![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() خيرات عِوَض المجاعة 18 وَلَمَّا نَزَلُوا إِلَيْهِ صَلَّى أَلِيشَعُ إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: «اضْرِبْ هؤُلاَءِ الأُمَمَ بِالْعَمَى». فَضَرَبَهُمْ بِالْعَمَى كَقَوْلِ أَلِيشَعَ. 19 فَقَالَ لَهُمْ أَلِيشَعُ: «لَيْسَتْ هذِهِ هِيَ الطَّرِيقَ، وَلاَ هذِهِ هِيَ الْمَدِينَةَ. اتْبَعُونِي فَأَسِيرَ بِكُمْ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي تُفَتِّشُونَ عَلَيْهِ». فَسَارَ بِهِمْ إِلَى السَّامِرَةِ. 20 فَلَمَّا دَخَلُوا السَّامِرَةَ قَالَ أَلِيشَعُ: «يَا رَبُّ افْتَحْ أَعْيُنَ هؤُلاَءِ فَيُبْصِرُوا». فَفَتَحَ الرَّبُّ أَعْيُنَهُمْ فَأَبْصَرُوا وَإِذَا هُمْ فِي وَسَطِ السَّامِرَةِ. 21 فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لأَلِيشَعَ لَمَّا رَآهُمْ: «هَلْ أَضْرِبُ؟ هَلْ أَضْرِبُ يَا أَبِي؟» 22 فَقَالَ: «لاَ تَضْرِبْ. تَضْرِبُ الَّذِينَ سَبَيْتَهُمْ بِسَيْفِكَ وَبِقَوْسِكَ. ضَعْ خُبْزًا وَمَاءً أَمَامَهُمْ فَيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا، ثُمَّ يَنْطَلِقُوا إِلَى سَيِّدِهِمْ». 23 فَأَوْلَمَ لَهُمْ وَلِيمَةً عَظِيمَةً فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ فَانْطَلَقُوا إِلَى سَيِّدِهِمْ. وَلَمْ تَعُدْ أَيْضًا جُيُوشُ أَرَامَ تَدْخُلُ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. 24 وَكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ بَنْهَدَدَ مَلِكَ أَرَامَ جَمَعَ كُلَّ جَيْشِهِ وَصَعِدَ فَحَاصَرَ السَّامِرَةَ. 25 وَكَانَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي السَّامِرَةِ. وَهُمْ حَاصَرُوهَا حَتَّى صَارَ رَأْسُ الْحِمَارِ بِثَمَانِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، وَرُبْعُ الْقَابِ مِنْ زِبْلِ الْحَمَامِ بِخَمْسٍ مِنَ الْفِضَّةِ. 26 وَبَيْنَمَا كَانَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ جَائِزًا عَلَى السُّورِ صَرَخَتِ امْرَأَةٌ إِلَيْهِ تَقُولُ: «خَلِّصْ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ». 27 فَقَالَ: «لاَ! يُخَلِّصْكِ الرَّبُّ. مِنْ أَيْنَ أُخَلِّصُكِ؟ أَمِنَ الْبَيْدَرِ أَوْ مِنَ الْمِعْصَرَةِ؟» 28 ثُمَّ قَالَ لَهَا الْمَلِكُ: «مَا لَكِ؟» فَقَالَتْ: «إِنَّ هذِهِ الْمَرْأَةُ قَدْ قَالَتْ لِي: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ الْيَوْمَ ثُمَّ، نَأْكُلَ ابْنِي غَدًا. 29 فَسَلَقْنَا ابْنِي وَأَكَلْنَاهُ. ثُمَّ قُلْتُ لَهَا فِي الْيَوْمِ الآخَرِ: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ فَخَبَّأَتِ ابْنَهَا». 