تميّز موسى بالحلم والوداعة، وفى موقف الشكايات أظهر حلمًا وصبرًا عندما صمت أمام ما صدر من هارون ومريم من تجريحات «وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض (عد12: 8). لكن في مشهد آخر، أمرّ الشعب روحه، ففرّط بشفتيه: «أيها المردة أ من هذه الصخرة نخرج لكم ماء؟» (عد20: 10؛ مز106: 32،33). هذا موسى الذي كان حليمًا أكثر من جميع الناس.
وأيوب في تجاربه الصعبة أخرج كلمات الشكر والرضى «الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركًا» (أي1: 21)، ولزوجته أجاب: «الخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل؟ في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه» (أي2: 10). «بعد هذا فتح أيوب فاه وسَبّ يومه وأخذ يتكلم فقال: ليته هلك اليوم الذي وُلدت فيه، والليل الذي قال حُبل برجل» (أي3: 1-3). وما أصعب ما تكلم به أيوب يوم لم يمتلك روحه مفرِّطًا بشفتيه.
فموسى وأيوب وغيرهما قصّروا في ضبط الشفتين، أما سيدنا المبارك الإنسان الكامل بعد أن صمت في المحاكمات ووسط الإهانات صمتًا بليغًا إلى حد الكمال؛ بعد ذلك فتح فمه على الصليب في أروع كلمات الحب العجيب: «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لو23: 34).
بالحق نعجب يا سيدنا من كلمات النعمة التي خرجت من شفتيك، ونعجب كثيرًا من صمتك العجيب، وفي هذا كنت جميلاًً كقول عروس النشيد «شفتاه سوسن تقطران مُرًّا مائعًا» (نش5: 13).