لقد علّمنا أن الانحناءات ليست دائمًا نهاية الطريق

[Mary Naeem]

لقد علّمنا أن الانحناءات ليست دائمًا نهاية الطريق


في إحدى القرى الهادئة في جنوب الصين، وُلد لي هوا كأي طفل عادي، مفعم بالحياة والضحك والركض. لم يكن يعلم أن القدر يُخبئ له امتحانًا قاسيًا سيقلب ملامح حياته رأسًا على عقب.
فعند بلوغه الثامنة عشرة، بدأت أعراض غريبة تزحف إلى جسده: آلام حادة في الظهر، تصلّب في المفاصل، وصعوبة في الحركة، كأن جسده يشيخ قبل أوانه. ومع مرور السنين، بدأ ظهره ينحني شيئًا فشيئًا، حتى أصبحت قامته منحنية تمامًا بزاوية تقارب 90 درجة، ووجهه لا يبتعد عن ركبتيه إلا ببضع سنتيمترات.
لم يكن لي هوا يعاني فقط من آلا*م الجسد… بل من و*جع الروح.
تخيل أن تعيش 28 عامًا لا تستطيع فيها أن تنظر إلى السماء، ولا أن ترى وجوه الناس، ولا حتى أن ترفع رأسك لترى الشمس. كان يعيش محنيًّا نحو الأرض دائمًا، كأنه محكومٌ عليه أن يرى العالم من زاوية الأ*لم فقط.
كان مصابًا بمرض مناعي نادر يُعرف باسم التهاب الفقار اللاصق (Ankylosing Spondylitis)، وهو مر*ض يجعل الفقرات تندمج ببطء، فيتحول العمود الفقري إلى كتلة واحدة صلبة. لا دواء يشفيه، ولا علاج يوقفه بسهولة، فقط صبر وأ*لم وانتظار.
لكن رغم كل ذلك، لم يفقد لي هوا الأمل. كان يقول لمن حوله: “يوماً ما… سأرى السماء مجددًا.”
وبالفعل، في عام 2019، قرر فريق من الأطباء في مستشفى جامعة شينجين خوض مغامرة طبية تكاد تكون مستحيلة: خمس عمليات جرا*حية متتالية لإعادة ظهره إلى وضعه الطبيعي.
كانت كل عملية مخاطرة حقيقية بحياته، فالتعامل مع العمود الفقري المنحني بشدة يشبه الرقص على حافة الخطـ*ر، حيث يمكن لأي خطأ بسيط أن يؤدي إلى الشـ*لل أو الو*فاة.
استمرت العمليات على مدار عام كامل، وكل واحدة منها كانت خطوة نحو الحلم. كانوا يعيدون ظهره ببطء، درجة بدرجة، وكأنهم يعيدون كتابة قدره من جديد.
وفي نهاية تلك الرحلة العظيمة، حدثت المعجزة…
وقف لي هوا.
رفع رأسه إلى السماء، نظر إلى الغيوم لأول مرة منذ 28 عامًا، فانهمرت دموعه بلا توقف. كان يبكي من الفرح، من الأ*لم، من الانتصار، من كونه أخيرًا يرى النور بعد عمرٍ من الانحناء. حتى الأطباء والممرضون بكوا معه — لم تكن مجرد لحظة طبية، بل لحظة إنسانية تُخلّد في الذاكرة.
قصة لي هوا ليست فقط عن مر*ض وعلاج، بل عن قوة الروح البشرية حين ترفض الاستسلام، وعن الأمل الذي لا يمو*ت مهما طال الليل.
لقد علّمنا أن الانحناءات ليست دائمًا نهاية الطريق، وأن الإنسان قادر على الوقوف مجددًا — حتى لو انحنى العمر كله.
الحمد لله على نعمة الصحة،
والحمد لله على القدرة على الوقوف والنظر للأمام… نحو الحياة.