![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() عَدْلُ يسوعَ تجاهَ الفِرِّيسِيِّين خانتِ المرأةُ الزانيةُ زوجَها، وبموجبِ الشريعةِ الموسويّة، تَستحقُّ الموتَ رَجمًا، كما وردَ في سِفرِ الأحبار: "أَيُّ رَجُلٍ زَنى بِامرَأَةِ رَجُلٍ (الَّذي يَزني بِامرَأَةِ قَريبِهِ)، فَليُقتَلِ الزَّاني والزَّانِيَة" (الأحبار 20: 10). ويُعلِّق الفيلسوفُ البولنديُّ شوبنهاور: "أُؤَكِّدُ أنَّ الإنسانَ من طَبيعتِهِ، ليس فقط شرّيرًا ويَسمَحُ لنفسِهِ بصُنعِ الشَّر، لكنَّه لا يَحتَمِلُ صُنعَه عند جارِهِ." لقد تَجاهَلَ رؤساءُ اليهودِ الشَّريعة، إذ أَحضَروا المرأةَ دونَ الرَّجُل، في حينِ أنَّ الشريعةَ تُطالِبُ برَجمِ كِلا الطَّرَفَين. لكنَّهُم استخدَموا المرأةَ الزانيةَ فخًّا لاصطيادِ يسوع؛ فإن قال: "لا تُرجَم"، لَأَمسكوا عليه خِلافَه لشريعةِ موسى، وإن وافقَ على رجْمِها، لَاشتَكوه للرُّومان الذين كانوا يمنعون اليهودَ من تنفيذِ أحكامِ الإعدامِ بأنفسِهِم. في الحقيقة، لم يكن أمرُ المرأةِ يعنيهم، بل كان همُّهُم اصطيادَ يسوع. وفي الواقع، "انحنى يسوعُ يَخطُّ بإِصبَعِهِ في الأرض" (يوحنَّا 8: 6). لهذا الصَّمتِ والكتابةِ في التّراب غايتان: 1. تهدئةُ رَوعِ المرأةِ الزانية، وإعطاؤُها شُعورًا بالأمانِ والثِّقة. 2. دعوةُ خصومِه للدُّخولِ إلى أعماقِ ذَواتِهِم، لاكْتشافِ خَطَاياهم، فبصَمتِهِ كان يُعلِّمهم أنَّه لا يَجوزُ للخاطئِ أن يَرجُمَ خاطئًا مثلَه. ولمّا ألحُّوا عليه أن يَحكُم عليها، اتَّخذَ يسوعُ موقفَ العدل تجاهَ الفريسيِّينَ، وموقفَ الرحمة تجاهَ المرأةِ الزانية. لم يُدِنها، بل أعادَهم إلى ضمائِرِهِم، قائلاً:"مَن كانَ مِنكُم بلا خَطيئة، فَليَكُنْ أَوَّلَ مَن يَرميها بحَجر". أي، انظُروا داخلَ أنفسِكم، قبل أن تُصدِروا أحكامًا قاسية. "فانصرَفوا واحِدًا بعدَ واحِدٍ، يَتقدَّمُهُم كِبارُهُم سِنًّا" (يوحنَّا 8: 9). لقد ارتدَّ حُكمُ الفِرِّيسيِّينَ عليهم؛ فمَن يَجرُؤُ على أن يرجمَ نَفسَهُ بحَجر؟ أدانَ يسوعُ الفريسيِّينَ والكتبةَ، حين اعترفوا بخطاياهم بالانسحاب. فهم يَحبّون أن يُدينوا الآخرين، ويَفرحون بأخطائِهِم، ويَظُنّونَ أنَّهُم يُطبِّقونَ الشَّريعة، لكنَّهم في الواقع حوَّلوا القوانينَ إلى حجارةٍ يَرمونَ بها النّاس. وفي هذا السِّياق، كتب القدِّيس أمبروسيوس: "حيثُ تكونُ الرَّحمة، هناكَ الله؛ وأمّا حيثُ تكونُ القساوةُ والتّصلُّبُ والحُكم، فَرُبَّما تَجِدون خُدّامَ الله، ولكنَّكُم لن تَجِدوا الله." اللهُ لا يَحتَمِلُ المُرائينَ، أصحابَ القلوبِ المُزدَوِجة، ولا يَحتملُ مَن يُحاكِمون الآخرين وهم أنفسُهُم تحتَ الدَّينونة. إنَّ جوهرَ المسيحيَّةِ هو المُصالَحةُ بين الله والإنسان. يسوع يُحارِبُ قلبَ المرائي المُتحجِّر، ويَدينُ انتهاكَ حياةِ الآخرين، سواء بالحِجارة أو بالسُّلطة. وقد أظهر الكتبةُ والفريسيونَ، أنَّهُم