![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() المَالُ خَيْرٌ لِلمَلَكُوت "اِتَّخِذوا لَكُم أَصدِقاءَ بِالمَالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ قَبِلوكُم في المَساكِنِ الأَبَدِيَّة" (لوقا 16: 9). يَطْلُبُ مِنَّا المَسِيحُ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى المَالِ بِـ نَظْرَةٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ، لَا مُقَيَّدَةٍ بِهذَا العَالَمِ. الحَيَاةُ المُسْتَقْبَلِيَّةُ هِيَ ثَمَرَةٌ وَنَتِيجَةٌ لِلحَيَاةِ الحَاضِرَةِ. اللهُ أَعْطَانَا "المَالَ الحَرَام" أَيْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، لِنَسْتَعْمِلَهَا بِالحِكْمَةِ فَنَنَالَ "الخَيْرَ الحَقَّ" فِي المَلَكُوتِ (لو 16: 11). يَعْتَبِرُ يَسُوعُ المَالَ خَادِمًا لِلمَحَبَّةِ. لِذَلِكَ قَالَ: "اِتَّخِذوا لَكُم أَصدِقاءَ بِالمَالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ قَبِلوكُم في المَساكِنِ الأَبَدِيَّة" (لو 16: 9). وَجَاءَتْ نَصِيحَتُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: "إِذا صَنَعتَ غَداءً أَو عَشاءً، فَلَا تَدْعُ أَصدِقاءَكَ وَلَا إِخوَتَكَ وَلَا أَقرِباءَكَ وَلَا الجِيرَانَ الأَغْنِيَاء … بَلِ ادْعُ الفُقَرَاءَ وَالكُسْحَانَ وَالعُرْجَانَ وَالعُمْيَان … فَتُكَافَأُ فِي قِيَامَةِ الأَبْرَار" (لو 14: 12-14). الَّذِينَ يَتَلَقَّوْنَ الصَّدَقَاتِ يُصْبِحُونَ أَصْدِقَاءَنَا، لأَنَّنَا كُنَّا رُحَمَاءَ مَعَهُم فِي وَقْتِ عَوَزِهِم."طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، فَإِنَّهُم يُرْحَمُون" (متى 5: 7). عَرَفَ الوَكِيلُ الخَائِنُ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُ خَيْرَاتِ هذَا العَالَمِ لِيَكْسَبَ أَصْدِقَاءَ، فَيُهَيِّئَ لِنَفْسِهِ مُسْتَقْبَلًا أَرْضِيًّا. يُعَلِّقُ القِدِّيسُ كِيرِلُّس الكَبِير: "إِنَّ السَّيِّدَ المَسِيحَ إِذْ يُقَدِّمُ لَنَا مَثَلًا لَا يَقْصِدُ بِنَا أَنْ نُطَبِّقَهُ فِي كُلِّ الجَوَانِبِ، بَلْ فِي الجَانِبِ الَّذِي أَرَادَهُ، وَهُوَ الحِكْمَةُ وَالنَّظْرَةُ المُسْتَقْبَلِيَّةُ (الأَبَدِيَّة)." فَكَمْ بِالأَحْرَى عَلَى المَسِيحِيِّ أَنْ يُهَيِّئَ مُسْتَقْبَلَهُ الأَبَدِيَّ بِمُشَارَكَتِهِ الفُقَرَاءَ فِي الصَّدَقَةِ، لِيَسْتَقْبِلُوهُ فِي مَدِينَةِ اللهِ. والفُقَرَاءُ هُم فِي مَنْزِلِهِم لَدَى اللهِ، وَهُم أَوَائِلُ المَوعُودِينَ بِالمَلَكُوتِ (مَثَلُ لَعَازَرَ وَالغَنِيِّ – لو 16: 19-31). أَدْرَكَ الوَكِيلُ الخَائِنُ أَنَّ الثَّرْوَةَ الحَقِيقِيَّةَ هِيَ ثَرْوَةُ الإِخْوَةِ. تَوَقَّفَ عَنِ اسْتِغْلَالِ الآخَرِينَ لِكَيْ يَثْرِي، وَبَدَأَ يَسْتَعْمِلُ ثَرْوَتَهُ لِيَكْسَبَ الصَّدَاقَةَ. وبَحَثَ لَا عَنْ بَيْتِ الغِنَى، بَلْ عَنْ بَيْتِ الإِخُوَّةِ وَالمَحَبَّةِ الَّذِي يُؤَمِّنُ لَهُ السَّعَادَةَ الحَقِيقِيَّةَ.