تأمل معي في قصة السامرية حين قابلهـا رب المجـد وقـال لـهـا : " أعطيني لأشرب " ( يو ٤ : ٧ ) ، فهو له المجد لم يكن محتاجاً للماء ، لأن من عنده تجـري كـل الأنهار ، وإنما كان في حاجة أن يعرف حقيقة مشاعرها الداخلية نحوه . وفضيلة العطاء أو الصدقة تشكل إحدى ركائز الحياة الروحية ( صـوم + صلاة + صدقة ) ، والمعروف أن كلمة " صدقة " وكلمة " صديق " مـن أصـل لغـوي واحد ، فكأن الصديق هو الذي يصنع الصدقة وعندما قال سليمان الحكيم : " اذكر خالقك في أيام شبابك " ( جا ١٢ : ١ ) إنما كان يتحدث بلغة العطاء ، لأنه معروف أن حياة الإنسان تنقسم إلى مراحـل متتابعة : ( الطفولة ـ النضج / الرجولة ـ الشيخوخة ) .. المرحلتان الأولى والثالثة هما مرحلتا أخذ ، أما المرحلة الثانية وتحوي في داخلها مرحلة الشباب إنما هـي مرحلة عطاء بالدرجة الأولى . وأنت يا صديقي تستطيع أن تعطي في فترة شبابك ورجولتك أكثر من أي مرحلة أخرى . لك أن تسألني الآن ماذا أعطي ؟ هل مالاً .. أم وقتاً .. أم ماذا .. ؟ إني أُجيبك : إن ما تستطيع أن تقدمـه لا يمكـن حصـره ، إنما تستطيع أن تتخيل معي سلماً عليه خمس درجات في ترتيب تصاعدي تمثل درجات العطاء المـال- الجهاد - الـوقـت - التسبيح - النفس ( القلب ) بل ويمكن أن تمزج بين هذه الدرجات الخمس ، فالصلاة هـي عطـاء وقـت وقلـب وتسبيح ... وفي خدمة الآخرين يكمـن عطـاء المـال والوقت والجهـد والحب ، وهكذا وهنا لا يمكننا أن ننسى أن قمة العطاء الذي بلا حدود هو في تجسّد ربنا يسوع ، فهو الذي أعطانا دمه الثمين على عود الصليب ، وها هو كل يـوم يقـدم نفسه ذبيحة لأجلنا من خلال القداس الإلهي .