"وَبَعْدَ مَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ. وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ وَجَدُوا إِنْسَاناً قَيْرَوَانِيّاً اسْمُهُ سِمْعَانُ، فَسَخَّرُوهُ لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ. وَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ جُلْجُثَةُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى "مَوْضِعَ الْجُمْجُمَةِ" أَعْطَوْهُ خَلاًّ مَمْزُوجاً بِمَرَارَةٍ لِيَشْرَبَ. وَلَمَّا ذَاقَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْرَبَ" (متى 27:31-34).
ما أكبر الآلام الروحية الساحقة لنفسٍ ذات رِقة وحب وشعورٍ كنفس المسيح. نذكر خيبةَ آماله في تلاميذه وهم يتشاجرون حول من منهم هو الأعظم، وخيانةَ يهوذا، وسقوطَ بطرس، وهروبَ كل التلاميذ والمصارعةَ العجيبة في البستان، وبعدها معاملاتُ العنف والتحقير والتخجيل والاستهزاء الوحشي، ناهيك عن الجوع والبرد القارص. كل هذه أسباب جعلته يسقط تحت حمل الصليب. وفي آلامه كما في تجربته كان ناسوته فقط في هذه المعصرة الرهيبة.
كان أربعة حراس يسوقون المصلوب إلى حيث صُلب، فلما رأوا عجز المسيح عن حمل الصليب، سخَّروا رجلاً قيراونياً من شمال أفريقيا اسمه سمعان، كان راجعاً من الحقل، ليؤدي هذه المهمة. لم يوجد من يتبرع بهذه المساعدة في كل ذلك الجمهور بسبب عار الصليب المشين الذي لا يتحمله أحد طوعاً. لكن ما كان وقتها عاراً تحوَّل فخراً، وأصبح سمعان القيرواني في مقدمة جيش شريف لا يُحصى عدده من حاملي صليب المسيح.
بعد هذا استأنف الجمهور سيره، ومعهم ثمانية حراس يسوقون مجرمَيْن، ويحملون ألواحاً ثلاثة مرفوعة فوق الرؤوس، يعلن كلٌ منها اسم أحد المصلوبين ووطنَه وجُرمه الذي يُعاقب عليه. أما اللوح الذي عليه اسم المسيح فكان مختلفاً لأنه مكتوب في ثلاث لغات: العبرانية لغة الدين، فكان ابن داود وابن اللّه. وباليونانية لغة العلم، لأنه نور العالم والحق الأزلي. واللاتينية لغة السياسة، لأنه ملك إسرائيل وملك القديسين وملك الملوك ورب الأرباب. كان الإعلان يقول: "هذا هو يسوع الناصري ملك اليهود". اسمه يسوع. ووطنه الناصرة. وجريمته ظهوره كأنه ملك اليهود، ثائراً ضد قيصر.