إبراهيم عيسى يكتب .. قصة الحلم رقم "11"
كان هذا الحلم كابوسًا.
لم يكن حلمى، بل كان حلم سيد الكتابة العربية نجيب محفوظ، وقد ضمّنه كتابه الأدهش «أحلام فترة النقاهة»، وقد تمكّن منى الحلم حتى كتبت وحكيت عنه ربما أكثر مما فعْل أستاذنا الراحل، كنت أعتقد أن ثورة خمسة وعشرين يناير سوف تبدد هذا الحلم من ذاكرة كتابتى بددا، وأنه لن يكون صالحًا إلا للذكرى والعبرة والاعتبار، لكن يا سبحان الله كأنه ما قامت الثورة إلا لتكشف أن هذا الحلم سيظل ناشبًا بمخالبه فى شرايين الوطن، اقرؤوا معى الحلم الآن:
فى ظل نخلة على شاطئ النيل استلقت على ظهرها امرأة فارعة الطول ريانة الجسد، وكشفت عن صدرها ونادت يزحف نحوها أطفال لا يحصرهم العد، وتزاحموا على ثدييها ورضعوا بشراهة غير معهودة، وكلما انتهت جماعة أقبلت أخرى وبدا أن الأمر أفلت زمامه وتمرّد على كل تنظيم. وخيّل إلىَّ أن الحال تقتضى التنبيه أو الاستغاثة، ولكن الناس يغطون فى النوم على شاطئ النيل. وحاولت النداء ولكن الصوت لم يخرج من فمى، وأطبق على صدرى ضيق شديد. أما الأطفال والمرأة فقد تركوها جلدة على عظم، ولمّا يئسوا من مزيد من اللبن راحوا ينهشون اللحم حتى تحوّلت بينهم إلى هيكل عظمى، وشعرت بأنه كان يجب علىَّ أن أفعل شيئًا أكثر من الغذاء الذى لم يخرج من فمى، وأذهلنى أن الأطفال بعد يأس من اللبن واللحم التحموا فى معركة وحشية، فسالت دماؤهم وتخرّقت لحومهم، ولمحنى بعض منهم فأقبلوا نحوى أنا لعمل المستحيل فى رحاب الرعب الشامل».
الحلم لا يحتاج بن سيرين كى يفسر أن المرأة هى مصر، وأن الأطفال هم مواطنوها، أستطيع أن أقول لك إن هذا ما جرى مع مصر قبل وبعد الثورة، فقد تكالب البلد نهابوها وثوارها، تجارها وشيوخها، سياسيوها ووعاظها، عواجيزها وعيالها، كل بطريقته وكل فى مرحلته وكان الأمر وصار وما زال فى رحاب الرعب الشامل.
الثورة التى حاولت أن تنقذ مصر المرأة الحلوب الضامر ثدياها من النهب، إذا بها تُنهش اللحم والحكم و«كلما انتهت جماعة أقبلت أخرى، وبدا أن الأمر أفلت زمامه» ولا يبدو أن أحدًا بات مهتمًا بالست دى يا حرام اللى ح تموت من فرط حب وجوع وشراهة وسفالة عيالها
