صَلاةٌ مُتَواضِعَةٌ في وَقْفَتِه
صَلّى العَشَّارُ بتَواضُعٍ، "فَوَقَفَ بَعيدًا" (لوقا 18: 13)، كَخَليقَةٍ خاطِئَةٍ أمامَ اللهِ القُدّوس، طَالِبًا الرَّحمَةَ ومُبتَعِدًا عن حُبِّ الظُّهورِ والزَّهْو. وكما يُعَلِّمُ بولسُ الرَّسولُ: الَّذينَ يَتَّشِحونَ بثَوبِ التَّواضُعِ "يَجلِسونَ في المَكانِ الأَخير" (فيلبي 2: 3-4). ويقول القِدّيس أوغسطينوس: "انَ تَوبِيخُ قَلبِهِ يُبعِدُه عن الله، لكنَّ مَحبَّتَه كانت تُقرِّبُه مِنه". فالعَشَّارُ وقَفَ بَعيدًا، لكنَّ اللهَ اقتَرَبَ مِنه لِيَسمَعَه، كما يُؤكِّدُ المزمور: "الرَّبُّ تَعالى ونَظَرَ إلى المُتَواضِع، أَمّا المُتَكَبِّرُ فيَعرِفُه مِن بَعيد" (مزمور 138: 6).
وبإحساسِ ضَميرِه كانَ بَعيدًا، لكن بتَواضُعِه اقتَرَبَ. وما التَّواضُعُ إِلّا انْفِتاحُ القَلبِ نَحوَ الله، والخُضوعُ لِنِعمتِهِ وكَلِمَتِه المُقَدَّسَة. فاللهُ "يَسكُنُ مَعَ المُنسَحِقِ والمُتَواضِعِ الرّوح" (أشعيا 57: 15). صَلّى العَشَّارُ بتَواضُعٍ غَيرِ مُتَّكِلٍ على ذاتِه، مُعتَرِفًا أنَّهُ عَبدٌ ضَعيف: "ولَمْ يَجْرُؤْ أَن يَرفَعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماءِ" (لوقا 18: 13)، لأنَّ ضَميرَهُ كانَ يُخْفِضُه. ولم يُرِدْ أنْ يَكونَ حَكيمًا في عَينَي نَفسِه، كَما يَنصَحُ سِفرُ الأَمثال: "لا تَكُنْ حَكيمًا في عَينَي نَفسِكَ، إِتَّقِ الرَّبَّ وجانِبِ الشَّرّ" (الأمثال 3: 7). ويقول القِدّيس أوغسطينوس أيضًا: "إِنَّ اللهَ لا يُميلُ أُذُنَه إلى الغَنيِّ، بل إلى الفَقيرِ والمِسكين، إلى المُتَواضِعِ الَّذي يَعترِفُ بِخَطاياه، إلى الَّذي يَتَضَرَّعُ لِلحُصولِ على الرَّحمَةِ الإلهيَّة، لا إلى الشَّبعانِ الَّذي يَتَفاخَرُ بِنَفْسِه كَمَن لا يَحتاجُ إلى شَيء" (أحاديث عن المزامير، مزمور 85).