عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 20 - 05 - 2023, 02:15 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,212,804

تفسير سفر دانيال النبي




تفسير سفر دانيال



لسفر دانيال أهمية خاصة في حياة المؤمنين، فهو ليس سجلًا لحياة دانيال النبي ولا تاريخًا لحقبة من تاريخ بني إسرائيل أثناء السبي البابلي، لكنه كتاب إلهي يُقدمه لنا روح الله القدوس ليبعث الرجاء في النفوس الجريحة. فإن كان يسمح لنا أحيانًا أن نُلقي في أتون التجارب، لكنه يُغير طبيعة النيران لأجل راحتنا وسلامنا.
فمن ناحية يكشف لنا هذا السفر أن الله هو ضابط التاريخ كله، يعمل لحساب بنيان مؤمنيه المخلصين أينما وُجدوا. ومن ناحية أخرى يكشف لنا أن الله يتمجد في القلة القليلة جدًا المُخلصة، هو سندهم في تقديس حياتهم، وهو سور نارٍ يحميهم، والمُدبر لخلاصهم.
إن كان الله يسمح لمؤمنيه بالضيق كما سمح لدانيال بسبيه وهو بعد شاب صغير، لكنه خلال التجربة رفعه إلى أعلى الدرجات ليسجد له أعظم ملك في ذلك الحين، يسجد له مُدركًا أن فيه روح قدوس القديسين طالبًا بركته ورضاه؛ كما فتح الرب عن بصيرته لا ليهبه حكمة فيعرف أحلام الملك ويُفسرها له، ولا ليدبر أمور المملكة بحكمةٍ وفهمٍ فحسب، وإنما ما هو أعظم لكي يتمتع بأسرار الله الفائقة، فيكشف له الروح عن عمل الله المستقبلي والأبدي مع البشرية.
إنه سفر الصداقة الإلهية القادرة وحدها أن ترفع قلب المؤمن إلى الحياة السماوية الفائقة، حتى وإن عاش في أرض الغربة كمسبي.
إنه سفر "المعرفة الإلهية"، التي يُقدمها الله لمختاريه ومحبوبيه، هذه المعرفة التي تنبع عن الإيمان الصادر من قلب متسع بالحب الإلهي. هذه المعرفة تُوهب خلال خبرة الضيق الشديد واحتمال الآلام من أجل الله وشعبه. يكشف أيضًا السفر كيف يحاول عدو الخير أن ينتزعها بتحطيم إيماننا.
أخيرً، فإن هذا السفر موجه إلى كل مؤمن من الشعب ليعرف دوره الحيّ في حياة الكنيسة كما في حياة البشرية كلها، وإذ لم يكن دانيال متفرغًا للخدمة والنبوة لكنه كان أشبه برئيس الوزراء في دولة سيطرت على العالم أجمع. عرف كيف يُعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله. وإن كان دانيال لم يرجع إلى أورشليم مع العائدين من السبي، ولم يشترك مع نحميا في بناء السور، ولا مع زربابل في إعادة بناء الهيكل، لكنه كان الرجل الأول الخفي العامل في هذه الأمور، إذ كان له تأثيره على ملوك بابل وفارس. لقد قدم خدمة فائقة من جوانب متعددة خلال حياته المقدسة وأمانته في عمله.
ليت روح الرب يفتح بصائرنا لنكتشف أسراره الإلهية، ونتعرف عليه، ونقبل صداقته عاملة فينا، فيستخدمنا في الموقع الذي يراه لبنيان ملكوته.



كان دانيال النبي معاصرًا لحزقيال النبي وأصغر منه سنًا. قدم لنا حزقيال أورشليم بهيكلها، هذه التي قد صارت خرابًا بسبب الفساد، وفي نفس الوقت رأى بروح النبوة ليس فقط العودة من السبي، وإنما إقامة هيكلٍ جديدٍ مجيدٍ، هو هيكل العهد الجديد حيث فيض النعمة الإلهية. وأما دانيال فقدم لنا لا العودة من السبي فحسب، وإنما اللقاء مع المحرر الحقيقي السيد المسيح الذي يُحررنا من سبي الخطية. ويدخل بنا إلى أمجاده، كما يفتح عيون قلوبنا لنراه قادمًا في نهاية الأزمنة ليقيم من مؤمنيه كواكب منيرة على صورته. اتفق النبيان المسبيان على كشف اهتمام الله بمؤمنيه، مؤكدين أنه لن ينساهم مهما طالت مدة السبي.
