(( "35 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ:«حِينَ أَرْسَلْتُكُمْ بِلاَ كِيسٍ ... " بعدما أنهي ربنا يسوع المسيح ما كان ينبغي قوله في حواره الخاص مع بطرس ، فقد انتقل بخطابه الآن إلي التلاميذ الآخرين ، وذكرهم كيف كان محظوراً عليهم ، حينما تم إرسالهم للمرة الاولي ، توفير المؤون والمزود لبعثتهم ، وتوجيههم للإتكال بشكل تام علي الرب ، حتي أنه ، بالرغم من أنهم انطلقوا وفقاً لذلك بلا كيس ولا مزود ولا أحذية ، إلا أنهم لم يعوزهم أي شيء علي الإطلاق ، بل كان لديهم مؤون وافرة من خلال كرم أناس قد أعدهم الرب لمصادقتهم وتقديم مد يد العون إليهم ، لكنه أخبرهم أن الأحوال قد تبدلت الأن ، فسيتعرضون لإعتداءات عنيفة من قبل أعدائهم ، وسيواجهون أعتي الإغواءات والفتن ، وسيُضطهدون بشكل قاس للغاية من قبل أبناء وطنهم ، بحيث لن يعد في إمكانهم توقع أي مساعدة علي أيديهم ، ولهذا السبب ، فقد أمرهم أن يعدوا لأنفسهم في بعثاتهم المستقبلية المال والثياب والسيوف . أي أنه بجانب إتكالهم علي العناية الإلهية ، كما سلف ، فإنه سيكون عليهم أن يتخذوا كافة الإحتياطات الحذرة اللازمة لتحصين أنفسهم ضد المصائب التي ستحل عليهم . أو بالأحري ، فإنه يجب إعتبار أن هذه الأوامر لحماية أنفسهم ضد الأخطار ، ما هي إلا تنبؤات وتحذيرات مقدمة لهم عن المخاطر والمحن التي سيجابهونها . حيث أن نبؤوات الأنبياء كان غالباً ما يتم الإعلان عنها في شكل أوامر . فالنبي إشعياء ، في تنبؤه عن هلاك عائلة ملك بابل ، إشعياء ( 14 : 21 ) يقول " هَيِّئُوا لِبَنِيهِ قَتْلًا بِإِثْمِ آبَائِهِمْ " . والنبي إرميا ، في تنبؤه بطريقة مماثلة عن هلاك اليهود ، يُظهر كما لو أن الرب يخاطبهم ، ( إر ميا 9 : 17 – 18 ) "هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: تَأَمَّلُوا وَادْعُوا النَّادِبَاتِ فَيَأْتِينَ ...." ، و في نبوة حزقيال 39 : 17 – 19 " 17 «وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: قُلْ لِطَائِرِ كُلِّ جَنَاحٍ، وَلِكُلِّ وُحُوشِ الْبَرِّ: اجْتَمِعُوا، وَتَعَالَوْا، احْتَشِدُوا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، إِلَى ذَبِيحَتِي الَّتِي أَنَا ذَابِحُهَا لَكُمْ، ذَبِيحَةً عَظِيمَةً عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ، لِتَأْكُلُوا لَحْمًا وَتَشْرَبُوا دَمًا.
18 تَأْكُلُونَ لَحْمَ الْجَبَابِرَةِ وَتَشْرَبُونَ دَمَ رُؤَسَاءِ الأَرْضِ. كِبَاشٌ وَحُمْلاَنٌ وَأَعْتِدَةٌ وَثِيرَانٌ كُلُّهَا مِنْ مُسَمَّنَاتِ بَاشَانَ19 وَتَأْكُلُونَ الشَّحْمَ إِلَى الشَّبَعِ، وَتَشْرَبُونَ الدَّمَ إِلَى السُّكْرِ مِنْ ذَبِيحَتِي الَّتِي ذَبَحْتُهَا لَكُمْ." وفي الرؤيا ( رؤيا يوحنا 19 : 17 – 18 "وَرَأَيْتُ مَلاَكًا وَاحِدًا وَاقِفًا فِي الشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ: «هَلُمَّ اجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ الإِلهِ الْعَظِيمِ،
18لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُوَّادٍ، وَلُحُومَ أَقْوِيَاءَ، وَلُحُومَ خَيْل وَالْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ الْكُلِّ: حُرًّا وَعَبْدًا، صَغِيرًا وَكَبِيرًا». ""
وهكذا يتم إستخدام نفس الإسلوب المجازي إلي هذا الحد الذي يتم فيه إعطاء أوامر للطيور غير العاقلة للقيام فحسب بما يريد النبي أن يتنبأ به عما سوف يفعلونه .