لقد تأملنا البارحة في نقاوة مار يوسف الملاكية ورأينا درجة سموه في هذه الفضيلة السماوية .ولما كانت ثقتنا سامية بهذا القديس قدوة النفوس النقية،وشوقنا عظيماً الى الخطوى بحمايته ، لاق بنا ان نتأمل شرف النقاوة الباطنة .إذ هي كنز ثمين وسقياً للأنفس التي امتلكتها ، والطوبى للتي ترغب بها بحرارة قلب وتطلبها بشفاعة القديس يوسف .ان نقاوة النفس قائمة بأنعتاقها من كل دنس باطني في الضمير والروح والقلب و الارادة .فالضمير النقي لا يمقت الخطية المميتة فقط بل ايضا الخطية العرضية أللارادية .ويحترس كل الاحتراس من أصغر الهفوات ويتجنب فرصها ويتنقى منها عاجلا .فهذا الضمير هو أشبه بمرآة تتكدر من أدنى غبار يعلوها فيفقدها صفاءها .فاذا لم تشعر أيها المسيحي باحساس كهذا في ضميرك ، فما ذلك إلاٌ لانك لم تحصل بعد على كمال النقاوة الباطنة .ثانياً ان الروح مستعد لقبول كل مايعرض عليه من أفكار خطرة وأوهام باطلة عن الماضي أو الحاضر أو المستقبل فتشوشه أو تعزيه ولكنها غالباً تبعده عن الله و قد تنقلب أحيانا الى تجارب مهلكة .فكم كان القديسون يتجنبون هذه موارد الخطأ ويسهرون على أرواحهم .لذلك فأن كل من لا يسهر على نفسه سهراً متواصلاً لا يمتلك النقاوة الباطنة تماماً .ثالثاً ان القلب هو مسرح كل الأهواء البشرية .فبشواعره أو أشواقه أو أمياله قد يدنس النفس .فكم يجب على المسيحي ان يجرد قلبه من كل شوق ردي ، وان يكبح أمياله المنحرفة ، وان يعوّدهُ احتقار كل ماليس هو لله أو كل ما لا يعود اليه تعالى .فاذا تأملنا ملياً في القديس يوسف نراه حياً لله ، مائتاً عن العالم و عن كل ما هو من العالم .لذلك كل من لا يُعّود قلبه هذا التجرد ، لا يذوق عذوبة النقاوة الباطنة الكاملة .اخيرا ان الارادة بميلها الطبيعي الى الشر ، تهدد ايضا نقاوة النفس . فبالانتباه المتواصل وبتوجيهها ذاتها نحو العمل بأوامر الله ومسرته ، يسهل ردعها عن الشر و حملها الى الخير . فاذا كنت يا هذا لا تهتم إلا بما أنت مأمور به وابعدت عنك ما لست مسؤولا عنه ، وسلكت أمام الله بسلام و طمأنينة وفعلت كل شيئ لمجده تعالى ،حصلت و لا شك على نقاوة النفس الداخلية . فتلك كانت حياة مار يوسف وهكذا سار أمام الله وأمام يسوع و مريم لذلك كانت نفسه دائماً سماء صافية .فعلى مثاله اسهرن على ضميرك وروحك وقلبك وارادتك ، فتكسب النقاوة التي هي الصفة الاولى لتلاميذ المسيح ،فتذوق السعادة التي وعد بها المعلم الالهي بقوله : طوبى للنقية قلوبهم . لان الله هو مُحب الانقياء وفيهم يجد سروره وعندهم يتخذ مسكناً ولهم يتجلى كما هو مكتوب :انهم يعاينونه حتى في هذه الحياة اذ يرونه في عجائب الطبيعة ويشعرون به في تأثيرات النعمة ، ويذوقونه في ثمار الصلاة ، ويتمتعون به في الاسرار لا سيما في سر الافخارستيا العجيب .فالقديسون الاكثر نقاوة كانوا الاكثر علماً وفضيلة .