دانيال:

يُقدم لنا هذا السفر شخصية دانيال الفريدة:
  • هو نبي انشغل بالإدارة، لكنه عرف كيف لا يمزج بينها وبين عمله الروحي النبوي، إذ لم يفقده مركزه الإداري نظرته السماوية واهتمامه بخلاص نفسه وخلاص شعبه، بل وخلاص الملوك الذين تعامل معهم. لم يمنعه كرجل دولة عظيم له مكانته في أكبر إمبراطورية في ذلك الحين، وهي وثنية، من أن يشهد لله الحقيقي ويحفظ شريعته، لا بتهور وعنف بل بروح الحكمة والحب والشجاعة.
  • خدم شعبه، لكن لا بروح التعصب، بل بروح القداسة والاتضاع، مع الحب لكل الشعوب. سندهم في أرض السبي حيث نال نعمة في أعين الملوك، كما فتح أبواب الرجاء أمام الشعب المسبي، بل وأمام كل الأمم.
  • هو الرائي الذي كان ينظر إلى المستقبل بعمل روح الله فيه، وهبه الله الكثير من الرؤى.
  • هو أب التاريخ الأممي، سجل لنا نبوات دقيقة عن الممالك التي تتعاقب خلال خطة الله. سفر دانيال هو السفر الوحيد في العهد القديم الذي تنبأ بالتفصيل عن ملوك وممالك حدد بعضها بالاسم مثل فارس واليونان.
  • هو نبي الأحلام والرؤى الذي تمتع بعطيةٍ إلهيةٍ وحكمةٍ سماويةٍ وفهمٍ فائقٍ.
  • هو النبي الذي حدد أزمنة لأحداث الخلاص ونهاية العالم، وانشغل بأزمنة الأمم. لقبه السيد المسيح بـ"دانيال النبي" (مت 24: 15). وبسبب كثرة نبواته إذ بلغت حوالي الستين كان سفر دانيال أكثر أسفار العهد القديم قراءة ودراسة في الكنيسة المسيحية.
  • رجل الحكمة، أشار إليه معاصره حزقيال مع نوح وأيوب كأتقى رجال الله (حز 14: 14، 20)، وأيضًا كأحد أحكم الرجال. ضرب به الوحي الإلهي المثل في ذلك، إذ قال الله لملك صور: "هل أنت أحكم من دانيال؟ سرّ ما لا يخفي عليك" (حز 28: 3). وُهب عطية تفسير الأحلام بروح الله، وكما يقول الملك الوثني: "إنيّ أعلم أن فيك روح الآلهة القدوسين ولا يعسر عليك سرّ" (دا 4: 9).
  • يذكر المؤرخ اليهودي يوسيفوس أن دانيال كان حاذقًا في المعمار، وأنه هو الذي صمم مبنى برج شوشن المشهور في فارس حيث كان ملوك فارس يقطنون.
غالبًا وُلد في أورشليم، وسُبي إلى بابل مثل حزقيال (حز 1: 1-2)، غير أن الأول سُبي في السبي الأول أيام يهوياقيم سنة 606 ق.م، والثاني في الغزو الثاني. حُمل إلى بابل وهو شاب، وكان من سبط يهوذا (دا 1: 7)، إن لم يكن من البيت الملكي من نسل داود (دا 1: 3)، تعلم الكلدانية مع الثلاثة فتية. يرى البعض أنه عاش حوالي 84 عامًا (618-534 ق.م) .
أعطاه الله حكمة ونعمة فخدم في أيام الممالك: بابل ومادي وفارس. ومع أمانته للملوك بقي أمينًا لله لا يأكل من الأطياب المقدمة الأوثان، ويرفض السجود لعبادة الأوثان، وكان شجاعًا في تفسيره الرؤى والأحلام للملوك دون مجاملة.
