عرض مشاركة واحدة
قديم 20 - 11 - 2022, 11:39 AM   رقم المشاركة : ( 72 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,207,207

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم

مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم


قداسة البابا شنوده الثالث
حياة التدقيق


بدأنا مقالنا السابق عن "الجدية والتدقيق". ونتابع اليوم حديثنا عن التدقيق في كل تفاصيل الحياة".
إن الإنسان المدقق، يشمل تدقيقه كل تفاصيل حياته ولا يكون تدقيقه فقط أمام الناس، إنما حتى حين يكون وحده في غرفته الخاصة.
نقول هذا لان التدقيق في التصرف قد يكون سهلا نوعا ما في حضرة الناس لأننا بطبيعتنا لا نحب أن ينتقدنا الناس، أو نخشى أن نكتشف أمامهم، وتظهر أمامهم عيوبنا وأخطاؤنا. ولهذا فان القياس الحقيقي لتدقيقنا، يظهر حينما نكون وحدنا لا يبصرنا أحد. وهنا يكون التدقيق حقيقيًا وليس ريائيًا.
والإنسان المستقيم، يصبح التدقيق جزءًا تلقائيًا من طبعه، وليس مجرد محاولة منه أو تدريب.
إنه تعوَّد أن يكون مدققا في كل شيء، بدوافع داخلية فيه تمثل بعضًا من مبادئه وقيمه.. وحتى إن كان -في حياته الخاصة- لا يراه الناس، فهو يجب أن يكون بلا لوم أمام الله الذي يراه، وأمام الملائكة الذين يرونه، وأمام أرواح الأبرار في العالم الآخر..
فهل أنت مدقق بهذا المقياس، بغض النظر عن أحكام الناس؟