30 فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ الْمَرْأَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَهُوَ مُجْتَازٌ عَلَى السُّورِ، فَنَظَرَ الشَّعْبُ وَإِذَا مِسْحٌ مِنْ دَاخِل عَلَى جَسَدِهِ. 31 فَقَالَ: «هكَذَا يَصْنَعُ لِي اللهُ وَهكَذَا يَزِيدُ، إِنْ قَامَ رَأْسُ أَلِيشَعَ بْنِ شَافَاطَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ». 32 وَكَانَ أَلِيشَعُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ وَالشُّيُوخُ جُلُوسًا عِنْدَهُ. فَأَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ أَمَامِهِ. وَقَبْلَمَا أَتَى الرَّسُولُ إِلَيْهِ قَالَ لِلشُّيُوخِ: «هَلْ رَأَيْتُمْ أَنَّ ابْنَ الْقَاتِلِ هذَا قَدْ أَرْسَلَ لِكَيْ يَقْطَعَ رَأْسِي؟ انْظُرُوا! إِذَا جَاءَ الرَّسُولُ فَأَغْلِقُوا الْبَابَ وَاحْصُرُوهُ عِنْدَ الْبَابِ. أَلَيْسَ صَوْتُ قَدَمَيْ سَيِّدِهِ وَرَاءَهُ؟». 33 وَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ إِذَا بِالرَّسُولِ نَازِلٌ إِلَيْهِ. فَقَالَ: «هُوَذَا هذَا الشَّرُّ هُوَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. مَاذَا أَنْتَظِرُ مِنَ الرَّبِّ بَعْدُ؟» إذ ظن ملك أرام أن عدوه الحقيقي الذي يُفسِد كل خططه العسكرية هو أليشع أرسل قوات وجيشًا ثقيلاً للقبض عليه، فإذا بأليشع يُلقِي القبض عليهم، ويطلب من ملك إسرائيل أن يُقدِّم لهم وليمة، علامة إقامة عهد بين الطرفين. وَلَمَّا نَزَلُوا إِلَيْهِ صَلَّى أَلِيشَعُ إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: اضْرِبْ هَؤُلاَءِ الأُمَمَ بِالْعَمَى. فَضَرَبَهُمْ بِالْعَمَى كَقَوْلِ أليشع. [18] يُفهَم من نزولهم إليه أن أليشع خرج من المدينة، وكان الأراميون قد حلُّوا في مكان أعلى من دوثان، فنزلوا لكي يلقوا القبض عليه. ربما لم يصابوا بالعمى الكامل، لكنهم أصيبوا بالعجز عن تمييز ما يتطلعون إليه بوضوح، لهذا كانوا قادرين على السير وراء أليشع، لكنهم لم يعرفوا أليشع، ولا الطريق الذي ساروا فيه. v بالتأكيد أيها الجنود المحيطون، تسمعون أنه حيث يوجد غدر يكون هناك عمى. لذلك بحقٍ كان جيش غير المؤمنين أعمى. ولكن حيث يوجد إيمان، يوجد جيش الملائكة. صالح إذن هو الإيمان، الذي يمارس غالبًا سلطانه بين الأموات (أع 17: 31؛ كو 2: 12). لذلك عدونا (إبليس) وحشوده يرتدُّون بقوة بفضيلة الشهداء. القديس أمبروسيوس عرقل نظرهم، وربط أعينهم، واقتادهم إلى حيث شاء، وأذلهم. أُرسلوا ليصطادوه مثل الجبابرة، فاصطادهم هو، وجلبهم مثل الضعفاء. جلب ثوب الضلالة وبسطه على وجوههم، واقتادهم مثل عميان حتى يخزيهم. ذهبوا معه وهم ينظرون إليه دون أن يروه ليصيروا سخرية بجنونهم على من تجاسروا. ضُرِبَ الأشقياء من قبل ملائكة الله التابعين له، وهرب نور وجوههم. القديس مار يعقوب السروجي القديس مار أفرام السرياني القديس باسيليوس الكبير لَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَ، وَلاَ هَذِهِ هِيَ الْمَدِينَةَ. اتْبَعُونِي، فَأَسِيرَ بِكُمْ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي تُفَتِّشُونَ عَلَيْهِ. فَسَارَ بِهِمْ إِلَى السَّامِرَةِ. [19] عندما ذهب أليشع لملاقاة أعدائه. قال لهم: "ليست هذه هي الطريق، ولا هذه هي المدينة. اتبعوني، فأسير بكم إلى الرجل الذي تُفتشون عليه" [19]. كيف يكذب رجل الله على هؤلاء الجنود؟ هل الكذب مُبَاح في حالة الحروب؟ ما قاله أليشع لم يكن في الحقيقة كذبًا، لأن جنود أرام كانوا ذاهبين إلى دوثان لأسر أليشع، لكن الله أعماهم، وجاء أليشع إلى المدينة للقائهم خارج المدينة، وكان ذلك فعلاً خارج دوثان، وبهذا لم يكن دخول دوثان هو الطريق الصحيح للقبض على أليشع. ذهب أليشع أمامهم إلى السامرة، وقال لهم: "اتبعوني فأسير بكم إلى الرجل الذي تفتشون عليه"، وكان هذا صحيحًا. سار بهم إلى السامرة، وعندما وصل هناك، فتح الله أعينهم ورأوا أليشع، فسأل الملك أليشع هل أقتلهم، لكن أليشع طلب أن يوضع أمامهم خبز وماء. فَلَمَّا دَخَلُوا السَّامِرَةَ، قَالَ أليشع: يَا رَبُّ افْتَحْ أَعْيُنَ هَؤُلاَءِ فَيُبْصِرُوا. فَفَتَحَ الرَّبُّ أَعْيُنَهُمْ، فَأَبْصَرُوا، وَإِذَا هُمْ فِي وَسَطِ السَّامِرَةِ. [20] كما طلب لهم العمى طلب من الله أن يفتح لهم أعينهم، فالله في سلطانه أن يسمح بالعمى لأجل تأديبهم وتعرفهم على عجزهم، وأن يسمح لهم بالبصر لكي تبصر قلوبهم الحق الإلهي. يقول القديس أمبروسيوس: [على أي الأحوال أراد أليشع أن يُخَلِّصَ لا أن يهلك هؤلاء الذين خُدِعوا بالحق، فإنهم لم يُصابوا بالعمى بتصرفٍ غبيٍ بل بقوة الرب.] v قادهم وأدخلهم إلى قلب السامرة، ودعا الرب، ففتح عيونهم المُغلَقة. رفع عنهم الضلالة التي لبسوها، فاستناروا وعرفوا أين هم؟ وكيف أتوا؟ عرفوا أيضا أنه الرجل الذي كانوا يطلبونه، فخافوا واضطربوا، كيف لم يعرفوه في الطريق. فهموا أنه أليشع، وأنهم كانوا يبحثون عنه، وهو يتكلم معهم في الطريق ولم يعرفوه. أضحى الأشقياء مُلامين وضعفاء ومملوءين خوفًا، ومحتقرين، وجهلة، وتحت الموت الذي أفزعهم. نظروا إلى رجل الله كيف هو، واحتقروا الملك الذي أرسلهم. القديس مار يعقوب السروجي هَلْ أَضْرِبُ؟ هَلْ أَضْرِبُ يَا أَبِي؟ [21] سبق أن استخدم أليشع تعبير "يا أبي" في حديثه عن إيليا النبي، كما استخدم خدام نعمان نفس الاصطلاح في حديثهم مع نعمان، وها هو ملك إسرائيل أيضًا يستخدم ذات التعبير في حديثه مع أليشع النبي. مع أن ملك إسرائيل كان شريرًا، لكنه كان يُقدِّر أليشع، ويُدرِك تقواه، فدعاه: "يا أبي". طلب أليشع النبي من الملك ألا يقتل الأراميين، إذ كان يجب على الملك ألا ينسب لنفسه الفضل فيما فعله الله وحده، بل يستضيفهم ليشهدوا لله الذي يريد أن يفتح العيون الداخلية لترى مراحم الله وتُدرِك خطته. يُعَلِّق القديس أمبروسيوس على تصرُّف أليشع الذي آمن بحماية الله وفي نفس الوقت لم ينتقم لنفسه، بل بالبرِّ طلب تقديم طعام للجند الذين سلَّمهم الرب له دون تعبٍ بشريٍ. يقول: [واضح من هذا أن الإيمان والبرّ يجب حفظهما حتى في الحرب، وأنه لأمر مشين أن يُنتَهك الإيمان.] v ماذا اتبع أليشع سوى الفضيلة، عندما أحضر جيش سوريا الذي جاء لكي يقبض عليه ويسبيه، بعد أن غطَّى أعينهم بالعمى؟ قال: "يا رب افتح أعين هؤلاء فيبصروا" [20]، فأبصروا. وعندما أراد ملك إسرائيل أن يقتل أولئك الذين دخلوا، وطلب إذنًا من النبي بذلك، أجابه بأن هؤلاء الذين جاءوا إلى السبي ليس بقوة الذراع ولا بأسلحة الحرب، يلزم ألا يُقتلوا، بل يُمدُّوا بالطعام. القديس أمبروسيوس تَضْرِبُ الَّذِينَ سَبَيْتَهُمْ بِسَيْفِكَ وَبِقَوْسِكَ. ضَعْ خُبْزًا وَمَاءً أَمَامَهُمْ، فَيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا، ثُمَّ يَنْطَلِقُوا إِلَى سَيِّدِهِمْ. [22] فَأَوْلَمَ لَهُمْ وَلِيمَةً عَظِيمَةً، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ، فَانْطَلَقُوا إِلَى سَيِّدِهِمْ. وَلَمْ تَعُدْ أَيْضًا جُيُوشُ أرام تَدْخُلُ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. [23] إن كانت القصة في بدايتها مدهشة، إلا إنها تكشف عن رعاية الله الفائقة للملتصقين به، غير أن نهايتها أكثر دهشة، فقد اقتاد أليشع الجيش القادم للقبض عليه إلى المدينة، وكان يُمكن قتلهم جميعًا بسهولة. لكن عوض ذلك طلب من ملك إسرائيل أن يُعدَّ لهم وليمة ويتركهم يرجعون إلى بنهدد دون أن تصيبهم أذية. عاملهم النبي كضيوفٍ وأكرمهم، إذ طلب من الملك أن يقوتهم. وكان لهذا العمل أثره الطيب عليهم كما على ملك أرام، فلم يرسل بعد جيوشًا إلى أرض إسرائيل إلى حين. مارس أليشع محبة الأعداء [8-26]، وقدَّم لنا السيد المسيح نفسه مثلاً لمحبة الأعداء (لو 22: 49-51). وهكذا عاشت الكنيسة الأولى تمارس وصية محبة الأعداء (أع 7 59-60؛ رو 12: 20). عمل المحبة الصادر عن قلب نقي أزال العداوة التي في أرام ضد إسرائيل إلى حين. لا نعلم المدة التي كفَّ فيها الأراميون عن مهاجمة المملكة الشمالية، لكن الأرجح أنه قد مضت بضع سنوات قبل حدوث الهجوم المذكور في [24]، إذ نسى الأراميون هذه القصة. v تأثروا بالمعاملة اللطيفة، فالتزموا أن يظهروا للعالم ما تلقُّوه من لطفٍ. نقرأ: [لم تعد جيوش سوريا تدخل إلى أرض إسرائيل] القديس أمبروسيوس رآهم الملك وتحرك مثل الجبار ليقتلهم، وكأنه هو الذي انتصر وأتى بهم وحبسهم. طلب أن يرفع يده ويبيدهم بالسيف، أما رجل الرب فمنعه من أن يصنع بهم شرًا. أيها الملك، إنك لم تُضعفهم في حربٍ، فلا تضربهم بقوسك ولا بسيفك. لا تفتخر بنصرة ليست هي نصرتك، أطعمهم واسقهم واِجعلهم يدهشون. تغلّب على الشر بالخير الذي سيصير للأراميين... يليق بقديس الله أن يُطعِمَ الرجال الذين أتوا ليصطادوه. بالأعجوبة العظمى التي صنع أفزعهم، وملأهم دهشة عظمى، ثم أرسلهم. صنع سلامًا بين