عاش في أيام تاريخية حاسمة، فقد عاصر ملوك عظماء مثل نبوخذنصر البابلي وكورش الفارسي. لم يكن ممكنًا في أيامه أن يتحدث إنسان مع هؤلاء الملوك الجبابرة ولو بشيء من اللطف، أما دانيال الغريب الجنس والمسبي فتحدث معهم بصراحة وجسارة مع اتضاع مواجهًا الملوك بأخطائهم.
يذكر الكتاب المقدس شخصين آخرين يحملان ذات الاسم:
أ. دانيال أو دانيئيل أحد أبناء داود من أبيجايل، وُلد في حبرون (1 أي 3: 1)، ويُدعى كيلآب في (2 صم 3: 3).
ب. كاهن من عائلة إيثامار رجع مع عزرا وناب عن بيت أبيه، وكان من ضمن الذين ختموا العهد في زمن نحميا (عز 8: 2؛ نح 10: 6).
وضع سفر دانيال:

سفر دانيال عند اليهود في النسخة العبرية المعروفة باسم الماسوريتك Masoretic ليس ضمن أسفار الأنبياء، وإنما ضمن الأسفار الحكمية (كتوبيم). وكما سنرى في تفسير الأصحاح التاسع أن البعض يرى أن اليهود قاموا بنقله من الأسفار النبوية إلى الحكمية لأن السفر يُعلن بوضوح ودقة عن موعد مجيء السيد المسيح وصلبه.
  • يرى آخرون أن السبب في هذا أن جميع الأنبياء كانوا متفرغين للعمل النبوي،سواء في إسرائيل أو يهوذا أو حتى في أرض السبي. عاشوا وسط الشعب ويتحدثون مع القيادات الدينية أو المدنية أو مع الشعب في شأن توبتهم ورجوعهم إلى الله؛ أما دانيال النبي فقد انفرد بمركزه في القصر يقوم بدور رئيس وزراء لدى ملوك أمميين. كان احتكاكه بالملوك والولاة، ولم يكن له احتكاك بالقيادات اليهودية الدينية أو حتى بالولاة على أرض إسرائيل في أمور دينية، لهذا نظر إليه الشعب كقائدٍ في القصر له دوره الفعَّال.
  • غالبًا ما كان الأنبياء يقومون بدور التبكيت على الخطايا على المستوى الشعبي مع القيادات، أما دانيال فلم يكن له هذا الدور.
  • يرى البعض من الربيين اليهود أن دانيال لم يعش حياة الألم مثل إرميا وغيره من الأنبياء، وإنما عاش كأمير أو كرئيس وزراء، بينما في الواقع نراه مضطهدًا كغيره من الأنبياء، عاش في نسك شديد، لم يأكل طعامًا شهيًا (دا 10: 3)، وإذ كان تحت روح النبوة صار ضعيفًا ونحيلًا إلى أيام (دا 8: 27). كما تعرض لمؤامرات وقدمت اتهامات ضده ألقته في جب الأسود.
  • يقدمون سببًا آخر وهو كتابته في بلد غريب وثني، لكن حزقيال كتب سفره أيضًا في السبي وحُسب مع أسفار الأنبياء.
على أي الأحوال يدعوه يوسيفوس المؤرخ اليهودي أحد "عظماء" الأنبياء.
لمن كتب؟ :

بلا شك كان اليهود المسبيون في ذهن دانيال وهو يُسجل هذا السفر، بجانب اليهود المنتشرون في كل موضع. كُتب السفر لنفعهم كما لنفع الأجيال القادمة من اليهود. حتى يترقبوا مجيء المسيا المخلص. وأيضًا كُتب لنا نحن المؤمنين لنفعنا الروحي ولترقب مجيء السيد المسيح الأخير والاستعداد له. ولعل هذا السفر أيضًا كُتب لنفع البابليين أنفسهم.
سماته:

1. يُعتبر سفر دانيال مثل سفر الرؤيا من الأدب الرؤيوي أو "أبوكالبسيس" apocalyptic. هذه الكلمة معناها "إعلان" أو "كشف" أو "رفع الحجاب". هو سفر رؤيوي نبوي أخروي سلوكي روحي، يقدم لنا صورة حيَّة للحياة الإيمانية العملية مع ترقب للحياة الأخرى.
