمها المصريون القدماء. لا كهرباء، لا معدات ثقيلة، لا تكنولوجيا متقدمة… فقط بكرات خشبية، حبال، مناشير يدوية، وزلاجات. البداية كانت واعدة، لكن الحقيقة كانت أعقد بكثير... حين بدأ الفريق في قطع الأحجار من المحاجر، أدركوا أن نقل أحجار تزن 4 أطنان لكل واحدة باستخدام أدوات بدائية أمر شبه مستحيل. لم تنجح الحبال، ولم تفلح البكرات، وتحوّلت الرمال من حليف إلى خصم عنيد. فما كان من الفريق إلا أن يُقلّص طموحه، ويخفض ارتفاع الهرم إلى 10 أمتار، ويستبدل الأحجار الثقيلة بأخرى أخف، ومع ذلك، لم يتحقق النجاح المنتظر. اضطر اليابانيون، رغم نيتهم الصادقة، إلى استخدام مناشير كهربائية لقطع الأحجار بعد أن ثبت أن الأدوات البدائية غير فعالة بالدرجة التي تخيّلوها. أما عملية نقل الحجارة إلى موقع البناء؟ فكانت مأساة لوجستية حقيقية… جربوا نقل الأحجار عبر نهر النيل على قوارب خشبية، كما يُعتقد أن الفراعنة فعلوا. لكن القوارب غرقت أو فشلت في التوازن. فاضطروا إلى اللجوء لسفن مسطحة حديثة، بل وبنوا سكة حديدية مؤقتة على ضفاف النيل لنقل الحجارة! والأدهى استخدامهم أوناش لرفع الحجارة بدلا من العمل اليدوي. وكأن الرمال تبتلع كل محاولة لإعادة أمجاد لم تكن وليدة المصادفة… بل كانت ثمرة علم مذهل وتنظيم خارق وفهم عميق للهندسة والفيزياء. ولم يكن التحدي تقنيًا فقط… المشروع الياباني واجه انتقادات من علماء مصريين ومحليين بشأن الأثر البيئي والعبث بجغرافيا الصحراء، ما زاد من الضغط على الفريق وأجبرهم على إنهاء التجربة بسرعة. وفي النهاية، لم يكن الهرم الذي بُني سوى نسخة صغيرة هزيلة بُنيت جزئيًا بأدوات حديثة، كأنها تهمس للعالم: "أنتم لا تملكون بعد مفاتيح هذا السر... إنه سِرّ الفراعنة وحدهم." الدرس كان عظيمًا… وصادمًا: المشروع لم يُثبت فقط صعوبة تكرار ما فعله المصريون القدماء، بل أكد بما لا يدع مجالًا للشك أن حضارة مصر القديمة كانت تمتلك معرفة هندسية وتنظيمًا إداريًا لا يقل عبقرية عن أعظم ما أنتجته البشرية الحديثة. فشل المشروع لم يُسجل كعار، بل كاعتراف ياباني رسمي: "لقد حاولنا تقليد الفراعنة… ولم نستطع حتى الاقتراب من ظلّ إنجازهم." وهكذا، خرج الفريق الياباني من الصحراء مبهورًا، مذهولًا، يحمل رسالة تُدوَّى في كتب التاريخ: أن الهرم ليس مجرد بناء… بل معجزة خُطَّت بالحجر والدهاء والعلم، على يد أناسٍ لم يكونوا عاديين، بل كانوا أساتذة الخلود المعماري. |
![]() |
|