الجانبين بدون قتال، مبارك هذا الذي أعطاه القوة والبأس والجبروت. القديس مار يعقوب السروجي وَصَعِدَ، فَحَاصَرَ السَّامِرَةَ. [24] الأرجح أن هذا كان بنهدد الثاني الذي حكم أبوه أرام في أيام الملك بعشا (1 مل 18:15). وقد أحبط أليشع محاولات بنهدد الثاني للاستيلاء على إسرائيل. وَكَانَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي السَّامِرَةِ. وَهُمْ حَاصَرُوهَا، حَتَّى صَارَ رَأْسُ الْحِمَارِ بِثَمَانِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، وَرُبْعُ الْقَابِ مِنْ زِبْلِ الْحَمَامِ بِخَمْسٍ مِنَ الْفِضَّةِ. [25] سبق أن أنبأ سفر التثنية بحدوث المجاعات عندما يرفض إسرائيل قيادة الله له. يبدو للنبي أن هذا الحصار يُعتبَر أبشع حصار عرفه التاريخ. فقد دفعهم الجوع الشديد إلى ممارسة ما هو ليس بإنساني [25-29]. إذ رفضوا كلمة الله، طعام الروح، صاروا في مجاعة خطيرة، وتحوَّلتْ أعماقهم إلى صورة وحشية، يمارسون ما لا تفعله الوحوش بالغريزة الطبيعية. جاء في تهديدات الله لشعبه أنهم إن عبدوا الأوثان وعصوا الوصية الإلهية، يسمح لهم بضربة القحط "بِكَسْرِي لَكُمْ عَصَا الْخُبْزِ. تَخْبِزُ عَشَرُ نِسَاءٍ خُبْزَكُمْ فِي تَنُّورٍ وَاحِدٍ، وَيَرْدُدْنَ خُبْزَكُمْ بِالْوَزْنِ، فَتَأْكُلُونَ وَلاَ تَشْبَعُونَ" (لا 26: 26).يكسر الله لهم عصا الخبز، أي يقطع عنهم خبز الحياة، الكلمة الإلهية، فتعيش نفوسهم في جوعٍ، لا تجد عصا تتكئ عليها. أما علامة القحط فهو عوض أن يكون لكل سيدة تنور أي فرن خاص بها، تضع فيه الخبز لتسويته، تستخدم كل عشر نساء تنورًا واحدًا. إذ ليس لدى كل منهن خبز يحتاج إلى تنور، وليس لديها الوقود اللازم لإشعال التنور. العلامة الثانية للقحط هي الحرص في الخبز، فيستخدمونه بالوزن لقلة كميته، وانتزاع البركة عنهم. ويصل القحط مداه حين تمتد أيدي الوالدين لأكل لحوم أولادهم، كما حدث في أيام يهورام بن أخآب ملك إسرائيل، إذ اتفقت امرأتان أن تطبخ كل منهما ابنها في يوم لتأكلاه معًا [24-30]، وأيضًا في أيام حصار ملك بابل لأورشليم، إذ قيل: "أيادي النساء الحنائن طبخت أولادهن، صاروا طعامًا لهن في سحق بنت شعبي" (مرا 4: 10)، وتكرر الأمر حين حاصر تيطس الروماني أورشليم. صارت رأس الحمار التي لا تؤكل مطلقًا ثمينة جدًا بسبب المجاعة. يرى القديس مار أفرام السرياني أن رأس الحمار هنا تشير غالبًا إلى تعاليم الفلاسفة المقاومين للحق الإلهي، تصير في وقت المجاعة التي تسيطر على الأرض ثمينة للغاية. ويشير زبل الحمام غالبًا إلى التفسير الحرفي للناموس، أما الحمام فيشير إلى التفسير الروحي. يرى البعض أن هذا الحصار تم بعد المجاعة التي حلت لمدة سبع سنين والمُشَار إليها في الأصحاح (2 مل 8: 1-2). وكان الموقف حرجًا للغاية، حتى صار ثمن الأكل الدنس (دينيًا) باهظ التكلفة (رأس الحمار). القاب: هو معيار يعادل نصف جالون يستخدم لكيل الأمور الجافة. زبل الحمام: يرى البعض أنه نبات بصيلي يؤكل. هذا النبات يُدعَى حاليًا "نجمة بيت لحم". وَبَيْنَمَا كَانَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ جَائِزًا عَلَى السُّورِ صَرَخَتِ امْرَأَةٌ إِلَيْهِ: خَلِّصْ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ. [26] فَقَالَ: لاَ! يُخَلِّصْكِ الرَّبُّ. مِنْ أَيْنَ أُخَلِّصُكِ؟ أَمِنَ الْبَيْدَرِ أَوْ مِنَ الْمِعْصَرَةِ؟ [27] ثُمَّ قَالَ لَهَا الْمَلِكُ: مَا لَكِ؟ فَقَالَتْ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ قَالَتْ لِي: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ الْيَوْمَ، ثُمَّ نَأْكُلَ ابْنِي غَدًا. [28] حُذِّرتْ إسرائيل من العصيان، فإن هذا يدفع الشعب إلى تصرفات تعوفها النفس (لا 26: 29؛ تث 28: 53، 57). فَسَلَقْنَا ابْنِي وَأَكَلْنَاهُ. ثُمَّ قُلْتُ لَهَا فِي الْيَوْمِ الآخَرِ: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ، فَخَبَّأَتِ ابْنَهَا. [29] بمرثاة فريدة يصوِّر لنا القديس مار يعقوب السروجي سهم الجوع يطعن قلب الأمهات، فتحوَّلن إلى وحوش مفترسة. لا بل وأكثر شراسة، لأن الوحوش لا تفترس صغارها؛ وهوذا الأمهات من جنس البشر تضربن بالسكين في أعناق أطفالهن، ولا يبالين بصرخاتهم. تَسْبَحُ أياديهن في دم أطفالهن، وتلتهم أفواههن لحمهم لكي يعشن! قدَّمتْ الأمهات لأطفالهن عذرًا، فإن لم يأكلن الأطفال، فالمجاعة تأكلهم، ويموت الأطفال مع الأمهات! v ماذا أقول عن تلك المجاعة التي حدثت هناك، حتى أكلت النساء أبناءهن بسبب الضيق؟ إنه خبر مُخيف تهرب منه الأذن، ورعدة عظيمة أن تأكل النساء أحباءهن. أفسد الجوع أرحام النساء الوالدات، لئلا يُشفقن على أولادهن عندما يقتلونهم. بدل أمهات صرن حيوانات مفترسة، وبسبب الضيق أكلن لحم أحبائهن. طرد الجوع شفقة الأم وهزمها، لئلا تعود إلى الابن الذي يهلك. طعن سهم الجوع المُرضِعة، وركعت وسقطت، وشرعت تأكل من حبيبها لكي تحيا. يا للهول العظيم! أمسكت بالوارث لتقتله، وهربت محبة الأمهات بسبب المجاعة التي حدثت. لم تخَف عندما صرخ الطفل تحت السكين، ولم ترتعب حين سبَحَتْ يداها في دمه. القديس مار يعقوب السروجي مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَهُوَ مُجْتَازٌ عَلَى السُّورِ، فَنَظَرَ الشَّعْبُ، وَإِذَا مِسْحٌ مِنْ دَاخِلٍ عَلَى جَسَدِهِ. [30] لقد مزق الملك ثيابه، وظهر أنه كان مرتديًا مُسحًا، لكنه لم يُلق باللوم على نفسه، بل على أليشع النبي وأراد قتله. لا نفع للمسوح مع قسوة القلب وعدم التوبة. كان يرتدي المُسح في الداخل، ربما لإرضاء الله أو الآلهة، ولكي لا يحبط همة شعبه. v اضطرب الملك، لأن هاتين المرأتين أرادتا أن يقتاتا ليس بأجسام بشرية فحسب، وإنما بجسمي طفليهما... هدد (الملك) أليشع النبي بالموت. إذ اعتقد أن في سلطانه أن يحطم الحصار، وأن يتجنب المجاعة. وربما غضب، لأن النبي لم يسمح للملك أن يقتل السريان الذين ضربهم بالعمى. القديس أمبروسيوس إِنْ قَامَ رَأْسُ أليشع بْنِ شَافَاطَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ. [31] لم يكن ملك إسرائيل يجهل شخصية أليشع وقداسته وإمكانياته. كان يليق أن يرجع إليه ويسأله كيف يتقدس هو ورجاله وشعبه، فيقوم الرب بإنقاذهم. لكنه حمل روح أمه إيزابل التي كانت مُحبة لسفك الدماء. يرى القديس مار أفرام السرياني أن يهورام ملك إسرائيل ثار على أليشع في غضبٍ، وقال: [بالأمس قدَّم طعامًا بوفرة للصوص الأراميين، واليوم يعطي تلاميذه فيض من الخبز ولا ينقصهم طعام، لكنه لا يبالي بشعب هذه المدينة، ويتجاهلهم في عوزهم]. فأقسم أن يقتله من أجل دم شعبه. كان يليق بيهورام ألا يلوم أليشع، بل يلوم أخآب والده، الذي احتقر الأنبياء. بالحقيقة لو اتبع كلماتهم وقتل بنهدد، لما كان هذا الملك قد حاصر السامرة، ولما ألقى به في مثل هذه الكوارث. دعي يهورام بن أخآب ابن القاتل، لأنه قتل أنبياء الرب (1 مل 18: 13)، وقتل نابوت (1 مل 21: 9-13)، واضطهد عبيد الرب وأفناهم (1مل 19: 18). جاءت أعمال يهورام تؤكد أنه ابن القاتل، لأنه لم يتب بل سلك بروح الشر الذي لأبيه. ألقى الملك باللوم على أليشع، الذي لم يتحرك لينقذ البلاد من هذه الكارثة، فأقسم بقتله فورًا. ثار عليه، لأنه ظن أنه قادر أن يُخَلِّصَه دون أن يُقَدِّم توبة لله صادقة. أعلمه الله النبي بما في نية الملك، فأخبر النبي الشيوخ بأن رسول الملك قادم ويتبعه الملك مباشرة. طلب ألا يسمحوا للرسول بالدخول حتى يأتي الملك. v ارتجف الملك من الخبر المُخيف الذي ذُكِرَ، ومزَّق ثوبه وولول وصرخ بسبب ما سمعه. أقسم وهدد أليشع الإلهي بقطع رأسه، بسبب الخبر المريع الذي سمعه. أيها الملك، بماذا أذنبَ إليك نبي الرب؟ إنه صامت في بيته، وهو مُحاصَر مثلك في المدينة؟ إن أكلت النساء أبناءهن، فما شأنه وبنات السامرة اللواتي قتلن وأكلن أحباءهن؟ إن كان يضايقك الأراميون، فما شأنه؟ لأنه ليس له رئيس فوج، ولا قائد جيش، فماذا يصنع لك؟ بماذا أخطأ إليك هذا الرجل النبي، حتى تهدد بقطع رأسه كأنه أرامي؟ لك السلاح، ولك قادة الجيوش، اخرج وحارب، وألا لا تهدد أليشع... عرف ملك السامرة من هو الرجل، وكان واثقًا من أنه إن أراد يصنع الخلاص... فكر بأنه إن صلى... تخرج صلاته، وتهلك آلاف الأراميين. إن دعا النار تنزل على الذين في الخارج، وإن أمر الأرض بإشارة لابتلعتهم. إن أرسل كلمته تخرج على صفوفهم، ويهزمهم بلا قتال، ويبيدهم. كان الملك مُحاصرًا في المدينة، صامتًا عن ضيقٍ، ولا يحزن على النساء لأنهن أكلن أحباءهن. هذا الملك هو ابن إيزابل المتعطشة إلى الدم، وقد تهيأ ليجدد ما صنعته أمه. عرف بأن لدى أليشع القوة، فلماذا لم يتوسل قبل أن يهدده ليقوم بعملٍ ما؟ المدينة محاصَرة بسبب خطايا بني الشعب، والجاهل يهدد بقطع رأس هذا القديس. القديس مار يعقوب السروجي فَأَرْسَلَ رَجُلاً مِنْ أَمَامِهِ. وَقَبْلَمَا أَتَى الرَّسُولُ إِلَيْهِ، قَالَ لِلشُّيُوخِ: هَلْ رَأَيْتُمْ أَنَّ ابْنَ الْقَاتِلِ هَذَا قَدْ أَرْسَلَ لِيَقْطَعَ رَأْسِي؟ انْظُرُوا إِذَا جَاءَ الرَّسُولُ، فَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَاحْصُرُوهُ عِنْدَ الْبَابِ. أَلَيْسَ صَوْتُ قَدَمَيْ سَيِّدِهِ وَرَاءَهُ؟ [32] تمتع أليشع النبي بموهبة الكشف عن الخفيات. رأى وهو في بيته خطة الملك لقطع رأسه وأدركها. v شعر أليشع وهو جالس في بيته أن الملك عزم فأرسل لقطع رأسه. رأى ببصيرته الروحية الرسول الذي خرج ليأتي للتنفيذ. مع أنه كان بعيدًا، رأى عن قُرْب العمل البغيض، وكشف للشيوخ الجالسين عنده عن الرسول. طلبوا منه أن يصنع الأمان وكأنه الحاكم، وأن يزجر الأراميين فيهربون. وأن يصنع الرخاء في السامرة المتضايقة، ويعطي كل الخيرات للشعب المُحاصَر... لتهزمِ الأراميين أو تموت، وطالبوه بالأمان والشبع العظيم. القديس مار يعقوب السروجي فَقَالَ: هُوَذَا هَذَا الشَّرُّ هُوَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. مَاذَا أَنْتَظِرُ مِنَ الرَّبِّ بَعْدُ؟ [33] يتساءل البعض مَن المتكلم هنا، حيث قيل: "فقال: هوذا هذا الشر هو من قبل الرب، ماذا انتظر من الرب بعد؟!" [33] هل هو حديث الملك على لسان رسوله، أم هي كلمات أليشع النبي بعد وصول الرسول، وتقديم رسالة الملك للحاضرين. يرى البعض أن الرسول قدَّم رسالة الملك التي تحمل مرارة من جهة الله ونبيّه أليشع، وعندما حاول أليشع النبي أن يدعو إلى التوبة، أجابه الرسول نيابة عن الملك: [إن كان ما قد حدث من ضيق ومرارة جاء من قبل الرب، حتى التجأت الأمهات إلى أكل أطفالهن بسبب شدة الجوع وظهور شبح الموت أمام أعينهن، فماذا ينتظر الملك بعد من الرب الذي نبيّه هو أليشع؟] هذا هو أسلوب الكثيرين حين تشتد التجربة، يلقون باللوم على الآخرين، بل وعلى الله نفسه. هنا باسم الملك يهاجم الرسول إله إسرائيل ونبيّه أليشع. لماذا ألقى الملك باللوم على أليشع النبي بخصوص المجاعة ومتاعب الحصار؟ أولاً: ربما أخبره أليشع النبي بضرورة الرجوع إلى الله بالتوبة، وبالفعل لبس الملك المسوح، لكنه لم يرجع بقلبه إلى الله، وإذ لم يُرفَع الحصار حسب مشورة النبي خداعًا له. ثانيًا: على مدى قرون كان الصراع بين الملوك والأنبياء مُرًا، فكان الملوك يتطلعون إلى الأنبياء بأنهم مصدر المتاعب. ثالثًا: ربما تذكر الملك كيف أنهى إيليا النبي المجاعة (1 مل 41:18-46)، فأدرك أنه في إمكانية أليشع أن يفعل ذلك إن أراد، فغضب عليه لأنه لم يفعل شيئًا لإنقاذ المملكة. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
صفح الله لكنه يؤدب عِوَض الأربعين يومًا |
اللاويّون عِوَض الأبكار |
عِوَض إلقاء الوقود في نيران الغضب |
فألبستني المجد عِوَض العار والخزي |
عِوَض يسوع👑 |