2. هذا السفر في مجمله هو إعلان عن قوة الله وحكمته في ضبط العالم حتى نهاية الأزمنة لتحقيق خطة إلهية. فالسفر لم يُقدم لنا عرضًا لحياة دانيال، ولا لتاريخ إسرائيل أثناء السبي ولا تاريخ السبي البابلي، إنما يُقدم لنا قدرة الله الفائقة في قيادة كل قوى الطبيعة وتاريخ الشعوب وقدرات الملوك لتحقيق خطة إلهية لخلاص شعبه ومؤمنيه، لذلك تكررت كلمة "مملكة" 57 مرة في هذا السفر.
3. في الأصل استخدم سفر دانيال لغتين: الآرامية وهي اللغة التي كان يستخدمها البابليون بكونها لغة دولية، والعبرية التي كان يستخدمها اليهود، بجانب اليونانية في الأصحاحين 13، 14 (تكملة دانيال). وقد استخدم دانيال الآرامية حين كان يوجه حديثه إلى البابليين أو يسجل ما قاله البابليون. لكن حين يوجه الحديث إلى اليهود فيستخدم العبرية. هذا يكشف عن مدى اهتمام دانيال بالدقة، فلم يشأ ترجمة ما كان يتحدث به مع البابليين أو ما نطقوا به.
مع كتابته بأكثر من لغة واحتوائه لتاريخ ونبوات ورؤى جاء السفر يحمل وحدة عجيبة في الهدف وتناغمًا في الفكر. على سبيل المثال يتفق التمثال الوارد في أصحاح 2 مع الوحوش المذكورة في أصحاح 7؛ والنبوات الواردة في الأصحاحات 7-12.
4. استخدم السيد المسيح وتلاميذه ورسله الكثير من الصور والتشبيهات الواردة في سفر دانيال؛ خاصة فيما يتعلق بالأزمنة الأخيرة.
غايته والفكر اللاهوتي في سفر دانيال:

1. كانت مملكتا إسرائيل ويهوذا قد انحرفتا تمامًا نحو العبادة الوثنية، وجاء سبيهما بواسطة أشور وبابل لتأديبهما. لذا يُقدم سفر دانيال درسًا واضحًا، وهو تأكيد أنه يوجد إله واحد في المسكونة كلها، يجب أن يخضع الكل له في ولاء حقيقي، وأنه من الغباء أن يتعبد أحد للأوثان، أو يعتمد على قوي وثنية، أو حكمة وثنية. وإن كان العالم يطلب من المؤمنين عدم الولاء له لكن المؤمنين في شجاعة يرفضون ذلك.
الله هو سيد التاريخ وملك الكون، ليس شيء مخفي عن عينيه، يسبق فيرى أحداث التاريخ كلها، وهو الذي يُوجه الممالك الوثنية مع تقديره للحرية الإنسانية. ليس شيء ما يحدث في العالم مصادفة أو بغير توجيه إلهي. وقد سجل لنا السفر اعتراف ملوك وثنيين عظماء لسلطان الله على كل البشر في كل جيل (دا 2: 47؛ 4: 37؛ 6: 26).
الله هو ملك السماء (دا 4: 37) وإله السماء (دا 2: 44)، إله الآلهة (دا 2: 47؛ 11: 36)، ورب الملوك (دا 2: 47)؛ يعزل ملوكًا ويقيمهم (دا 2: 12). وهو رئيس الجيش الخفي (دا 8: 11). الرب الوحيد المجيد في المسكونة (دا 3: 45)، العظيم والمخوف (دا 9: 4). سُلّطانه إلى جيل فجيل (دا 4: 33).
الله يُعلن لأتقيائه عن حكمته الخفية وقدرته. هو معلن الأسرار (دا 2: 47)، وواهب الحكمة والمعرفة (دا 2: 12).
المخلص (دا 3: 29)، يُقيم مملكته الأبدية في قلوب البشر (دا 7: 27)، حافظ العهد (دا 9: 4). ملكوته يتحدى الزمن (دا 7: 14)، هو إله آبائنا (دا 11: 37).
مقابل هذا يعلن السفر ضعف الآلهة الوثنية وفشلها:
  • عجزت عن كشف الحلم للمجوس والسحرة (ص 2).
