أسباب تأثيرها بالنسبة إلى اللّه:
يعتقد بعض الناس أن الخطية إذا كانت بين الإِنسان وبين نفسه، انحصر تأثيرها فيه وحده. وإذا كانت بينه وبين إنسان غيره، انحصر تأثيرها فيهما. أما اللّه فبسبب روحانيته المطلقة أرفع من أن يتأثر (كما يقولون) بأي مؤثر خارجي. لكن هذا الاعتقاد خاطئ لسببين:
(أ) كلنا يعلم أن الكامل يُسرّ بالخير ويكره الشر. ولا يُسر بالشر ويكره الخير إلا الذي لا يدرك معنى الكمال، أو الجماد الذي لا حياة فيه ولا شعور. وبما أن اللّه كامل كل الكمال وحيّ إلى أبد الآباد، وقد نهانا عن الشر وأوصانا بالخير، إذاً فهو مع روحانيته المطلقة يتأثر بما نفعله من شر أو خير على نحوٍ يتفق مع روحانيته هذه. لذلك قال الوحي عن اللّه إنه لا يطيق الإِثم (إشعياء 1: 13) ، وإن عينيه أطهر من أن تنظرا الشر (حبقوق 1: 13) . فإذا ارتكب أحدنا خطية ضد نفسه أو ضد غيره، لا يكون قد أساء إلى نفسه أو غيره فحسب، بل وإلى اللّه قبل كل شيء آخر.
(ب) للّه علاقة وثيقة بنا، فقد خلقنا على صورته كشبَهه، كما منحنا المواهب العقلية والأخلاقية التي تفكر فيه وتسعى إليه. وبعث إلينا كثيراً من الرسل والأنبياء ليعلنوا لنا أفكاره الطيبة من نحونا وما يجب علينا من تصرف إزاءه. وبما أن كل علاقة بين طرفين تتأثر بتصرفات أحدهما، إذاً فكل خطية نرتكبها تؤثر على علاقتنا باللّه. وقد أدرك هذه الحقيقة كثير من الفلاسفة، فقال بسكال: يعتبر الإِنسانُ اللّهَ كأنه وثن إذا جعله موضوعاً للمعرفة فحسب، وجرّده من عمله الجوهري الخاص بعلاقته معنا . أما الفلاسفة الذين يقولون إن اللّه لا يعبأ بشر الناس أو خيرهم، رغبةً منهم في تنزيهه تنزيهاً مطلقاً، فهم في الواقع لا يسندون إليه الكمال المطلق كما يقولون، بل يجردونه من صفات الكائن الأدبي تجريداً تاماً، ويجعلونه اسماً دون مسمى. وعلى هذا فإن كل خطية نرتكبها ضد أنفسنا أو ضد غيرنا من الناس، تكون موجهة ضد اللّه أولاً. عندما أخطأ داود النبي ضد أوريا وامرأته قال للّه: إليك وحدك أخطأتُ، والشر قدام عينيك صنعت (مزمور 51: 4) . ويوسف الصديق عندما أبى أن يلبي الرغبة الآثمة التي عرضتها عليه امرأة فوطيفار، قال لها: كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى اللّه؟! (تكوين 39: 9) .