]الفاشية هى تسلُّط فرد أو مجموعة حاكمة على مُقدرات البلاد، والعباد. وعادة ما يُبرر الفاشى تسلطه وترويعه للعباد والبلاد، بأنه لحماية الوطن، أو الدين، أو الطبقة، أو لاستعادة فردوس مفقود، «كالخلافة الإسلامية الراشدة»، أو «الإمبراطورية الرومانية المُقدسة». وقد عرفت أوروبا فى القرن الماضى، هذا النوع من الفاشية، فى إيطاليا على يد موسولينى، وفى ألمانيا على يد هتلر، وفى إسبانيا على يد فرانكو. كما عرفنا نحن العرب هذا النوع من الفاشية، حتى لو لم نسمها بنفس الاسم، فى العراق على يد صدام حسين، وفى سوريا على يد آل الأسد، وفى ليبيا على يد معمر القذافى، وفى السودان على يد عُمر البشير، وفى تونس على يد زين العابدين بن على، وفى مصر على يد حُسنى مُبارك. كما عرفتها الجارة إيران على يد الإسلاميين منذ الخومينى، وأفغانستان على يد طالبان. وكانت روعة ثورات الربيع العربى أنها اقتلعت أربعًا من هذه الفاشيات فى أربعة أشهر فى تونس ومصر وليبيا واليمن. وها نحن العرب والعالم نراقب الاقتلاع الدموى البطىء للفاشية الخامسة فى سوريا. ومن طبائع الفاشية أنها تبحث دائمًا عن كِباش فداء، وتُطلق أنصارها أو عُملاءها عليهم، لنهش سُمعتهم أو لحومهم، كنوع من إلهاء الناس عن الفشل الداخلى فى إنجاز تنمية حقيقية، أو عدالة اجتماعية، أو مُشاركة سياسية. ولأن حزب جماعة الإخوان المسلمين، لم يُحقق فى عامه الأول فى السُلطة أى مكاسب ملموسة. فقد لجأ إلى توجيه الإحباط الجماهيرى نحو خصومهم السياسيين. ومن هؤلاء فى الوقت الحاضر المُرشح الرئاسى أحمد شفيق، والإعلامى توفيق عُكاشة، ورجل الأعمال المصرى العالمى نجيب ساويرس. ولا ينتمى الثلاثى (شفيق- عُكاشة- ساويرس) إلى نفس الحزب أو التيار السياسى. ولكن كل منهم، مُستقلا وفى دائرته، أظهر فعالية كبيرة، وحقق إنجازات ملموسة، وأحرز شُهرة واسعة. والمُشترك الأساسى بين هذا الثلاثى هو إيمانهم الراسخ بالدولة «المدنية»، ومُناهضتهم «للدولة الدينية»، أى أن كلا من هذا الثلاثى يقف، مُستقلا وبلا تنسيق، على طرفى نقيض مع الإخوان المسلمين. ويرى الإخوان فى كل منهم عقبة كأداء فى طريق مُخططهم المرسوم للسيطرة الكاملة على المجتمع والدولة فى مصر المحروسة. فلنبدأ بالفريق شفيق، الذى نافس كبيرهم د.محمد مُرسى، وتساوى معه إلا قليلا فى الانتخابات الرئاسية، بل طبقًا لمعظم المُراقبين المستقلين لتلك الانتخابات الرئاسية فإن الفائز الحقيقى هو أحمد شفيق. ولم يكن تأخير إعلان النتيجة ثلاثة أيام إلا بسبب مُمارسة الضغوط على المجلس العسكرى، والتهديد بعمليات انتحارية فى ميدان التحرير، حيث حمل آلاف من شبابهم أكفانهم على مرأى من وسائل الإعلام العالمية. وقد آثر المجلس العسكرى السلامة حقنًا للدماء. وكان بقاء أحمد شفيق على الساحة، بمثابة تذكير مستمر بالمؤامرة التى حيكت ضده، واحتمال إعادة فتح تحقيق واسع حول آلاف البطاقات الانتخابية التى تم طبعها فى المطابع الأميرية مُسبقًا بعلامات لصالح المُرشح الإخوانى، أو حول التهديدات للقرى والأحياء