  • عجزت عن حرق الثلاثة فتية في أتون النار (ص 3).
  • عجزت عن إنقاذ نبوخذنصر من طرده ليعيش كحيوان البرية يأكل الحشائش (ص 4).
  • عجزت عن إثارة الأسود الجائعة لالتهام دانيال النبي (ص 6).
2. يُقدم لنا السيد المسيح بكونه الحجر المقطوع بغير يدٍ (دا 2: 35)، يصير جبلًا يملأ كل الأرض (دا 2: 35).
وهو ابن الله (دا 3: 25)؛ قديم الأيام (دا 7: 9)؛ ابن البشر (دا 7: 3)؛ رب مملكته (دا 7: 14)؛ رئيس الرؤساء (دا 8: 25)؛ الكلي القداسة (دا 9: 24)، المسيا (دا 9: 25). ملكوته جامعي وأبدي (دا 7: 14؛ لو 32:33؛ في 2: 9-11).
ما دام هذا السفر هو سفر عمل الله المستمر في العالم كله وسط التيارات الصعبة، لهذا يظهر السيد المسيح في هذا السفر تحت أشكال كثيرة حسب احتياجاتنا، لمساندتنا وبنياننا.
يقول القديس إيرينيؤس: [لا يظهر لمن يروه بشكلٍ واحدٍ ولا بسمةٍ واحدةٍ، إنما حسب أسباب ظهوره والآثار المرجوة من ذلك حسب تدبيره، كما كُتب في دانيال. فقد رآه من هم حول حنانيا وعزريا وميشائيل حاضرًا معهم (مع الفتية الثلاثة) في أتون النار، في الاحتراق، وكما قيل: "منظر الرابع شبيه بابن الله" (دا 3: 25). مرة أخرى ظهر كحجرٍ مقطوع من جبل لا بيدين (دا 2: 45)، يضرب كل الممالك المؤقتة ويزيلها بعيدًا، ويملأ كل الأرض. رآه نفس الشخص ابن الإنسان قادمًا على سحاب السماء، مقتربًا من القديم الأيام، يستلم منه كل سلطان ومجد وملكوت، وقد قيل إن "سُلّطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 13-14) ].
يظهر الكلمة قبل التجسد في الأصحاح السابع، ويتشبه بالإنسان ليعلن تكريمه للإنسان وبهذا يهيئ للتجسد الإلهي.
تحدث هذا السفر عن مجيء السيد المسيح، محددًا موعدًا لميلاده وأيضًا لصلبه كما تحدث عن مجيئه الثاني وما يسبقه من ضيقة عظيمة يثيرها ضد المسيح؛ وأيضًا عن خدمته على الأرض (دا 9: 20-26)؛ وعن مملكته الروحية (دا 2: 44-45؛ يو 18: 36).
يقول القديس جيروم في مقدمة كتابه "تعليقات على دانيال": [أود أن أؤكد في مقدمتي هذه الحقيقة، وهي أنه ليس من الأنبياء من تحدث بخصوص المسيح بوضوح كما فعل دانيال].
3. إذ أشار هذا السفر عن دور السيد المسيح وحدد زمن مجيئه، لهذا استخدم الكلمة العبرية "الوهيهم Elohim" عن الله. ولما كانت "im" تُشير إلى الجمع، فمع تأكيد وحدانية الله، بلاهوت واحد وطبيعة واحدة لكنه ثالوث، لأن المسيا هو الأقنوم الثاني المخلص للبشرية.
كان لقب "ابن الإنسان" الذي ورد في رؤيا دانيال الأولى (دا 7: 13-14) هو اللقب المحبوب لدى السيد المسيح (مت 24: 30؛ 26: 24؛ مر 13: 26؛ مر 14: 62؛ لو 21: 27؛ 22: 96).
4. عالج هذا السفر موضوع "إدانة بر الله لشر الوثنية"، ويُطابق ذلك معنى اسم "دانيال" وهو: "الله ديان".
لقد دان هذا السفر:

* العادات الوثنية (ص 1).
* الفلسفة والحكمة الوثنية (ص 2).
* الكبرياء الوثني (ص 3).
* العبادة الوثنية (ص 4).
* الرجاسات الوثنية (ص 5).