يَغارون ضدَّ الخطيئة، لكنَّهُم لم يَتحرَّروا منها. كما وصفَهم يسوع: "الوَيلُ لَكُم أَيُّها الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكُم أَشبَهُ بِالقُبورِ المُكَلَّسَة، يَبدو ظاهِرُها جَميلاً، وأمّا داخِلُها فمُمتَلِئٌ مِن عِظامِ المَوتى وكُلِّ نَجاسَة" (متى 23: 27–28). لم يَتَحاشَ السَّيِّدُ المسيحُ الشَّبكةَ التي نَصَبَها له الكَتَبَةُ والفِرِّيسِيُّونَ، وإنّما سَمَحَ لهم أن يَسقُطوا في ذاتِ الشَّبكة، إذ شَعَروا بالخِزيِ والعارِ أمامَ الجَمع. إذ لم يستطيعوا تنفيذَ النَّاموس، لأنَّه لم يُوجَدْ أحدٌ مِنهم مُستحِقًّا أن يَرفعَ أوَّلَ حجرٍ ويَرميَه على المرأةِ الزَّانية. "فانصَرَفوا واحِدًا بَعدَ واحِدٍ، يَتقدَّمُهُم كِبارُهُم سِنًّا" (يوحنَّا 8: 9). لقد حوَّلَ السَّيِّدُ المسيحُ أنظارَهُم مِن التَّركيزِ على تصرُّفاتِ المرأةِ الزانية، أو مِن انتِظارِ الحكمِ عليها، إلى ضَّمائرِهِم الدَّاخليَّة، لِيَروا الفَسادَ في أعماقِهِم، لَعَلَّهُم يَتوبون ويَرجِعون إلى الله. لكن عِوَضًا عن الاعترافِ بالخطيئة، وقَبولِ مَشورةِ طبيبِ النُّفوس، هَربوا، كما فَعَلَ الشَّعبُ في معركةِ داود ضدَّ أبشالوم: "فانقَلَبَ النَّصرُ في ذلِكَ اليومِ إلى مَنَاحَةٍ عندَ كُلِّ الشَّعب" (2 صموئيل 19: 3). ما فَعَلوه أنَّهُم خَشُوا الفضيحةَ والعَار، فهربوا لا إلى المسيحِ مُخلِّصِهِم، بل إلى خارِجِ نورِه، حتى لا يَفضَحَهُم. إنَّ كلماتِ يسوعَ وتصَرُّفاته تُزيلُ الأحكامَ المُسبقة، لأنَّهُ بِرَحمته يقودُنا أبعدَ مِن الأحكامِ الأخلاقيّة. إنَّهُ يَطلُبُ مِن العينِ ألاّ ترى الخطيئةَ في الآخَرِ فقط، بل أن تلمحَ النُّورَ المزروعَ في قلبِه. فمَن يُدينُ أخاهُ، يُدان، وبِالحُكمِ الذي يَحكمُ به على الغير، يُحكَمُ عليه: "لا تَدينوا فَلا تُدانوا. لا تَحكُموا على أَحدٍ، فلا يُحكَمَ علَيكم" (لوقا 6: 37). ولأنَّ الحكمَ للهِ وحدَه، يُعلِّمُ بولسُ الرَّسولُ قائلاً: "فلا تَدينوا أَحدًا قبلَ الأوان، قبلَ أن يَأتيَ الرَّبّ، فهو الَّذي يُنيرُ خَفايا الظُّلُمات، ويَكشِفُ عن نِيَّاتِ القُلوب، وعِندَئِذٍ يَنالُ كُلُّ واحِدٍ مِنَ اللهِ ما يَعودُ عليهِ مِنَ الثَّناء" (1 قورنتس 4: 5). بعد أن حارَبَ يسوعُ الشرَّ في الَّذين استَعبَدَهُم الشَّر، التفتَ إلى الَّذين اعتَبرَهُم المجتمعُ خاطئين، وأوّلهم المرأةُ الزانية. إنَّ هناك تَعارُضًا واضحًا بين تصرُّف الكَتَبَةِ والفِرِّيسِيِّينَ من جهة، وتصرُّفِ يسوعَ من جهةٍ أخرى: - الكَتَبَةُ والفِرِّيسِيُّونَ أرادوا الحُكمَ على المرأة، باعتبارهم حُمَاةَ الشَّريعة وتطبيقِ العدالة؛ - أمّا يسوعُ، فأراد خلاصَها، لأنَّه يُجَسِّدُ رحمةَ الله، الَّذي بالمغفرةِ يَفدي، وبالمُصالحةِ يُجدِّد. هو وحده القادر على تحويل الشريعة من أداة دينونة إلى وسيلة توبة، ومن منصة حُكم إلى لقاء يُخلّص. |
![]() |
|