تخيّل معي رجل يهوديًّا - في مجتمع شرقيّ - يبدو أنّه متديِّن. فقد كان محافظًا على الطقوس اليهوديّة، إذ بعد أيام تطهير مريم، صعد معها إلى الهيكل لتقديم الطفل يسوع لله (لوقا 21:2-24)، وكان يذهب كلّ سنة إلى أورشليم في عيد الفصح (لوقا 41:2). كما كان يوسف من أسرة عريقة تمتدّ جذورها إلى الأسرة الملكيّة. لكن الغريب أنه كان فقيرًا جدًّا. تخيّل هذا رجل يتابع أيام خطوبته لمريم منتظرًا أن تكتمل الفرحة بالزواج المبارك. أضف إلى هذا مكانة الخطبة في المجتمع اليهودي - تُعتبر الخطيبة بحكم الشريعة كالزوجة لها كامل الحقوق وعليها كلّ الواجبات (قارن تثنية 23:22-29). ولهذا خاطب الملاك يوسف بالقول: "لا تخَفْ أنْ تأخُذَ مَريَمَ امرأتَكَ" (متى 20:1)، مع أنها كانت فقط خطيبته. تخيّل هذا الشاب البارّ، يُفاجأ بأن خطيبته (أو امرأته) حُبلى! ما هو حُكم المجتمع؟ وما هو حُكم الضمير؟ وبماذا تقضي الشريعة؟ لا شكّ دارت علامات الاستفهام هذه وغيرها في عقل يوسف. فالأمر في ظاهره جريمة شرف متكاملة الأركان. كيف علم يوسف؟ هل أخبرته مريم بالأمر؟ لا نعلم. لكن الملاك أخبره بأن امرأته حُبلى! هل لاحظ أن بطنها تكبر فاكتشف حملها؟ ربّما، لكن الحقيقة الخطيرة التي تجسّدت أمامه أن مريم خطيبته "وُجِدَت حُبلى". لا شكّ، دخل يوسف مرحلة صراعٍ مرير، وكم طال أمد هذا الصراع؟ هل أسابيع أم شهور؟ لقد دخل في دوّامةٍ تُمزِّق نفسه البارّة. لقد امتلأ بالرهبة والفزع والخوف من الناس ومن الله أيضًا، فهو يعلم أن الفتاة التي تخون عهد الزيجة تُعامَل حسب الشريعة بدون أدنى رحمة أو تساهل، إلى حدِّ الموت رجمًا. وهو إذ يخاف الله لا يستطيع التراجع عن تطبيق هذا الحدّ عليها متى ثَبُتَ أن واقعة الخيانة قد تمَّت. هل كان يفكِّر هكذا؟ هل كان يصلّي إلى الله؟ لقد كان يوسف يواجه تحدِّيًا صعبًا جدًا.