المَالُ إِذَا وُجِّهَ بِالحِكْمَةِ نَحْوَ الخَيْرِ، يَصِيرُ جِسْرًا لِلمَلَكُوتِ. فَالفُقَرَاءُ الَّذِينَ نُحْسِنُ إِلَيْهِم هُمُ الَّذِينَ سَيَسْتَقْبِلُونَنَا فِي المَسَاكِنِ الأَبَدِيَّةِ. أَمَّا الثَّرْوَةُ الحَقِيقِيَّةُ فَهِيَ ثَرْوَةُ الإِخُوَّةِ وَالمَحَبَّةِ، لا ثَرْوَةُ الأَمْوَالِ الزَّائِلَةِ. لَيْسَتْ طَرِيقَةُ الوَكِيلِ الخَائِنِ نَمُوذَجًا لِلتَّوْبَةِ، بَلْ هِيَ مِثَالٌ لِـ الفِطْنَةِ وَالحِسَابَاتِ الحَكِيمَةِ. فَقَدِ اسْتَغَلَّ سَاعَاتِهِ الأَخِيرَةَ كَوَكِيلٍ لِيُظْهِرَ الرَّحْمَةَ لِلآخَرِينَ بِتَخْفِيفِ دُيُونِهِم. إِنَّنَا نُشِيدُ بِفِطْنَتِهِ كَمِثَالٍ لَنَا، أَبْنَاءَ النُّورِ، كَمَا يَقُولُ بُولُسُ الرَّسُولُ: "لأَنَّكُم جَمِيعًا أَبْنَاءُ النُّورِ وَأَبْنَاءُ النَّهَار" (1 تسالونيقي 5: 5؛ أفسس 5: 8). فَنَحْنُ نُدْرِكُ أَنَّ مَا نَمْلِكُهُ لَيْسَ لَنَا، كَمَا أَدْرَكَهُ الوَكِيلُ الخَائِنُ، بَلْ هُوَ لِسَيِّدٍ آخَر، وَهُوَ المَسِيحُ الرَّبّ. المَالُ خَيْرٌ لِاكْتِسَابِ المَلَكُوتِ، وَذَلِكَ بِـ مُسَاعَدَةِ القَرِيبِ. القَرِيبُ لَيْسَ هُوَ قَرِيبُنَا بِالجَسَدِ فَقَط، بَلْ هُوَ كُلُّ إِنْسَانٍ نَلْتَقِيهِ فِي حَيَاتِنَا. القَرِيبُ لَيْسَ فَقَط مَنْ يُشَارِكُنَا الدِّينَ أَو الطَّائِفَةَ أَو الوَطَنَ أَو العِرْقَ … بَلْ هُوَ كُلُّ إِنْسَانٍ خَلَقَهُ اللهُ عَلَى صُورَتِهِ وَمِثَالِهِ. وَتَزْدَادُ القَرَابَةُ كُلَّمَا زَادَتْ حَاجَةُ هذَا الإِنْسَانِ إِلَيْنَا وَإِلَى أَمْوَالِنَا. وَقَدْ سَاوَى المَسِيحُ نَفْسَهُ بِالقَرِيبِ المُحْتَاجِ عِنْدَمَا قَالَ: "لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، وَعَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي، وَكُنتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي، وَعُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي، وَمَرِيضًا فَعُدْتُمُونِي، وَسَجِينًا فَجِئْتُم إِلَيَّ" (متى 25: 35-36). مَنْ يُحِبُّ اللهَ حَقًّا، عَلَيْهِ أَنْ يُحِبَّ الجَائِعَ وَاللَّاجِئَ وَالذِي بِلَا مَأْوًى، لَيْسَ بِالكَلِمَةِ وَالفِكْرِ وَحَسْب، بَلْ بِالفِعْلِ وَبِالمَالِ. وَفِي هذَا الصَّدَدِ قَالَ بُولُسُ الرَّسُولُ: "أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ … أَنْ يَصْنَعُوا الخَيْرَ، وَأَنْ يُغْنُوا فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَنْ يُعْطُوا بِسَخَاءٍ، وَأَنْ يُشَارِكُوا غَيْرَهُم … لِيَكْنِزُوا لأَنْفُسِهِم لِلمُسْتَقْبَلِ ذُخْرًا ثَابِتًا، لِيَنَالُوا الحَيَاةَ الحَقِيقِيَّةَ" (1 طيموتاوس 6: 18-19). استعمال المَالِ فِي الصَّدَقَةِ وَالإِحْسَانِ يَجْعَلُ لَنَا أَصْدِقَاءَ هُمُ الفُقَرَاء، الَّذِينَ جَاءَ المَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِم (لو 4: 18). هؤُلَاءِ يَكُونُونَ يَوْمًا فِي "حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ" (لو 16: 21-25)، أَي فِي مَنزِلَةٍ رَفِيعَةٍ فِي السَّمَاءِ، وَيَسْتَقْبِلُونَ المُحْسِنِينَ فِي "المَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ". يَقُولُ القِدِّيسُ مَنْصُورُ دِي بُول: "الفُقَرَاء؟ هُمُ الَّذِينَ يَفْتَحُونَ لَنَا السَّمَاءَ. فَإِنْ أَرَدْنَا بُلُوغَ السَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ، عَلَيْنَا أَنْ نَحْيَا وَنَمُوتَ فِي خِدْمَةِ الفُقَرَاء." وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ أَمبرُوسِيُوس: "إِنَّ صُدُورَ الفُقَرَاءِ، وَبُيُوتَ الأَرَامِلِ، وَأَفْوَاهَ الأَطْفَالِ، هِيَ بِمَثَابَةِ الأَهْرَاءِ الَّتِي تَدُومُ إِلَى الأَبَدِ." الثَّرْوَةُ الحَقِيقِيَّةُ إذن لَيْسَتْ فِيمَا نَحْتَفِظُ بِهِ، بَلْ فِيمَا نُعْطِيهِ. المَالُ أُعْطِيَ لَنَا كَوَكَالَةٍ، وَيَنْتَظِرُ الرَّبُّ مِنَّا أَنْ نَضَعَهُ فِي خِدْمَةِ الآخَرِينَ. نَحْنُ نَنْتَمِي إِلَى الرَّبِّ، وَكُلُّ مَا نَمْلِكُهُ هُوَ لَهُ. يَطْلُبُ يَسُوعُ الأَمَانَةَ فِي القَلِيلِ، أَيْ أَنْ يَتَرَفَّقَ الإِنْسَانُ بِالمُحْتَاجِ، وَيُعِينُ مَنْ هُمْ فِي ضِيقَةٍ مِمَّا أُعْطِيَ لَهُ. يَقُولُ القِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَم: "إِنْ خَدَمْتَ القِدِّيسِينَ (الفُقَرَاء) فَسَتُشَارِكُهُمْ مُكَافَآتهُمْ. فَالصَّدَقَةُ هِيَ أَكْثَرُ الفُنُونِ مَهَارَةً؛ لَا تَبْنِي لَنَا بُيُوتًا مِنْ طِينٍ بَلْ تَخْزُنُ لَنَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً." وَقَدْ كَتَبَ بُولُسُ الرَّسُولُ: "لأَنَّنَا مِنْ صَنْعِ اللهِ، خُلِقْنَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللهُ بِسَابِقِ إِعْدَادِهِ لِنُمَارِسَهَا" (أفسس 2: 10). اللهُ يُرِيدُ أَنْ نُحَوِّلَ أَمْوَالَنَا لِتُصْبِحَ رَصِيدًا سَمَاوِيًّا كَمَا أَوْصَى