* الاضطهاد الوثني (ص 6).
* الصراعات الوثنية بين الممالك (ص 7-8).
لم يدن دانيال بالهجوم على العالم الوثني، لكن حياته التقوية غلبت الشر وأدانته. كذلك بتفسيره الرؤى والأحلام أعلن أن الله يُدين الممالك الوثنية بظهور المسيَّا ليملك روحيًا على القلوب.
5. أوضح هذا السفر أن رجال الله المطيعين لوصيته يتمتعون بالآتي:
أ. النجاح في العالم (دا 1: 9، 20؛ 2: 48-49).
ب. معرفة الأسرار الإلهية (دا 2: 19، 22، 47).
ج. التعزية بحضرة الله وسط الضيق (دا 3: 25).
د. الشهادة ضد الشر (دا 4: 30-37).
إنهم يحتملون الآلام بصبر وفي ولاء لله، وذلك خلال قداسة حياتهم ونقاوة قلوبهم.
غايته أن يُعلن لنا عن السيد المسيح أنه ذاك الذي على صورته نتشكل، والذي في ملكوته نضيء كضياء الجلد .
6. كثيرًا ما يُهاجم العالم العدالة الإلهية، لكن التاريخ يكشف على المدى البعيد عدله وحكمته الفائقة. الله هو سيد التاريخ، يستخدم حتى المقاومين له لتحقيق أغراضه الإلهية المقدسة.
7. من جهة الكنيسة: بينما كان دانيال في السبي إذا بالله يعلن له عن اهتمامه الخاص بالكنيسة ورعايته لها:
أ. إن كان قد سمح لشعبه بالسبي لمدة 70 عامًا، فإنه يجب أن ينتظر سبعة في سبعين من السنوات ليرى عودته من سبي الخطية بمجيء المسيا. لم يكن هذا السبي الزمني إلاَّ لاكتشاف سبي أخطر يمس أبدية الإنسان، فيشتهي عودة أعظم بخلاص الله الأكيد.
ب. إذ كان البعض يسخرون بالمؤمنين الذين صدقوا العودة بعد 70 عامًا من السبي، جاءت الرؤى تؤكد أن أحزانًا كثيرة تنتظر الكنيسة قبل مجيء المسيَّا وبعده عبر الأجيال، حتى يتهيأ كل مؤمن لملكوت المسيح السماوي.
لقد أوضح السفر بقوة أن الله ضابط التاريخ، حتى في لحظات تأديب المؤمنين، إذ يسمح بهذا بهدف أبدي. ليس شيء يحدث مصادفة، لكن الله يرعى كنيسته ليدخل بها إلى الأمجاد السماوية.
ج. يصف السفر مجيء المسيا وما يتبع هذا من إبطال حرف الناموس وظلاله، إذ يحل ويتمتع المؤمنون بالروح.
د. من جهة العالم، قد يظن بعض الجبابرة أنهم بقوتهم وجبروتهم يُسيطرون على التاريخ، فيقاومون الله ويضطهدون شعبه، لكن الله يقيل ملوكًا من عروشهم في الوقت المناسب. لقد تنبأ عن كنيسة العهد الجديد كمملكة روحية أبدية، تسحق ممالك العالم بمسيحها، الحجر المقطوع بغير يدين، الذي يملأ الأرض كلها. هكذا رفع الله فكر دانيال ليدرك أن الكنيسة لا ترتبط بشعبٍ معينٍ، بل تحتضن كل الشعوب، بل تحتضن العالم كله، لتقدمه لمسيحها في مجيئه الثاني كواكب مجيدة.
تكشف النظرة السريعة للأحداث عن سلطان الشر في العالم، لكن إذ تنفتح البصيرة ندرك أن قوى الشر تزول حتمًا لتُعلن مملكة الله الأبدية.
8. الملائكة: تعامل دانيال مع كثيرين من الملائكة، خاصة رئيس الملائكة جبرائيل والذي ذكر اسمه لأول مرة في الكتاب المقدس. يظهر في هذا السفر أن ألوف ألوف الملائكة تخدم الله، وتقف بين يديه ربوات ربوات (دا 7: 10). الملائكة أرواح خادمة للعتيدين أن يرثوا الخلاص. فنرى ابن الإنسان يطلب من رئيس الملائكة جبرائيل أن يشرح الرؤى للنبي.
