عرض مشاركة واحدة
قديم 11 - 10 - 2021, 11:31 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب مع التلاميذ

3- مع يهوذا الخائن


"حينئذ ذهب واحد من الاثني عشر الذي يدعى يهوذا الإسخريوطي إلى رؤساء الكهنة وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم" (مت 26: 14 – 15).



حينئذ.. متى؟ بعد أن سمع أقوال المسيح.. وبعدما قال: "لتكفيني".. فحتى هذه الكلمات لم توخز ضميره – وحين سمع أيضًا أن الإنجيل سيكرز به في كل مكان فانه لم يخف.. وحتى بعد أن رأى النسوة.. وأي نوع منهن..؟ اللائي كن خاطئات.. بعد كل هذا، قام ينفذ مشيئة إبليس!!

ولماذا ذكر الكتاب اسمه بالكامل؟ ذلك لان هناك يهوذا آخر.. ولم يخف الكتاب أنه أحد الاثني عشر رسولًا.. فحتى الأمور التي تستحق اللوم لا يستحى الإنجيل من ذكرها... كان من الممكن أن يقال أنه أحد الرسل إذ هناك رسل آخرين.. ولكنه حرص على إضافة "واحد من الاثني عشر" كما لو قيل: واحد من الجماعة الأولى المختارة، والتي كان من بينها بطرس ويوحنا. شيء واحد يهتمون به.. هو قول الحقيقة دون أخفاء شيء مما يحدث.

قد يعبر الكتاب على نواح كثيرة.. أما الأمور التي يبدو أنها تستحق اللوم فلا يخفى منها شيئا، سواء كانت أمور تتصل بالقول أو الفعل، فهذه يجب أن تعلن في ثقة!!

ويوحنا أيضًا:
ليس هذا فحسب بل أن يوحنا البشير الذي ينطق باسمي التعاليم، نراه –أكثر من جميع البشيرين– يذكر لنا الإهانات والتعييرات التي لحقت بالسيد، فانظر إذن مقدار الشر الذي صنعه يهوذا الذي عن طريقه تم كل هذا!!.. لقد صنع ذلك من أجل المال.. وأي مبلغ؟... هذا المبلغ الحقير.

أما لوقا فيقول أن يهوذا تشاور مع الرؤساء (لو 22: 4).

ذلك لأنه بعد تمرد اليهود أقام الرومان عليهم رؤساء يراقبونهم..
ماذا تريدون أن تعطوني؟
إلى هؤلاء الرؤساء ذهب يهوذا قائلا لهم: "ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم؟ فجعلوا له ثلاثين من الفضة. ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه" إذ كان يخشى الشعب لذا أراد أن يقبض عليه وهو بمفرده.

يا للجنون، وهل إلى هذا الحد يعميه الجشع وحب المال؟!! فالتلميذ الذي طالما شاهد المعلم وهو يجتاز وسط الجماهير دون أن يمسكه أحد.. ورآه وهو يصنع المعجزات الإلهية... يريد أن يلقى القبض عليه؟.. وهذا يتم بينما يسوع يكلمه بسحر الكلام، لكي يضع حدا لفكره الشرير..!! ليس فقط في وقت العشاء بل حتى آخر يوم، كان المعلم يتحدث معه عن الأمور المزمع إتمامها.. ومع هذا لم يَسْتَفِد شيئًا، كما لم يتوقف السيد عن أن يقوم بدوره وينذره..!!

لا نكف عن الإنذار:
من هذا يتبين أهمية عدم التراخي عن عمل كل ما نقدر عليه مع الخطاة.. سواء بالتعليم أو التحذير أو الوعظ أو النصح والتبكيت. فالمسيح رغم أنه عرف بسابق علمه أن الخائن يهوذا لا يرجى منه نفع، فانه لم يكف عن تقديم كل ما في استطاعته له، كما قام بمعاتبته وتحذيره والرثاء له بطريقة خفية. وحتى في لحظة الخيانة سمح له حتى بأن يقبله.. وكل هذا لم يفده شيئًا.. نعم ما أبشع خطية حب المال التي جعلت من التلميذ خائنًا ولصًا..!!


يا مَن تحبون المال:
فيا مَنْ تحبون المال وتحلمون الجرثومة التي حملها يهوذا، أصغوا واحترسوا من العاقبة.. فان كان الذي رافق يسوع وسمع تعاليمه وعاين معجزاته، هبط إلى الهاوية لأنه لم يتحرر من جرثومة حب المال، فكم بالحري نحن الذين لا نفحص الكتب المقدسة كم نكون معرضين للسقوط ضحية هذه الخطية، ما لم نحترس ونسهر؟!!

لقد عاشر هذا الرجل الرب يسوع في حياته اليومية، ورأى كيف أنه ليس له أين يسند رأسه، وكل يوم كان يوعظ بالكلمة وبالأفعال ألا يقتنى ذهب أو فضة، وألا يكون له رداءان... ومع هذا لم يتعلم كيف يتحكم في ذاته!! فكيف تنتظر أن تخلص أنت من هذا المرض، إذًا لم تفتح أذني قلبك لتصغي وتثابر وتجاهد ضد الخطية..؟!!

خطية مخيفة ومرعبة!
حقًا كم هي مخيفة ومرعبة خطية حب المال!! ولكن بالإرادة القوية يمكنك التغلب عليها، لأن حب المال ليس غريزيًّا في الإنسان... وهذا واضح لدى الذين تحرروا منه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لأن الأمور الغريزية عامة لدى الجميع أما هذه الشهوة فتأتي من التراخي وحده وهكذا تولد وتنمو حتى إذا سيطرت على من كان يلهث وراءها، جعلته يحيا على عكس تكوينه الغريزي. لأن الذي – لأجل المال لا يراعى مواطنيه وأصدقاءه وأخواته وأقرباءه حتى نفسه فإنما يناقض الطبيعة.


