![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حقاً أنا كلبة _ أغسطينوس ![]() هذه المراة الكنعانية، التي سمعنا قصتها الآن في درس الإنجيل، تُظهر لنا مثالاً للتواضع، ونموذجاً للتقوى. من الواضح أنها لم تكن من شعب إسرائيل، الذي جاء منه الآباء والأنبياء، وأجداد ربنا يسوع المسيح بحسب الجسد، الذين منهم تَحدَّرت العذراء مريم أُمَّ المسيح. إنَّ المرأة الكنعانية لم تكن من ذلك الشعب، بل من الأمم. نقرأ أن الرب خرج إلى نواحي صور وصيدا، وإذ امرأة كنعانية تلتمس منه العون على شفاء ابنتها التي قيَّدها إبليس. فمدينتا صور وصيدا لم تكونا من مُدن إسرائيل، بل من مُدن الأمم، مع أنها كانتا قريبتين من ذلك الشعب. لذلك قرعت بجرأة وصاحت متلهفة بإلحاح لنيل العون منه، لكن يسوع تجاهلها، ليس بغرض رفض تقديم الرحمة لها، بل لإضرام رغبتها، وإظهار فضيلة التواضع لديها. لذلك صرخت وبكت، بينما الرب كما لو أنه لم يسمع، إلا أنه كان في صمت يأمر بتنفيذ ما كان على وشك القيام به. التلاميذ ترجوا الرب من أجلها، وقالوا: "اصرفها لأنها تصيح ورائنا". أما هو فقال: "لم ارسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" ........ فأتت وسجدت له قائلة: "يا سيد اعني". فاجاب وقال: "ليس حسناً ان يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. أنتِ كلبة، أنتِ واحدة من الوثنيين، أنتِ تعبدين الأصنام .. ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب". لو كانت قد تراجعت بعد هذه الكمات، لكانت انصرفت كما جاءت: كلبة. لكنها بالتوسل صنعت من كلبة إنساناً. لأنها ثابرت في السؤال، ومن جراء هذا التوبيخ أظهرت تواضعها، وحصلت على الرحمة. إذ أنها لم تغضب أو تنفعل بكونه دعاها كلبة، عندما طلبت البركة وتوسلت الرحمة، لكنها قالت: "بالفعل، يارب، أنت قد دعوتني كلبة، وحقاً أنا كذلك، أنا اعترف وأقر بلقبي هذا. أنه الحق الذي يتحدث. لكنني أترجى أن لا يتم رفضي من أجل ذلك، حقاً يا سيد أنا كلبة، والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. انها فقط بركة صغيرة ومعتدلة تلك التي أشتهيها، أنا لا ألح في الجلوس على المائدة، أنا أسعى فقط للفتات" أنظروا يا أخوتي، مقدار التواضع الظاهر أمامنا ! الرب قد دعاها كلبة، وهي لم تقل "أنا لست كذلك"، بل قالت "بالفعل أنا كذلك"، ولكونها أقرَّت واعترفت أنها بالفعل كلبة، قال الرب على الفور: "يا امرأة عظيم إيمانك، ليكن لكِ كما تريدين. لقد اعترفتِ بكونك كلبة وها أنا الآن اعترف بأنك إنسانة، عظيم إيمانك، لقد سألتِ وطلبتِ وقرعتِ، لذا تأخذي وتجدي ويُفتح لك" أنظروا يا أخوتي، كيف أن هذه المرأة الكنعانية، الآتية من الأمم، والمُمثَّلة نموذجاً ورسماً للكنيسة، قد مُدحَ تواضعها كثيراً. لقد وُبِّخ الشعب اليهودي في الإنجيل، لأنه انتفخَ كبرياءً وعظمةً. إنه اختير لتسلُّم الشريعة، منهم تحدَّر الآباء، ومنه كان الأنبياء، ومنه خادم الله موسى الذي صنع عجائب عظيمة في مصر ... هذه الأمور كانت أساساً لتبجُّح الشعب اليهودي. وبسبب ذلك التكبُّر، لم يستجب للمسيح مُبدع التواضع، وكابح جماح المُنتفخين المغرورين، ولم يتضع للطبيب الإلهي، الذي صار إنساناً - مع كونه إله - لكي يعرف الإنسان حقيقة ذاته. إن تواضع الرب دواء عظيم ! فإذا لم يَشفِ هذا الدواء الكبرياء فما يشفيها ! هو الله وصار إنساناً. أخلى ذاته، وحجب لاهوته، وأخفى ما له، وظهر بالجسد الذي اتخذه لنفسه. الله صار إنساناً، أما الإنسان فلا يريد أن يعترف بكونه مجرد إنسان، فهو لا يُدرك أنه فانٍ، لا يُقِّر أنه ضعيف، لا يعترف بكونه خاطئ، لا يُقِّر بكونه مريض، وبما أنه مريض فعليه استشارة الطبيب! والأسوأ من ذلك، أنه يرى نفسه صحيحاً ! لهذا السبب، لم يَدنُ منه الشعب، لكبريائه ... أمّا المرأة فأعلنت التواضع بقولها "نعم يارب، أنا كلبة وأبتغي الفتات". بهذا التواضع أقرَّ قائدُ المائة أمام يسوع، بعد أن طلب إلى الرب أن يشفي خادمه، أجاب الرب "أنا آتي وأشفيه". فأجاب قائد المائة "يارب، لست أهلاً لأن تدخُل تحت سقفي. لكي يكفي أن تقول كلمة فيبرأ غلامي" (مت 8). لم يستقبل الرب تحت سقفه لكنه أدخله قلبه. كلما ازداد تواضع الإنسان يصبح أكثر سعة وامتلاء. التلال لا تُمسك الماء، أما الوديان فتمتلئ. فبماذا أجاب الرب بعد أن قال له قائد المائة: "لست أهلاً لأن تدخل تحت سقفي"؟ قال : "الحق أقول لكم، لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا" - أي في أحد من أبناء هذا الشعب الذي جئتُ من أجله. ولماذا إيمانه عظيم؟ عظيم بكونه آخر الكل، عظيم في التواضع. "لم أجد مثل هذا الإيمان"، كحبة الخردل - كلما صغرت كانت فاعليَّتُها أقوى. لذلك طَعَّم الرب الفرع البَريّ في الزيتونة. فَعَل ذلك عندما قال: "الحق أقول لكم: لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا" .... ليتنا نتعلم ذلك، ونتسمك بالتواضع. إذا كان إلى الآن ينقصنا، لنتعلم التواضع. إذا كان لدينا، دعونا لا نفقده. لنكتسب التواضع حتى يتم تطعيمنا، وإن كان لدينا بالفعل لنحتفظ به بحرص شديد حتى لا نُقطع. |
![]() |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كآبة وآرق |
كآبة القلب |
تغلبي على كآبة أول الأسبوع |
كلبة فعلا كلبة |
كأبة القلب |