* طالما يحفظ الإنسان تلك السمة الإلهية Tautotis، فإنه لا ينعزل قط عن إحساسه بالله، أو يبتعد عن شركة حياة القديسين، بل إذ يستعيد نعمة الله التي وُهبت له، وإذ يمتلك القدرة الخاصة التي من اللوغوس كلمة الآب، فإنه يتهلل فرحًا متحدثًا مع الله، فيحيا الحياة المباركة التي بلا ألم، والخالدة بالحقيقة (عديمة الموت). وإذ لا يعوقه عائق عن المعرفة الإلهية، يتأمل دوما بطهارته صورة الأب، أي في الله اللوغوس، الذي خلق الإنسان على صورته، ويتعجب إذ يدرك تدبير الله للكون بواسطة اللوغوس.
لهذا يسمو فوق كل محسوس وكل رؤية جسدانية، فيرتبط بالحقائق الإلهية والمعقولة في السماوات بقوة الذهن. لأنه حينما لا تتصل أذهان الناس بالأجساد، ولا يوجد شيء مختلط بالأذهان من خارج، والذي ينبع من شهوة تلك الأجساد، بل تسمو (تلك الأذهان) بالتمام وتتكامل في ذاتها، كما خلقت منذ البدء.
وإذ تدع جانبًا كل الأمور الحسية والبشرية فإن الذهن يرتفع إلى عنان السماء.
وإذ يعاين اللوغوس يرى فيه الآب،أب اللوغوس، فيختبر الفرح الغامر عند هذه الرؤيا، ويتجدد باشتياقه إليه.
ويشبه ذلك الأمر حالة الإنسان الأول المخلوق الذي دعي آدم (بحسب اللغة العبرانية)، والذي يقول عنه الكتاب المقدس إنه كان في البدء ذا ذهن مثبت على الله بدالة لا تخزى، وإنه عاش حياة الشركة مع القديسين في تأمل الحقائق المعقولة التي اقتناها في ذاك الموضوع، والذي يسميه القديس موسى بشكل تصويري "الفردوس"، وكانت النفس الطاهرة بالحق قادرة أن ترى الله ذاته الذي ينعكس فيها كمرآة. كما قال الرب نفسه: "طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله".
القديس أثناسيوس الرسولي