القصور الذاتي:
الطبيعة البشرية المنحرفة عن اللّه لا تتغير على الإِطلاق مهما نال المرء من التهذيب والتعليم (كما ذكرنا في الفصل الثاني) . فالذين لم يحصلوا في العالم الحاضر على طبيعة روحية من اللّه تؤهِّلهم للتوافق معه في صفاته الأخلاقية السامية، سيجدون أنفسهم في الأبدية عاجزين أيضاً عن هذا التوافق مهما بذلوا في سبيله من جهد. وقد أدرك هذه الحقيقة كثير من العلماء، فقال صموئيل جونسون: ستظل الحالةُ التي تسود علينا في العالم الحاضر سائدةً علينا في العالم الآخر .
فلو فرضنا أن الخطاة استطاعوا أن يفلتوا من مصيرهم المرعب، وينطلقوا ليسترضوا اللّه ويدخلوا في علاقة جديدة معه، فإنهم لن يقدروا أن يظلوا في حضرته لحظة واحدة، فيهربون متباعدين عنه، مثل الحشرات التي اعتادت العيش في الظلام الذي يوافق طبيعتها، فإذا خرجت إلى سطح الأرض ليلاً وأحست بضوءٍ ما، سرعان ما تعدو إلى جُحورها لتختبئ وتتوارى في ظلمته. هذا هو القصور الذاتي الذي يحول بين الخطاة وبين تغيير سلوكهم في الأبدية، ويقطع من أمامهم كل أمل في النجاة من الشر الذي تشكلوا به في دنياهم، ويورثهم آلاماً مريعة تحزّ في نفوسهم. وقد شرح المسيح هذه الآلام في قوله إن نصيب الخطاة في الأبدية هو البكاء وصرير الأسنان (متى 8: 12) : البكاء بسبب شدة الألم، وصرير الأسنان بسبب شدة الندم.