يسمعون نداء القلب حتى في الصمت

[Mary Naeem]

يسمعون نداء القلب حتى في الصمت


في أحد أحياء إسبانيا الهادئة، بدأت القصة بصمتٍ غريب.
كان كارلوس، الرجل الطيب الذي اعتاد أن يبدأ صباحه على صوت جارته ماريا، يلاحظ أن شيئًا ما تغيّر. لم يعد يسمع ضحكتها التي تملأ المكان دفئًا، ولا نباح كلبتها الوفية "لونا" الذي كانت ترحب بكل من يمر من أمام الشرفة. بدا الحيّ وكأنه فقد روحه.
مرت أيام، والصمت يزداد ثقلاً، حتى رفع كارلوس نظره ذات مساءٍ ليرى "لونا" واقفةً وحدها على شرفة الشقة بالأعلى، تنظر إلى الأفق بعينين حزينتين، وبطنها الخاوي يفـ*ضح الجو*ع والانتظار. تساءل بقلق: أين ماريا؟
بعد أن سأل الجيران، عرف الحقيقة المؤ*لمة: ماريا تعرّضت لحا*دث وسقطت في منزلها، وهي الآن في المستشفى. حينها لم يتردد كارلوس لحظة. أحضر وعاءً من الطعام، وصعد إلى شرفته، ثم مدّ يده عبر السور في توازنٍ دقيق حتى وصلت إلى الشرفة المقابلة، حيث كانت "لونا" تراقبه بعينين فيهما خوف وأمل. وضع الطعام وناداها برفق لتأكل.
ومنذ تلك الليلة، صار الأمر عادة مقدسة. كل يوم، صباحًا ومساءً، كان كارلوس يقف على شرفته رغم المطر أو البرد أو التعب، ليطعم "لونا" ويتحدث إليها كما لو كانت إنسانة تفهم كلماته. صارت هي رفيقته في الصمت، وصار هو طوق نجاتها من الوحدة.
مرت ثلاثة أسابيع طويلة، حتى جاء اليوم الذي عاد فيه الصوت الذي افتقده الحيّ. فتح باب الشرفة، واندفعت "لونا" بنباحٍ يملأ السماء فرحًا. وقفت ماريا، بوجهٍ شاحب ودموع في عينيها، تنظر إلى كارلوس. قالت بصوتٍ متهدّج:
«لقد اعتنيت بها…»
ابتسم كارلوس بلطفٍ وردّ:
«هي التي اعتنت بي أيضًا.»
تلك اللحظة لم تكن مجرد نهاية قصة، بل بداية صداقةٍ إنسانية حقيقية، تذكّر الجميع أن الرحمة لا تحتاج لغة، وأن الجيران الحقيقيين هم من يسمعون نداء القلب حتى في الصمت.