هنا نسأل: ما هو التدقيق؟
التدقيق هو حرص على التصرف السليم، مع الاحتراس من أقل خطأ. هو سعى نحو أكمل وضع ممكن، بغير تسيب ولا تراخ ولا إهمال، وفي بعد عن التبريرات التي تدافع عن كثير من الأخطاء، هو خطوة نحو الكمال.
فالذي يدقق محترسا من الوقوع في الصغائر, من الصعب عليه أن يقع في الكبائر والذي يحترس بكل قوته لكي لا يقع في الخطيئة بالفكر، ليس من السهل أن يقع في الخطيئة بالعمل.
ولكن على الإنسان في تدقيقه، أن يحترس بحيث لا يقع في التزمت أو في الوسوسة أو الحرفية.
ففي التزمت والوسوسة، يظن المتزمت وجود الخطأ حيث لا يوجد خطأ، أو يفخم من قيمة الأخطاء فوق حقيقتها، أو تحاربه عقدة الإثم بدون سبب معقول. أو هو -في سبيل الدفاع عن الحق- يصل إلى التطرف الذي يؤثم تصرفات سليمة!!
مثل أولئك الفريسيين الذين قال عنهم السيد المسيح إنهم يحملون الناس أحمالا ثقيلة عدة الحمل. وإنهم يغلقون ملكوت السموات قدام الناس، فلا يدخلون هم، ولا يدعون الداخلين يدخلون!!
إنما التدقيق -بمعناه الحقيقي السليم- هو تصرف في وضع وسط، ما بين التسيب والتزمت. انه يذكرنا بميزان الصيدلي: بحيث كل مادة تدخل في تركيب الدواء. إن زادت عن الحد قد تضر، وان نقصت قد تضر فالمدقق له مبادئ يحافظ عليها، بحيث لا يبالغ فيها ولا يهمل.
الإنسان المدقق، يكون حريصا على وقته، كجزء من حياته ..
يستخدم الوقت بطريقة سليمة. لا يضيع شيئًا منه فيما يندم عليه، أو فيما لا يستفيد منه. وهو يوزع وقته توزيعا عادلا على جميع مسئولياته.
وفيما يحرص على وقته، يحرص على دقة مواعيده، وعلى نظام حياته.
وكما يكون مدققا من جهة وقته، يكون أيضا مدققا من جهة وقت غيره.
نقول هذا، لأن إنسانا قد يظن أن وقت الآخرين رخيص عندهم!
فيزور غيره في موعد غير مناسب، أو يكلمه ويشغله مضيعًا وقته.
بينما هذا الغير لا يعرف في خجله كيف يهرب منه!
أما الإنسان المدقق فهو يحترم حياته ووقته، ويحترم حياة الآخرين ووقتهم. ولا يسمح لنفسه أن يضيع وقته في التوافه، أو أن يعطى أية مشغولية أو زيارة وقتا فوق ما تستحق.
والإنسان الصالح ينبغي أن يكون مدققا في كلامه:
فهو يزن كل كلمة قبل أن يقولها، سواء من جهة معنى الكلمة أو قصدها،أو مناسبتها للمجال أو للسامعين، أما الذي يتكلم ثم يندم على قول، فهو غير مدقق في كلامه. وكذلك الذي يتكلم، ثم يعاتبونه على معنى كلامه، فيقول ما كنت أقصد ذلك، هو أيضا غير مدقق في كلامه. ويخطئ أيضا الذي يتكلم ويجرح شعور غيره، بغير حكمة وبغير تدقيق.
إن السرعة في التكلم، هي من الأسباب التي تؤدى إلى عدم التدقيق. سواء السرعة في إبداء الرأي، أو السرعة في الحكم على الآخرين، أو السرعة في الاستسلام للغضب. كل ذلك يعرض الإنسان للخطأ. فلا يكون مدققا في كلامه.
أما الذي يتباطأ، ويزن الكلمة قبل أن يقولها، فانه يكون أكثر تدقيقا. لأنه في الإبطاء أو في التفكير المتزن، يمكنه أن يتحكم فيما يريد أن يقوله، بحيث يتخير الألفاظ المناسبة، ويحسب ردود فعلها لأن الكلمة بعد أن يلفظها، لا يستطيع أن يغيرها أو يسحبها! لقد حسبت عليه.
وكما يدقق الإنسان في كلامه، ينبغي أن يدقق في مزاحه وضحكه.
بحيث لا يخرج مزاحه عن حدود اللياقة والأدب، كما لا يجوز أن يتحول ضحكه إلى لون من التهكم على الغير أو الاستهزاء به، وجعله مادة لفكاهاته ولسخريته وتسلية الناس! ولا يجوز أن يؤدى ضحكه إلى جرح شعور غيره. فمن حق الإنسان أن يضحك مع الناس، لا أن يضحك على الناس. وليس له أن يهين غيره، ولو في مجال مزاح، ولو عن غير قصد.
والإنسان الروحي يكون أيضًا مدققا في نقده وفي عتابه
: فالنقد السليم (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات) ليس هو التجريح ولا التشهير. إنما هو لون من التحليل، تذكر فيه النواحي الطيبة. أما المآخذ فتذكر بطريقة موضوعية، وليس بطريقة شخصية، وبأسلوب غير هدَّام.
والعتاب أيضا لا يكون قاسيًا ولا يوبخ الشخص من يعاتبه، كمن يريد أن يحطمه. بل يكون هدفه أن يصالحه. والعتاب الخاطئ قال عنه الشاعر:
ودع العتاب فرب شر كان أوله العتاب
ما أكثر الناس الذين يستخدمون كلمة "الصراحة" في غير معناها الدقيق، فتتحول الصراحة إلى مهاجمة وتجريح، ولا تأتى بنتيجة.
الإنسان المدقق تظهر دقته أيضا في كل عمله ومسئولياته:
سواء كانت المسؤولية إدارية أو مادية أو اجتماعية. فالدقة في العمل تقود إلى النجاح والإتقان، وإلى احترام الناس وثقتهم. والإنسان المدقق لا يحتاج إلى من يراجعه في عمله. فهو يبعد عن كل خطأ، وتكون دقته في العمل نموذجا لغيره. وان اخطأ لسبب ما لا يحاول أن يبرر ذلك بأعذار. فمحاولة تبرير الأخطاء هي ضد التدقيق.
هناك كثيرون يدققون في محاسبة غيرهم ولا يدققون في محاسبة أنفسهم!
أما أنت فحاسب نفسك بتدقيق شديد، ولا تعذر نفسك. ولكن بالنسبة إلى الآخرين، فحاول أن تلتمس لهم عذرًا.
الإنسان الروحي يكون دقيقًا أيضًا في عبادته، وفي مقاومة الخطية:
انه لا يقصر في صلاته، وفي صومه، ولا في قراءاته الروحية، ولا في شيء مما يربطه بحياة الفضيلة والبر. ويكون حريصا جدا في البعد عن أسباب الخطية. وان عرضت له, يقاومها بكل حزم.
ويدقق في كل سلوكياته: في العمل، وفي هدفه، ووسيلته. ويحرص أن يكون أمام ضميره بغير لوم. ويحكم على نفسه قبل أن يحكم الناس عليه. وإذا كان في موقف إدارة، يحترس أن يتطور من الأمر إلى التسلط. ويحترس أن يتحول من القدوة إلى محبة المديح وإعلاء الذات.
.