الكشف عن العالم السمائي فيما وراء الطبيعة المادية، جعل بعض النقاد المتحررين الذين لا يؤمنون بالأرواح يزعمون أن ما وصفه دانيال في سفره ما هو إلاَّ انعكاس للأفكار اليهودية التي كثرت في فترة ما بعد السبي بكثرة. وقد زعموا أن هذه الأفكار لم تكن بهذا الوضوح في بقية أسفار العهد القديم الأخرى والأقدام!
يُرد على ذلك أن لكل سفر طبيعته الخاصة من حيث مضمونه وظروف وزمن كتابته. كُتب سفر دانيال في الأيام الأخيرة للعهد القديم وكان من الطبيعي أن يتكلم عن الأخرويات والعالم السماوي، مثله في ذلك سفر الرؤيا الذي هو آخر أسفار العهد الجديد والذي ركز على عمل المسيح في السماء والعالم الملائكي والأخرويات. كما أن سفر دانيال كتب في ظل السبي البابلي وفي ظروف عانى فيها الشعب من الشتات والغربة والعيش في ظل عبودية لا يُماثلها في تاريخهم القديم سوى العبودية في مصر، ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف يكشف الله عن العالم الملائكي الأفضل وقدرته غير العادية وعمله لصالح شعبه واقتراب موعد المسيا الفادي، ابن داود الذي سيجلس على كرسيه إلى الأبد، ليعلن عن سموه الفائق وأنه هو رب السموات والأرض وخالق الكون، وأنه لم يُهزم كما تصور الوثنيون كما أنه لن يتركهم إلى الأبد.
الملائكة أو الكائنات السمائية مذكورون في كل أسفار الكتاب المقدس بعهديه، لكن الحديث عنهم بصورة رؤيوية أخروية في سفر دانيال في العهد القديم وسفر الرؤيا في العهد الجديد، جاء بسبب طبيعة السفرين ونوع الوحي فيهما؛ إذ يتحدثان عن الأيام الأخيرة بصفة أساسية.
9. القيامة: تظهر فكرة قيامة الأجساد بوضوح (دا 12: 2) والدينونة العامة للأبرار والأشرار.
بخصوص عقيدة القيامة من الأموات يعترض بعض النقاد الماديين ويقولون إن هذه العقيدة لم تكن معروفة في القرن السادس ق.م. ويعتبرون ذلك دليلًا على كتابة السفر متأخرًا في عصر المكابيين، وقد فات هؤلاء النقاد أن العهد القديم يتكلم من قبل دانيال النبي بعدة قرون عن إمكانية قيامة الموتى من خلال بعض الأشخاص الذين أقامهم الله بواسطة الأنبياء مثل إقامة إيليا النبي لابن أرملة صرفة صيدا (1 مل 17: 20-21)، والذي صلى أن يرجع نفس الولد إليه، ويقول الكاتب: "فرجعت نفس الولد إلى جوفه فعاش"، وكذلك إقامة اليشع النبي لابن المرأة الشونمية (2 مل 4: 32-39). وفوق الكل قول الله لموسى إنه "إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب" مما يدل على أن هؤلاء البطاركة، كما قال السيد المسيح، أحياء عند الله بأرواحهم.
يؤكد الكاتب المقدس حقيقة وجود الروح بعد موت الجسد وفنائه إذ يقول أيوب "وبد أن يفنى جلدي وبدون جسدي أرى الله" (أي 19: 26)، أما عن القيامة من الموت يقول إشعياء النبي "تحيا أمواتك تقوم الجثث، استيقظوا ترنموا يا سكن التراب" (إش 26: 9)، ويقول هوشع النبي "من الهاوية أفديهم من الموت أخلصهم. أين آباؤك يا موت أين شوكتك يا هاوية" (هو 13: 14)، وفي رؤيا حزقيال النبي يُقدم الصورة التالية للقيامة من الأموات: "وكانت عليّ يد الرب فأخرجني... وأنزلني في البقعة وهي ملآنة عظامًا... فقال ليّ تنبأ على هذه العظام... فتنبأت كما أُمرت... وإذا رعش فتقاربت العظام... وإذا بالعصب واللحم كساها وبسط الجلد عليه... فدخل فيها الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدًا جدًا" (حز 37: 1-10) .