ما هو مصيره؟
ما مصير مثل هذا الإنسان إذا دعاه المسيح؟ أن دعوة الرب ليست إجبارية، ولا تلغى أرادة من أختار طريقًا غير طريق الفضيلة. أن الرب يعاتب وينصلح المرء فإذا لم يستجب فليس هناك إجبار على شيء.
ت

التهاون والتراخي:
وقد يسأل سائل: كيف حلت هذه المصيبة على إنسان؟؟ لأنه تهاون.. وعلى نقيض هذا المثابر يتقدم على حال أفضل.

كم من رجل كان شرسًا، وصار أكثر وداعة من الحمل؟!! وكم من إنسان كانت تؤرقه شهواته الجسدية، فأصبح بالجهاد عفيفا طاهرًا؟!! وكم من أناس كانوا يعبدون المال، أمكنهم التسامي عليه حتى تخلصوا من أموالهم كلها؟!! وعكس هذا صحيح عند التهاون والتراخي.

ليس أشر من الطماع:
إن شهوة جمع المال مصيبة كبيرة.. فهي الدافع وراء السرقة والقتل والحرب وأي شيء آخر. فمن استعبد لها تراه إذا تزوج فانه لا يختار الفاضلة بل الشريرة لغناها. وإذا كان ملكًا فهو أشر الملوك وأصغر الناس جميعًا، فهو يتهافت على جمع المال لأنه يقارن ما يملك بما لم يملكه بعد، فيشعر بأن ما لديه لا يقاس بما ليس لديه، فيسعى إلى جمع المزيد... وهكذا ينزل إلى مستوى أقل أفراد شعبه...من أجل هذا كانت الحكمة القائلة "ليس أشر من الرجل الطماع"!!


عدو العالم...
فمثل هذا الرجل يعيش في الأرض عدوًا للعالم.. فيعتصره الحزن لأن الأرض لم تنبت عوض القمح ذهبا.. والفسقية لم تخرج بدل الماء ذهبا.. والجبال عوض الحجارة ذهبا.. كما ينزعج إذا تم الإنفاق في مشروعات للصالح العام.. ويسد الطريق أمام الأعمال التي لا يجنى من ورائها منافع شخصية.. ويكره الجميع.. الأغنياء منهم، لأنه يتمنى أن يكون له ما لديهم من مقتنيات.. والفقراء، لأنه يخشى أن يمدوا أيديهم إليه!!
المفهوم الروحي للفقر والغنى:
لماذا تنوح وتبكى إن كنت فقيرًا؟ كان ينبغي بالحري أن تفرح إن كنت حكيمًا!!... ولماذا تبكى يا صغيري؟ هل ضربك أحد؟ أن كان قد فعل فاشكره لأنه يعلمك الاحتمال والصبر.. أم تبكى لأنه استولى على مالك؟ أن كان قد فعل فهو يخفف عنك حملك.. أم عساه قد اعتدى على كرامتك؟.. أن كان فأسمع ماذا يقول الحكماء "أن كنت لا تهتم بالكرامة فلن تشكو شيئا"... أم لعله استولى على بيتك الأنيق؟.. لن يمنعك هذا من تأمل العالم بما فيه من قصور وعمارات عامة.. ثم أليست قبة السماء الزرقاء أجمل من كل هذا؟!..

كم مقدار فقرك وعوزك؟ الغنى لا يسمى هكذا أن لم يكن غنى النفس... والفقير ليس كذلك إذا لم ينشغل عقله بفقره. لأنه إذا كانت النفس هي أرقى جوانب الإنسان.. أذن فالجوانب الأخرى سوف تكون أقل قدرة على التأثير في حياته، لأن النفس النبيلة سوف تعمل على رفع جوانب حياة الإنسان إلى مستواها.

هكذا القلب أن أصابه شر تأثر الجسم كله بالتبعية – وإذا ضل تلف الكل – وان صلح استفاد الكل – وحتى أن عطب أحد الأجزاء الباقية بينما بقى القلب سليما فأنه يكون من السهل علاج هذا الجزء.

ولنعلم أن المال لن يجدي أن كانت النفس فقيرة – كما لا يمكن أن يخشى من الفقر إن كانت النفس غنية شبعة. إن البرهان القاطع على غنى النفس هو احتقار المال والزهد في اقتنائه..

إن الغنى يضع قلبه وفكره في المال أكثر من الفقير الذي ليس لديه ما يشغله عن فتح قلبه للناس. وكما أن المخمور يشعر بالعطش أكثر من الذي لم يشرب خمرًا –وكما أن النيران كلما أعطيتها وقودا زادت اشتعالًا– هكذا شهوة المال فانك كلما منحتها مزيدا من الذهب زادت اتقادًا..!!

ولنفرض أن رجلين أحدهما عنده عشرة آلاف وزنة والآخر عشرة، ثم استولينا على كل ما لديهما –فأي منهما يحزن أكثر؟ بالطبع الذي له الأكثر– ولكنه ما كان ليحزن لو أنه لم يكن يحب ماله أكثر... فكلما زاد حبه لماله زادت لوعته عند فقدانه. وحيثما يكون هناك شبع لا يمكن أن يكون هناك أحساس بالعوز..

لقد أردت أن أوضح كل هذا لأظهر أنه أن كنا متيقظين وساهرين لن يضرنا شيء. فالضرر لا يأتي من الفقر بل من تكاسلنا نحن. لهذا فلنطهر نفوسنا من شهوة الطمع وحب المال حتى نكون أغنياء في هذا العالم ونستمتع بالغنى الآتي في الحياة الباقية.
  رد مع اقتباس