يعرف داود متى يصمت، ومتى يتكلم، وإن تكلم فبماذا يتكلم، وما هو دافعه للكلام، وما هي حدود كلامه. إنه لم يتحدث عن فضائله ومواقفه اللطيفة مع شاول، طلبًا لمكافأة أو لتعيير شاول والاستهزاء به، إنما لمنفعة شاول كي يقتدي به.
v في النهاية، إن كان فَمُ شاول قد نطق بهذا، فإن حكمة داود ومهارته هي التي زرعت هذا في قلبه. لقد قال: "أخبرتني اليوم عن الأمور الصالحة التي فعلتها معي، بعدم قتلك إيَّاي، عندما دفعني الرب بيدك" (راجع سيراخ 28: 12).
لقد قدَّم له شهادة عن فضيلة أخرى، وهي أنه قدَّم هذا الإحسان إذ لم يصمت ولا تغاضى عنها، بل جاء للتو وتكلم عنها، وهو في هذا لم يطلب الافتخار، إنما فعل هذا ليتعلَّم (شاول) خلال الأعمال ذاتها، أنه كان مهتمًا ومشغولاً به، وليس بمكائده وشروره.
أشار إلى إحسانه له، لكي يجلب منافع على أعلى مستوى. فإنكم إن فعلتم هذا وأعلنتم هذا بدون هدف صالح تكونون مُجَرَّد ساخرين (بمن قدَّمتم له المنفعة)، أما إن فعلتموه لتُقنِعوا الشخص بخطئه، وتُظهِروا إساءة فهمهم لكم، فيكون ذلك رعاية لهم ولنفعهم.
هذا ما فعله داود بدِقةٍ، إذ لا يطلب لنفسه مجدًا، بل يود أن يقتلع الكراهية التي في (شاول). هذا هو السبب لمدحه لنفسه، لنفعه ولإظهار إحسانه.