رأينا في إنجيل يوحنا (يو 14: 12) السيد المسيح يعد بأن من يؤمن به يعمل الأعمال التي يعملها السيد نفسه وأعظم منها. وأما سرّ عظمتها فهي أنها تتم باسمه بعد صعوده وتحقق غاية مجيئه، انتشار الكرازة بين الأمم بصورة فائقة لم تتم أثناء خدمة السيد على الأرض. وقد جاء سفر الأعمال يعلن تحقيق هذا الوعد الإلهي، لا كتاريخِ يسجله لنا الإنجيلي لوقا بوحي الروح القدس، وإنما كبدء انطلاقة حية لكي ينفتح باب الرجاء أمام الكنيسة لتعمل عبر الأجيال، متكئة على هذا الوعد، حتى تصير الأرض وملؤها للرب ولمسيحه.
* الآن قد تحققت تمامًا كل هذه الأمور بكل دقة، بل ونرى في هذا السفر أنه تحقق ما هو أكثر كما أخبرهم (السيد المسيح) حين كان معهم. بجانب هذا نرى الرسل أنفسهم يسرعون في طريقهم كمن هم محمولين على أجنحة فوق البر والبحر. هؤلاء الذين كانوا قبلًا جبناء وبلا فهم صاروا فجأة أشخاصًا غير ما كانوا عليه؛ صاروا أناسًا يحتقرون الغنى، ويسمون فوق المجد (الباطل) والهوى والشهوات، وباختصار فوق كل النزعات.
علاوة على هذا، صاروا يعملون بروح الإجماع، فلا وجود للحسد كما كان قبلًا، ولا للشوق القديم نحو التعالي، بل تحققت فيهم كل الفضائل في لمساتها الأخيرة؛ تشرق المحبة فيهم جميعًا ببهاءٍ فائقٍ، هذه التي أمرهم بها الرب قائلًا: "بهذا يعرف الجميع إنكم تلاميذي، إن كان لكم حب بعض لبعض" (يو 13: 35). القديس يوحنا الذهبي الفم