انتعشت روح داود وأخذ يرقص حيث امتلأ قلبه بالفرح وهو يرى الموكب الذي يضم اللاويين والكهنة وأصوات الهتاف تدوي والأبواق والصنوج والرباب ومشهد رؤساء الألوف والشيوخ وجمهور إسرائيل، فالجو كله فرح، فلم يتمالك نفسه فأخذ يطفر ويرقص بمشاعر الإنسان الطبيعي معبرًا عما يشعر به في أعماقه الداخلية.
ورقص داود دليل على بساطة قلبه وتواضعه فهو لم يبق في قصره بل نزل وخلع الجبة الملوكية فأصبح كإنسان عادي وارتدى الأفود (علامة النقاوة) فقد كان الأنقياء يلبسون الأفود في المناسبات الدينية ولا يلبسها الإنسان إلا وهو في حضرة الله ويؤدي أعمالًا دينية، فكيف يقول المعترض أن داود عرى جسمه.
والدليل على أن رقص داود رقصًا مقدسًا وأنه فرحة وحُب لله وليس رقصًا عالميًا كما يظن المعترض، أن الرب رضى عما فعله داود ولم يعاقبه، وفي الوقت نفسه نراه يعاقب ميكال لأنها احتقرت الملك، فأصابها بالعقم طوال حياتها، وقد كان العقم عارًا ومكروهًا عند اليهود.
ليس عند الله ملك أو غفير فالكل سواء في التعبير عن مشاعرهم، فالإنسان هو الإنسان في عواطفه ومشاعره، ودعنا نسأل المعترض: هل لأن داود نبي وملك فلابد له دائمًا أن يكبت مشاعره وغير مسموح له في أن يعبر عن فرحته..؟! فإذا كان الله قد سمح لكل كاتب من كاتبي الكتاب المقدَّس أن يعبر بأسلوبه وألفاظه التي يختارها فما المانع أن يفرح النبي والملك من أجل إحضار التابوت؟!
لقد أورد الكتاب المقدَّس كل شيء عن الأنبياء من أخطاء وتجاوزات وانتصارات كما نقل إلينا بكل صدق مشاعرهم بلا خجل، فقد خاف موسى عندما دعاه الله للذهاب لفرعون وهكذا أرميا.