قد تكون محاولة الكشف عن ذاتك الحقيقية عملية صعبة، فلديك على سبيل المثال هويَّات متعدِّدة في حياتك، لكلٍّ منها مجموعتها الخاصة من القيم والتوقعات التي يحدِّدها المجتمع، والتي قد لا تتوافق تماماً مع حقيقتك من الداخل.
على سبيل المثال، لنفترض أنَّك موظفٌ في شركة سيارات، فبصفتك موظفاً، يجب أن تتواءم رسالتك مع رسالة شركتك، ولنَفترض أنَّها تحسين حياة الأشخاص من خلال تقديم وسائل نقلٍ أفضل، فيجب أن تتماشى أهدافك مع أهداف الشركة، كزيادةِ مبيعاتها بنسبة 20% خلال عامٍ واحد، وتعزيز حضورها الإقليمي مثلاً.
لكنَّك شخصٌ لديك أهدافٌ وأحلامٌ أخرى تختلف عن أهداف الشركة، فربما أنت تحب الكرة الطائرة، والصورة المثالية التي رسمتها لحياتك هي أن تكون لاعب كرة طائرة دولي، ولاحقاً مدرِّباً في هذا المجال يحظى بإقبالٍ كبير، ويتولَّى تدريب الفرق الوطنية، لكنَّ هذا مختلف تماماً عمَّا هو متوقع منك بصفتك موظفاً في شركة سيارات.
نفس الأمر ينطبق على هويَّاتك الأخرى أيضاً، فمن المتوقع أن يكون لديك مجموعة من الأهداف والقيم والرؤى والمعتقدات لكلِّ هويةٍ منها، قد لا تتطابق تماماً مع تلك الخاصة بذاتك الحقيقية.
لأنَّ كل شخص فريد من نوعه، لا يمكن أن تحصر ذاتك الحقيقية بهوية أو صفةٍ واحدة، فأنا كوتش لمجموعةِ متدربين، وابنةٌ لوالديَّ، وأختٌ لأخي، وصديقةٌ لأصدقائي، ومدونةٌ لقرَّائي، ومدرِّبةٌ للأشخاص المشاركين في ورشتي، ولكنَّني أكثر من ذلك، فهذه مجرد أدوار وألقاب، لا دور منها بحدِّ ذاته يحدِّد مَن أكون بدقَّة، ففي داخلي شخصٌ لا يمكن توصيفه بتسميةٍ واحدة.
يمكن استخدام نبات دوار الشمس كمثالٍ جيد لتوضيح الفكرة؛ إذ إنَّ ذاتك الحقيقية مثل رأس زهرة دوار الشمس - الجزء المركزي الذي تتصل به البتلات - هوياتك كالبتلاتِ حول ذاتك الحقيقية، في حين أنَّ البتلات هي امتدادٌ للرأس، لكنَّها ليست الرأس، وبالمثل فإنَّ هوياتك هي امتدادٌ لنفسك، لكنَّها لا تمثِّل حقيقتك بالكامل.