
14 - 10 - 2025, 12:58 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
التَّمجيد (لوقا 17: 15)
يَربِطُ يسوعُ معجزةَ الشِّفاءِ بعُنصرَينِ أساسيَّين: الأوَّل هو الإيمان، والثّاني هو التَّمجيدُ والشُّكر. وقد أدركَ السّامِريُّ هذا البُعدَ الثُّنائيَّ في خبرتِه، لذلك عادَ مُمجِّدًا وشاكرًا.فالإنجيلُ يقول:"رَجَعَ السّامِريُّ وهُو يُمَجِّدُ اللهَ بِأَعلَى صَوتِه" (لوقا 17: 15).
إنَّ قُدرةَ الرَّبِّ يسوعَ الشّافيةَ هي الّتي جعلَت الشِّفاءَ مُمكنًا،لكنَّ المعجزةَ تَفترِضُ وجودَ الإيمان،بينَما التمجيدُ يأتي تِلقائيًّا بعدَ المعجزة كنتيجةٍ طبيعيّةٍ لِمَن يُدرِك أنَّ ما حَدث هو تدخُّلٌ إلهيٌّ مباشرٌ وحُضورٌ كاملٌ للهِ في حياتِه.فالتمجيدُ ليسَ مُجرَّدَ انبهارٍ بالعَجيبة، بل هو انكشافُ مجدِ اللهِ في القلب،واعترافٌ حيٌّ بحضورِه المُخلِّص.ولذلك قالَ يسوعُ مُتعجِّبًا:"أَمَا كانَ فيهِم مَن يَرجِعُ ويُمَجِّدُ (δοῦναι δόξαν) اللهَ سِوى هذا الغَريب؟(لوقا 17: 18)
لقد قامَ السّامِريُّ بتمجيدِ اللهِ بأعلى صوتِه، ليُعبِّرَ عن فرحِه العَظيمِ وشُكرِه الصّادق (لوقا 17: 15). ويُعلِّقُ القدّيسُ بِرنَردُس قائلًا:"إنَّ هذا السّامِريَّ الأبرصَ اعترَفَ أنَّهُ ليسَ هناكَ شَيءٌ لَهُ لَمْ يَنَلْهُ(1 قورنتس 4: 7)، وأنَّهُ حفِظَ وديعتَهُ إلى ذلك اليوم(2 طيموتاوس 1: 12)، ورَجِعَ إلى الرَّبِّ ليُعطيَ مَجدًا للهِ.طوبى لِمَن يَرجِعُ إلى الّذي مِلؤُه النِّعمُ كُلَّما نالَ نِعمةً،لأنَّنا إذا أظهَرْنا امتِنانَنا تجاهَ الرَّبِّ على ما حَصَلْنا عليه،نُهَيِّئُ في أنفُسِنا أماكنَ لاستِقبالِ نِعَمٍ أَوفَر."لقد نادى السّامِريُّ يسوعَ قبلَ نَيلِ الشِّفاءِ بلَقبِ "أَيُّها المُعَلِّم" (ἐπιστάτα)،أمّا بعدَ نَوالِه العَجيبةَ، فقد عادَ إليه ليَعبُدَه ويُمجِّدَه ويَشكُرَه كـرَبٍّ وإلهٍ.إنَّ خبرتَه تُذكِّرُنا بـــ نُعمانَ السّوريّ الغَريب الّذي، بعدَ شِفائِه، أعلنَ إيمانَهُ بالإلهِ الحيّ قائلاً:"هُوَذا قَد عَرَفتُ أنَّهُ ليسَ إلهٌ في كُلِّ الأرضِ إلاّ في إسرائيل" (2 ملوك 5: 15).
كما أعلَنَ نُعمانُ الغَريبُ إيمانهُ بالإلهِ الواحدِ،هكذا شعَرَ السّامِريُّ أنَّ يسوعَ ليسَ صانعَ عَجائبٍ فحسب،بل هو مَحبَّةُ اللهِ المُتجسِّدة، فاختَبَرَ حَياتَهُ كتَسليمٍ وتمجيدٍ وسُجود.فـسجَدَ لهُ بتواضعٍ، وشكَرَهُ على فيضِ مَحبَّتِه ونِعَمِه.ويقولُ القدّيسُ أثناسيوس الكبير:"هذا الأبرصُ السّامِريُّ مثلٌ حيٌّ لِحياةِ الشُّكر، الّتي تَكشِفُ عن قَلبٍ يَتعلَّقُ بواهبِ العَطيّةِ (الله)،أكثرَ مِن العَطيّةِ نَفسِها."
لقد أحسَّ العَشَرَةُ جميعًا بالمعجزة، واختَبَروا الأعجوبةَ، ونالوا الشِّفاءَ،لكنَّ واحِدًا فقط عادَ ليُمجِّدَ الرَّبَّ ويشكُرَه.وهنا يَصدُقُ عليهم المثلُ الشعبيّ:"صَلَّيتُ حتّى حَصَلي، لَمّا حَصَلي، بَطَّلت أُصَلِّي."فجاءَ سُؤالُ يسوعَ المَليءُ بالأسفِ والحنان:"أَلَيسَ العَشَرَةُ قد بَرِئوا؟ فأينَ التِّسعَة؟(لوقا 17: 17). إنَّهُ سؤالٌ يُعبِّرُ عن حُزنِ المخلِّصِ على جُحودِ مَن نالوا النِّعمةَ دونَ أن يَشكُروا،فهو كان يُريدُ أن يُعطيَهم جميعًا المزيدَ من النِّعمِ الرّوحيّة،لكنَّهم حرَموا أنفسَهم ببرودِ قلوبِهم.ويقولُ مار إسحاق السّريانيّ:"كُلُّ عطيّةٍ بلا شُكرٍ هي بلا زيادة."ويُؤكِّدُ القرآن هذا المبدأَ أيضًا:"لَئِنْ شَكَرْتُم لَأَزِيدَنَّكُم" (سورة إبراهيم 7). إنَّ شُكرَنا للربِّ يَفتَحُ البابَ أمامَ معجزاتٍ وبَركاتٍ أعظمَ في حياتِنا.ويُضيفُ القدّيسُ بِرنَردُس في عظاتٍ أُخرى:"يا لِبُؤسِنا وشَقائِنا عندما نَنسى مَجّانيَّةَ العَطيّةِ الّتي نِلناها،بعدَ أن كنّا أوَّلاً وديعينَ ومُتواضعينَ ومُتديّنين."
|