الأب بطرس دانيال
الله حافظنا
يقول سفر الأمثال:لاتحب النوم لئلا تفتقر, افتح عينيك تشبع خبزا(20:13). هل نتخيل أشخاصا في كامل الصحة والحيوية, ولكنهم لا يريدون أن يعملوا؟ إن الحياة التي منحنا إياها الله, هي رسالة مقدسة يجب الحفاظ عليها, والقيام بالواجب المطلوب منا نحو الآخرين. كان الكاهن Maisant وجها كريما من وجوه البر والرحمة والبطولة, لم يكفه أنه ضحي بالعالم وبهرجته وأباطيله ليتقرب من الله, بل أراد أن يعيش ويخدم في أفقر البلدان وبين الشعوب الأقل نصيبا من الحضارة والمعيشة, التي مازالت تعيش حياة بدائية, ولم تكن لها من المهارة والخبرة في أن تتحكم بعناصر الطبيعية لتعود عليها بالخير والرفاهية. فاختار هذا الكاهن بلاد بوليثيا بأمريكا الجنوبية ميدانا لغيرته ومحبته, وكان يعيش مع الطبقة الأكثر فقرا وبؤسا. وبما أن الماء هو العنصر الذي لاغني عنه لحياة الإنسان والنبات والحيوان, فقد عكف علي استخراجه من الأراضي القاحلة المحرقة, عن طريق حفر الآبار والعيون, وكان هذا العمل شاقا جدا ومحفوفا بالمخاطر, ولاسيما في بلاد لاتملك أي وسيلة من آليات العصر فالعامل البسيط هو دائما تحت رحمة التراب الذي يمكن أن ينهار عليه ويدفنه حيا بين لحظة وأخري. وذات يوم لاحظ الكاهن الغيور أن أحد العمال في خطر لا محالة له, فما كان منه إلا أن هرع إليه ودفعه بعيدا, وأخذ مكانه قائلا له:ليس لي زوجة ولا أبناء, فدعني أقوم بعملك! وما هي إلا ثوان معدودة حتي انهار الحائط علي الكاهن وأنهي حياته, فذهب ضحية محبته وإنسانيته. ومن الصدف العجيبة أن هذا الكاهن كتب لأحد اصدقائه قبل أيام قليلة:إنني بطيبة خاطر, أضحي بحياتي, علي شرط أن يحصل الهنود علي الماء كم هي عظيمة التضحية في سبيل الغير مهما كلفنا الأمر! جميعنا يعلم بأن الله هو الحارس لنا, والمعتني بنا والذي يهبنا كل شيء, ولكن هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي دون القيام بالدور المطلوب منا فالله يمنحنا الإيمان, ولكن يجب علينا أن نظهره بشهادتنا وأعمالنا الصالحة مع الجميع الله يعطينا الرجاء ولكن يجب علي كل واحد منا أن ينشر هذا الرجاء بين الناس الذين يتقابل معهم, الله يهبنا المحبة, ولكن يجب علي كل شخص منا أن يحياها يوما بعد يوم, ويسعي في مساعدة الآخرين والتضحية من أجلهم. ما أشقي الإنسان الذي يعيش بدون هدف, لأنه كالمسافر الذي يسير علي غير هدي, ويضل الطريق ويصبح تعبه باطلا. لذلك يجب علينا أن نضع أمامنا هدفا واضحا, ونحمل رسالة إنسانية ذات فائدة ومثمرة لخير البشرية مهما كلفنا الأمرإن العمل عبادة. وكل من يبدل جهدا ويضحي في سبيل الآخرين إنما يعبر عن دوره في الحياة. فالله يكافئنا علي عملنا عندما نقوم به بكل إخلاص وتفان, ويبارك كل شخص أمين في واجبه نحو الآخرين إذا يجب علينا ألا نعتبر العمل واجبا ثقيلا نؤديه مقابل ربح مادي أو أجر نحصل عليه في نهاية الشهر, ولكنه رسالة سامية من أجل خيرنا وخير الآخرين والمجتمع الذي نعيش فيه كما يجب علينا أن نتحلي بروح العمل والمبادرة في سبيل الغير, وأن نعمل بإرادة التحدي لأنها تساعدنا علي اتمام واجباتنا مهما كانت الظروف والمعوقات. إن حياة الإنسان هي صراع متواصل منذ استيقاظه حتي أن يخلد للنوم, ولا يصمد أمام هذا إلا الشخص العالي الهمة, ذو الأخلاق النبيلة, وصاحب القلب العامر بالإيمان. فالبطل الحقيقي هو من يصمد إزاء كل ما يعوقه عن القيام بعمله وواجبه ويسعي إلي تحقيق رسالته علي أكمل وجه, حتي يصل إلي فراشه ليلا ويختلي بنفسه شاكرا الله علي كل ما قدمه طوال النهار من خير وصلاح ونفع للغير, ثم ينام في سلام ليستيقظ في الصباح الباكر بهمة الأبطال الصالحين كما يجب علينا أن نتمرد علي الكسل والروتين, ونبذل أقصي ما في وسعنا لنكسب قوة وحيوية لعطاء أفضل مما لاشك فيه أن هناك أشخاصا يعملون ويتعبون للحصول علي الرزق فقط, وهدفهم الوحيد هو الربح, ولكن من حسن الحظ أن هناك آخرين يعملون لا طمعا في الربح ولا سعيا إلي الرفاهية والمناصب بل تلبية لنداء داخلي يدعوهم إلي تقديم خدمة من أجل الآخرين ونختم بالقول المأثور:كن كالشجرة تحمل الثمار وتنشر الظلال, كن كالمصباح ينير الطريق ويملؤه ضياء, كن كالقصبة تتلوي أمام الريح ولاتنكسر.
الأب بطرس دانيال