يرى الأب ثيوناس في مناظراته مع القديس يوحنا كاسيان وأيضًا القديس أغسطينوس أن العبارة "لا تكن بارًا كثيرًا" تُشير إلى الذين يبالغون في مظاهر التديُّن وأعمال البر لأجل مديح الناس... مثل هؤلاء يظهرون كحكماء بينما هم يخربون أنفسهم بحب المجد الباطل.
يعرف عدو الخير كيف يُخرب النفوس، فيحطم البعض بالبُخل تحت سِتار الحكمة والتدبير والانضباط، وآخرين بالتبذير تحت ستار السخاء والبساطة، والبعض بالمبالغة في الصوم وبقية أنواع العِبادة طلبًا للمجد الباطل؛والبعض بالانشغال المستمر في الخدمة على حساب علاقته الخاصة مع الله تحت ستار الشهادة للسيِّد المسيح، وآخرين بالانعزال في حجراتهم مع غلق قلوبهم عن إخوتهم تحت ستار العبادة الشخصية.. إلخ... إنه يعرف كيف يحث الإنسان بطريق أو آخركي ينحرف عن الحياة الملوكية المعتدلة المقدسة في الرب.
أما نصيحته للأشرار فهي عدم استغلال طول أناة الله الذي يسمح أحيانًا أن تطول أيام الشرير [15]. فإنه لا يليق بهم الاستمرار في الشر بل تقديم توبة، ففي هذا جهالة وقتل للنفس والجسد أيضًا... "لا تكن جاهلًا؛ لماذا تموت في غير وقتك؟ [17].
إنه يدعونا إلى حياة الحكمة والاعتدال دون تراخٍ في حياة الفضيلة والجهاد، فإننا بهذا نخرج من الانحرافيين: البر بزيادة والاستمرار في الشر. إذ يقول: "حسن أن تتمسك بهذا أيضًا أن لا ترخي عن ذاك؛ أن مُتَّقي الله يخرج منهما كليهما" [18].