وأما الرجالُ الذين كانوا ينتظرونه، ليفتحَ لهم البابَ، فقد كانوا قياماً، وسيوفُهم بأيديهم، وهم قلقون على فتحِ البابِ، وقد سمعهم، وهو في الداخلِ، يقولون: «لقد أزف الليلُ، لعله يريدُ أن يترهب ويسكن عندهن»، وآخر منهم يقول: «لعل راهبةً منهن جعلته نصرانياً»، وكانوا يقولون هذا الكلامَ باستهزاءٍ، فكان يسمع ذلك ويقول: «حقاً، لقد نطقَ نبيُ الله على أفواهِهم، بأني أترهب، وأن راهبةً منهن جعلتني نصرانياً».
ولما أنار النورُ، وانقطع رجاؤهم فيه، خافوا وانصرفوا إلى مكانِهم محزونين، وأسنانُهم تصرُّ على مقدِّمهم. ولما كان الصباحُ سَحراً، بسط ذلك اللصُ يديه نحو المشرقِ قائلاً: «يا ربُّ، إنك لم تأت لتدعو الصديقين، لكن الخطاةَ، فاقبلني إليك بصلاةِ الذين تعبوا على اسمِك». ثم إنه ودعهن، وخرج وهن متحققات من أنه أنبا دانيال.
فلما توسط الطريقَ، خرج عليه رفقاؤه، وقالوا له: «ما الذي أصابك؟ إنما قعودك كان لأنك وجدتَ جواهرَ حسنةً، وأنت تقصد أن تبدِّي نفسَك علينا. أرنا ما معك». فلما فتشوه، وجدوه بأسوأ حالٍ، وقد تغير وجهُه، وتورمت عيناه، من عِظم البكاء، وقد تغيَّر كلُّه، وخرجت منه النفسُ السبعية، وعند ذلك خافوا وارتعدوا، وبدءوا يسألونه بخوفٍ وحشمةٍ، أن يُعرِّفهم ما السبب في تغيير جميعِ حياته.