* لقد جاء نيقوديموس إلى المسيح كمن يجيء إلى إنسان، فسمع أقوالًا أعظم من أن تُسمع من إنسانٍ. نعم ولا سمعها أحد قط، فلبث يثب في لحظاتٍ إلى علوها عاجلًا، إلا أن فهمه أظلم، وصار غير ثابت، محمولًا من كل جانب، ساقطًا على الدوام من الإيمان. لذلك صمم على تأكيد استحالة ذلك، وكأنه قد حث السيد ليوضح تعليمه، فقال: "ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويُولد؟", سمع نيقوديموس عن الميلاد الروحي لكنه لم يتعرف عليه روحيًا، بل سحب الكلمات إلى أسفل دنو الجسد، وجعل تعليمًا عظيمًا كهذا يعتمد على براهين جسدية.
وهكذا أوجد مصاعب تافهة وسخيفة. لذلك يقول بولس: "الإنسان الطبيعي لا يقبل ما للروح" (1 كو 2: 14). ومع هذا فقد حفظ نيقوديموس الاحتشام والتوقير للمسيح، لأنه لم يسخر بما قيل له، لكنه سكت ظانًا أنه أمر ممتنع، وقد حدث له شك في أمرين هما: الولادة التي من هذا النوع، والملكوت، لأن اسم الملكوت لم يُسمع عند اليهود في وقت من أوقاتهم، ولا ذُكرت ولادة معناها كهذه، إلا أنه وقف متفكرًا عند الأول منهما وهو الولادة التي من فوق التي أدهشت عقله تمامًا.
القديس يوحنا الذهبي الفم