يَسُوعُ: "بِيعُوا أَمْوَالَكُم وَتَصَدَّقُوا بِهَا، وَاجْعَلُوا لَكُم أَكْيَاسًا لَا تَبْلَى، وَكَنْزًا فِي السَّمَاوَاتِ لَا يَنْفَد" (لوقا 12: 33). الإِنْسَانُ الفَطِنُ هُوَ مَنْ يَعْتَبِرُ المَالَ وَسِيلَةً لِلْخِدْمَةِ وَلَيْسَ غَايَةً. خَيْرُ مِثَالٍ عَلَى ذَلِكَ حَيَاةُ الأُمِّ تِرِيزَا الكَالْكُوتِيَّة، الَّتِي جَمَعَتِ المَالَ وَالمُسَاعَدَاتِ بِحِكْمَةٍ، لا لِذَاتِهَا، بَلْ لِخِدْمَةِ "أَفْقَرِ الفُقَرَاءِ". كَانَت تَسْتَعْمِلُ كُلَّ مَوَارِدِهَا لِخِدْمَةِ الإِنْسَانِ، وَجَعَلَتْ مِنَ المَالِ أَدَاةَ مَحَبَّةٍ. مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْبُدَ اللهَ حَقًّا، عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالمَالِ كَأَنَّهُ أَمَانَةٌ مِنَ اللهِ. يَصْرِفُهُ فِي مَكَانِهِ الصَّحِيح: عَلَى المُحْتَاجِينَ وَالمُسْتَضْعَفِينَ وَالنَّازِحِينَ وَالمُعَذَّبِينَ. الإِنْسَانُ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِمَالِهِ إِلَّا حِينَ يُنْفِقُهُ. أَمَّا مَنْ يَحْتَفِظُ بِهِ لِنَفْسِهِ، ظَانًّا أَنَّهُ ضَمَانَةٌ لِمُسْتَقْبَلِهِ، فَهُوَ فِي الحَقِيقَةِ عَبْدٌ لِلْمَالِ. يَجِدُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ دَائِمًا أَمَامَ خِيَارٍ حَاسِمٍ: إِمَّا عِبَادَةُ اللهِ وَالعَمَلُ فِي سَبِيلِ مَلَكُوتِهِ وَالسَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ. وَإِمَّا عِبَادَةُ المَالِ وَتَكْدِيسُ الثَّرَوَاتِ وَاتِّبَاعُ كِبْرِيَاءِ الغِنَى وَشَهَوَاتِهِ. مَنْ يَجْعَلُ المَالَ صَنَمًا لَهُ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِلنُّورِ. مُنْذُ أَنْ ظَهَرَ اللهُ فِي العَالَمِ، وَالإِنْسَانُ أَمَامَ خِيَارٍ جِذْرِيٍّ. وَالمَسِيحِيُّ يُظْهِرُ انْتِمَاءَهُ لِلهِ مِنْ خِلَالِ اسْتِعْمَالِهِ لِلْمَالِ فِي خِدْمَةِ الإِخْوَةِ. إِذَا اسْتُعْمِلَ المَالُ لِإِسْعَافِ الإِخْوَةِ المُحْتَاجِينَ، فَإِنَّهُ يُصْبِحُ مِفْتَاحًا لِلسَّمَاءِ. "لأَنَّ المَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثِيرًا مِنَ الخَطَايَا" (1 بطرس 4: 8). "مَن يَرحَمِ الفَقِير يُقْرِضِ الرَّبَّ، فَهُوَ يُجَازِيهِ عَلَى صَنِيعِهِ" (أمثال 19: 17). خلاصة القول: الأمانة في القليل تَكْمُنُ فِي اسْتِعْمَالِ المَالِ كَوَسِيلَةٍ لِلْمَحَبَّةِ وَالخِدْمَةِ. فَالمالُ الَّذِي يُعْطَى بِسَخَاءٍ لِلْمُحْتَاجِينَ يَصِيرُ كَنْزًا سَمَاوِيًّا وَمِفْتَاحًا لِلحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. |
![]() |
|