إن كان الرب هو الذي طلب من داود أن يحصي الشعب فلماذا يعاقبه، ولاسيما أنه لا يوجد أي نص يمنع إحصاء الشعب بل أن الرب أمر موسى من قبل بإحصاء الشعب؟
أ - عندما أمر الله موسى إحصاء الشعب قائلًا: "أحصوا كل جماعة بني إسرائيل بعشائرهم وبيوت أبائهم بعدد الأسماء كل ذكر برأسه" (عد 1: 2) كان يريد أن الشعب يشعر أنه خرج من عبودية فرعون ودخل في ملكية الله، وأنهم دخلوا إلى مصر نحو سبعين شخصًا وخرجوا منها ستمائة ألف رجل من سن العشرين إلى سن الستين ماعدا النساء والأولاد، وقد حقَّق الله وعده لإبراهيم بأن يجعل نسله كنجوم السماء ورمل البحر (تك 22: 17) والله هو المسئول عنهم يقوتهم ويعولهم، فكل فرد منهم يشعر باهتمام الله به شخصيًا، فأسمائهم جميعًا مكتوبة أمامه، وأيضًا لكيما يعلم الشعب أن الله " ليس إله تشويش بل إله سلام" (1كو 14: 33) إله سلام ونظام، وكذلك لإعداد الجيش للاستيلاء على أرض الموعد، فقال الرب لموسى والعازار: "خذا عدد جماعة بني إسرائيل من ابن عشرين سنة فصاعدًا حسب بيوت أبائهم كل خارج للجند في إسرائيل" (عد 26: 2) أما في أيام داود فبعد أن أنهى حروبه، ونال توفيقًا كبيرًا من الله، وحلَّ السلام في البلاد، أمر بإحصاء الشعب وألحَّ في هذا الأمر ليرضي كبرياءه قائلًا: "فأعلم عدد الشعب" (2صم 24: 2) حتى أن يوآب بالرغم من نصيحته لداود لم يجد استجابة " فقال يوآب للملك ليزد الرب إلهك الشعب أمثالهم مئة ضعف وعينا سيدي الملك ناظرتان. ولكن لماذا يسرُّ سيدي الملك بهذا الأمر" (2صم 24: 3) أما من جهة داود فقد أصر على عناده: "فاشتد كلام الملك على يوآب وعلى رؤساء الجيش" (2صم 24: 4) وقد سبق الإجابة على هذا التساؤل بالتفصيل(14).
ب - أعطت الشريعة تعليمات معينة بخصوص تعداد الشعب: "وكلم الرب موسى قائلًا. إذا أخذت كمية بني إسرائيل بحسب المعدودين منهم يعطون كل واحد فدية نفسه للرب عندما تعدُّهم. لئلا يصير فيهم وبأ عندما تعدُّهم. هذا ما يعطيه كل من إجتاز إلى المعدودين نصف الشاقل بشاقل القدس... كل من اجتاز إلى المعدودين من ابن عشرين سنة فصاعدًا يعطى تقدمة للرب. الغني لا يكثّر والفقير لا يقلّل عن نصف الشاقل... وتأخذ فضة الكفارة من بني إسرائيل وتجعلها لخدمة خيمة الاجتماع" (خر 30: 11 - 16) فواضح مدى التدقيق على هذه الفدية، ولم تأتِ كأمر عابر، بل هناك تأكيد عليها، وأكثر من هذا أوضح الوحي الإلهي أن مخالفتها يجلب الوبأ على الشعب، وهذا ما حدث مع داود النبي إذ حصد الوبأ 70 ألف شخص، وكان على داود أن يراعي قواعد ووصايا الشريعة حتى لا يسقط تحت سطوة الملاك المُهلك الذي مد يده لكيما يُهلك أورشليم. ولكن رحمة الله تداركت المدينة.