ذات الأغلبية المسيحية، التى حاصرتها ميليشيات الإخوان، ومنعتهم من التصويت فى الجولة الثانية من الانتخابات (الإعادة) بين مرسى وشفيق، وقد أشيع أن هذا الأخير قد نصح بمُغادرة البلاد، بعد أن أعلن فريق من المحامين الإسلاميين، يقودهم عصام سُلطان، بتقديم بلاغات إلى النائب العام ضد أحمد شفيق. أما الإعلامى توفيق عُكاشة، فحدِّث ولا حرج، فالرجل مُثير للخلاف بسبب جرأته، وصِداميته، وطول لسانه، مع من يختلفون معه فى الرأى وفى الأسلوب. ورغم أنه ادعى أكثر من مرة أنه أحد أقربائى، إلا أن ذلك لم يمنعه من مُهاجمتى ونقدى بشدة على القناة التى يملكها، وهى «الفراعين»، فما بالك بمن ليسوا أقرباءه بل يعتبرهم خصومًا، إن لم يكن أعداء ألدّاء، وهم الإخوان المسلمون. لقد دأب عُكاشة على مُهاجمتهم، أفكارًا، وشخوصًا، ومُمارسات. وجاءت حادثة هجوم إسلاميين من غزة على نقطة حدودية مصرية، وقت الإفطار (الأحد 5/8/2012) صادمة لكل المصريين. ولم ينتظر عُكاشة نتيجة التحقيق، ولكنه فتح النار على الرئيس الإخوانى محمد مُرسى، واعتبر سياساته مسؤولة عن هذا الجُرم العظيم، خصوصًا قراره فتح الحدود والمعابر مع قطاع غزة، حيث تحكُم حركة حماس، التى هى الفرع الفلسطينى للحركة الأم، وهى جماعة الإخوان المسلمين، المصرية المولد، والنشأة، والقيادة. أكثر من ذلك دعا توفيق عُكاشة إلى جنازة شعبية للشُهداء الستة عشر من الضُباط والجنود، بعد الجنازة العسكرية، من ميدان الجندى المجهول، بمدينة نصر. ولكنه حذر الرئيس مُرسى من المُشاركة، بل واعتدى بعض المُتظاهرين من أنصاره على د.هشام قنديل رئيس الوزراء. ورد نظام الرئيس محمد مُرسى، بقرار إغلاق قناة «الفراعين»، والقبض على توفيق عُكاشة، الذى يُقال إنه مُختبئ عن الأنظار، أو غادر البلاد على متن طائرة «لوفتهانزا»، إلى ألمانيا، وإن كان الرجل قد نفى ذلك. وأخيرًا، وليس آخرًا، فإن رجل الأعمال المصرى القبطى نجيب ساويرس يتعرض دوريًّا، منذ ثلاث سنوات، لحملات هجوم من الإخوان المسلمين، تحت ذرائع مختلفة. فمرة بسبب رسوم كاريكاتيرية اعتبرها الإخوان مُسيئة للإسلام، ومرة أخرى أقحم الإخوان أنفسهم فى خلافات عمّالية تخص شركات آل ساويرس. ولأن القصد هو تدمير هذه الشركات، فإن سلاح المُقاطعة هو الذى يشهرونه دائما. من ذلك التخلى عن استخدام خدمات هواتف المحمول، المعروفة باسم «موبينيل»، لصالح الشركتين المتنافستين، وهما «فودافون» و«اتصالات»، أو مُقاطعة القنوات الفضائية التى تملكها أسرة ساويرس، مُشاهدة وإعلانات. وقد شاع مؤخرًا أن رجلى الأعمال اللذين يُديران إمبراطورية أعمال الإخوان، وهما المهندس خيرت الشاطر وحسن مالك، يتفاوضان لشراء شركات «منصور شيفروليه» وسلسلة متاجر «مترو»، ويؤسسان سلسلة ثالثة، أطلقوا عليها اسم «زاد». وكل ذلك وغيره مما يتكشف يومًا بعد يوم، هو بقصد أن يصبح الإخوان هم المُحتكر الأول، والأكبر، والأوحد، للثروة فى مصر، على أن يتولوا هم «حق الانتفاع»، للآخرين بشكل انتقائى. وعلى الله قصد السبيل.
بقلم د سعد الدين ابراهيم