![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
|
لا لتخيف بل لتحتضن في عام 1969، كانت شوارع لندن تضج بالحياة، داخل متجر "هارودز" العريق، كان القدر ينسج حكاية لا تُصدق — حكاية ستبكي العالم بعد سنوات طويلة. هناك، وسط الأثاث الفاخر والعطور اللامعة، كان يقف شبل أسد صغير داخل قفص زجاجي. عيناه واسعتان، تائهتان، تحملان براءة طفل لا يفهم لماذا سُلبت منه أمه وغاب عنه دفء الغابة. في تلك اللحظة، كان يراه شابان أستراليان — جون ريندال وأنتوني بورك — وكأنهما لا ينظران إلى حيوان، بل إلى روح تستنجد بالحنان. اقتربا منه، فمدّ الشبل كفّه الصغيرة على الزجاج، فابتسم جون، وقال لأنطوني: "لو لم نأخذه اليوم... سيمو*ت في قفص الغربة." وبين لحظة اندفاع وعاطفة نادرة، اشترياه. وأطلقا عليه اسم كريستيان — أسدٌ بلا غابة، لكن بقلب يعرف الحب. منذ ذلك اليوم، بدأ الثلاثة يعيشون معًا في شقة صغيرة في تشيلسي، أحد أرقى أحياء لندن. كان مشهدًا غريبًا: أسد يلهو في الحديقة الخلفية، يجلس على الأريكة، يركض خلف الكرة، لم يكن الناس يصدقون ما يرون، حتى أصبح كريستيان أسطورة الحي. لكن الأيام تمر، والأسد الصغير بدأ يكبر... وصوته تغيّر، وأنيابه صارت تلمع، وداخل صدره كانت هناك غابة تصر*خ لتعود. أدرك جون وأنتوني أن الحب ليس امتلاكًا، بل تحريرًا في الوقت المناسب. كان القرار مؤ*لمًا حدّ الو*جع: يجب أن يودّعا كريستيان. بمساعدة خبير الحياة البرية الأسطوري جورج آدمسون، سافر الثلاثة إلى كينيا، حيث سيبدأ الأسد رحلة العودة إلى موطنه الطبيعي. كان الوداع صامتًا، لا كلمات تكفيه. عانقاه للمرة الأخيرة، بينما عيونهما تمتلئ بالدموع، وكأنهما يسلّمان قطعة من روحهما إلى البرية. مرت الشهور، وكريستيان تعلّم الصيد، وتأقلم مع الطبيعة، وأصبح في النهاية زعيم قطيع صغير. لم يعد ذاك الشبل الذي عاش في شقة لندن، بل ملكًا حقيقيًا يسير في السافانا بثقة ووقار. لكن في قلب جون وأنتوني، كان هناك سؤال واحد ينهش الذاكرة: هل ما زال يتذكرنا؟ وبعد عام كامل، قرّرا أن يعودا إلى كينيا، ليبحثا عن صديقهما القديم. قال لهم الجميع إنهم مجانين: "لقد أصبح أسدًا بريًا، سينقضّ عليكما إن اقتربتما." ومع ذلك، ذهبا. وفي صباح مهيب، وقفا على تلة مرتفعة في المحمية، حيث شوهد كريستيان آخر مرة. وفجأة... من بعيد، ظهر ظلّ ضخم يتحرك بخفة. كان هو. وقف للحظة، رفع رأسه، حدّق في الاتجاه نحوهما. ثوانٍ من الصمت... ثم انفـجر المشهد بالعاطفة. ركض كريستيان نحوهما بجنون، كما لو أن الزمن لم يمرّ يومًا! قفز عليهما بقوة لا توصف، التفّ بذراعيه الكبيرتين حولهما، دفن وجهه بين أيديهما، يلعقهما ويصدر أصواتًا أقرب إلى البكاء. لم يكن مشهدًا عن وحشٍ يهاجم، بل عن ابنٍ يعود لأحضان والديه بعد غيابٍ طويل. وثّق أحد المصورين تلك اللحظة في شريط فيديو نادر، أصبح بعد سنوات من أكثر المقاطع انتشارًا في العالم. شاهد الناس أسدًا يحتضن صديقيه القدامى بدموع الفرح، وصدق لا يمكن تمثيله، فبكوا جميعًا. قصة كريستيان ليست مجرد حكاية عن حيوان أليف، بل درس خالد في الحب الحقيقي — ذلك الحب الذي لا يعرف شكلاً ولا نوعًا ولا حدودًا. إنها تذكّرنا أن الرحمة لا تحتاج إلى لغة، وأن الذكريات الجميلة لا تموت، بل تظل نائمة في القلب... حتى يأتي اليوم الذي تستيقظ فيه، وتزأر — لا لتخيف بل لتحتضن. |
![]() |
|
| قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
| الموضوع |
| قبلت الظلم لتحتضن المظلومين وتقيمهم متهللين بك |
| لا توجد نفس لإنسان إلا وقد جعلت لتحتضن المسيح فيها |