كيف قدَّم يسوع نموذجًا لمحبة الخطاة بينما لا يزال يدعوهم إلى التوبة؟
لقد قدم لنا يسوع، بحكمته ورحمته اللامتناهية، النموذج المثالي لكيفية محبة الخطاة مع دعوتهم إلى حياة القداسة. كان منهجه هو الحب والقبول الجذريين، مقرونًا بدعوة واضحة إلى التحول.
نرى هذا جليًا في روايات الأناجيل التي تصف تعاملات يسوع مع من اعتبرهم المجتمع خطاة. تأملوا في قصة زكا، العشار (لوقا ١٩: ١-١٠). لم يتردد يسوع في دخول بيت زكا ومشاركته الطعام، رغم تذمر الجموع. وقد لامس هذا التقبّل والودّ قلب زكا بعمق. إلا أن يسوع لم يكتفِ بمجرد التقبّل، بل ألهم حضوره المحب زكا للتوبة والتكفير عن ذنوبه الماضية.
وبالمثل، في لقائه بالمرأة الزانية (يوحنا ٨: ١-١١)، حماها يسوع أولًا من الإدانة، مظهرًا لها رحمته العظيمة. لكنه اختتم تفاعلهما بنصيحة رقيقة وحازمة: "اذهبي الآن واتركي حياة الخطيئة". وهذا يُظهر كيف وازن يسوع بين الحب غير المشروط ودعوة واضحة للتوبة والقداسة.
يُعلّمنا نهج يسوع أن المحبة الحقيقية للخطاة تتضمن لقائهم حيث هم، دون إصدار أحكام عليهم، وفي الوقت نفسه دعوتهم لتجربة قوة نعمة الله المُغيّرة. وكما يُذكّرنا البابا فرنسيس، "الله لا يتعب من مسامحتنا؛ نحن الذين نتعب من طلب رحمته" (هوسي، ٢٠١٥، ص ١-٢). لقد جسّد يسوع هذه الرحمة التي لا تعرف الكلل، مُستعدًا دائمًا للمغفرة، ولكنه يدعو الناس دائمًا إلى مستوى معيشي أفضل.
علينا أن نتذكر أن محبة يسوع للخطاة لم تكن قبولًا سلبيًا للخطيئة، بل كانت محبة فاعلة وتفاعلية تسعى إلى الشفاء والإصلاح. لم يتردد في قول الحقيقة، ولكنه فعل ذلك بطريقة تفتح القلوب بدلًا من أن تُغلقها. اتسمت تفاعلاته بالرحمة والحكمة والفهم العميق للطبيعة البشرية.
باتباع مثال يسوع، نحن مدعوون إلى محبة الخطاة دون قيد أو شرط، ومنح الرحمة بحرية، وخلق مساحات من القبول حيث يمكن للناس أن يلتقوا بمحبة الله. وفي الوقت نفسه، يجب علينا أن نتحدث بشجاعة ومحبة عن الحقيقة بشأن الخطيئة وعواقبها، مشيرين دائمًا إلى الأمل والحرية الموجودة في التوبة ومغفرة الله..