10. المعرفة الإلهية: يُعرف هذا السفر بسفر المعرفة الإلهية. فقد تحدى دانيال بهذه المعرفة كل حكمة الكلدانيين والسحرة والمجوس هذه التي تدربوا عليها خلال الدراسة وحدها. أما معرفة دانيال فهي هبة إلهية تُعطي للنفوس النقية المجاهدة، التي تلتحق بالإيمان العلمي الحيّ في مدرسة الألم... حتى في يوم الرب العظيم يمجد الله أصحاب المعرفة: "الفاهمون يضيئون كضياء الجلد" (دا 12: 3). يعدنا الله بالمعرفة المتزايدة، "والمعرفة تزداد" (دا 12: 4).
شخصية دانيال:

في افتتاحية هذه المقدمة تحدثنا عن دانيال بكونه النبي المنشغل بالإدارة دون مزجٍ بينها وبين العمل الروحي، والرائي المحبوب الذي يكشف له الله عن أسراره، وأب التاريخ الأممي، ونبي الأحلام والرؤى، والآن أود أن أُقد خطوط عريضة لهذه الشخصية التقية التي نكتشفها بأكثر وضوح خلال دراستنا للسفر:
1. يتحدى دانيال المذلة والصعوبات، ولا ينحني للترف والتدليل. لقد عاش في وسط القصر كرجل آلام من أجل أمانته لله ولخلاص أخوته، لهذا لم تكن السماء ببعيدة عنه. إذ هي قريبة من الذين يتأملون فيها ويتألمون لأجلها.
2. آمن أن كل سلطة هي ن يد الله، وأن الله يُحرك التاريخ كله، وهو يهب النصرات ويسمح بالهزائم.
3. دانيال رجل الدولة القائم بمهام رئيس الوزراء هو نفسه القائم بأعمال الله في آن واحد. لم يتغير وهو في الجب بين الأسود عنه وهو في القصر يخضع له كل رجال الدولة.
يُمثل دانيال النبي صورة حيَّة للمؤمن الحقيقي، الذي يعمل في سن الشيخوخة بذات الروح التي كان يعمل بها وهو شاب. يعمل وهو رئيس عام لإدارة أعظم مملكة في ذلك الحين بذات الروح التي كان يعمل بها وهو خادم في القصر كمبتدئ.
لم يعتز دانيال باللقب البابلي الذي أعطاه إياه الملك والذي كان له كرامته في كل الدولة إنما استخدم اسمه العبراني في كل السفر علامة اعتزازه بعلاقته بشعبه المسبي.
اتسم بالذكاء المُفرط منذ صباه وقدراته الموهوبة، وقد أعطاه الله نعمة ليحتل مركزًا مرموقًا في القصر أثناء فترة السبي ليكون شاهدًا أمينًا لله في معقل الوثنية في ذلك الحين. لقد تشبه بيوسف الذي أقامه الله في بدء تاريخ الشعب كرجل ثانٍ في قصر فرعون ليشهد بأمانته لإلهه، بينما أُقيم دانيال في القصر البابلي في أواخر عهد هذا الشعب ليقوم بذات الدور.
4. كان دانيال أمينًا في حياته الخاصة وفي عبادته كما في عمله ليومي.
فمن جهة حياته الخاصة كان حازمًا مع نفسه في تحقيق هدفه: "فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطياب الملك ولا بخمر مشربه" (دا 1: 8). كان أمينًا كقديس (ص 1)، وشجاعًا بلا خوف كحكيم (دا 2: 4-5). كان وديعًا متضعًا للغاية يعترف دومًا بخطاياه أمام الله وأمام نفسه، جريئًا وشجاعًا لا يهاب أباطرة أو وُلاة. بوداعة غلب الأسود، وبحكمته كسب الكثيرين.
ومن جهة عبادته فكان حارًا بالروح في صلواته وتضرعاته التي قدمها بالصوم والمسح والروماد (دا 9: 3).
يقدمه القديس باسيليوس الكبيركمثالٍ عملي للمثابرة في حياة الصلا، إذ يقول: [كيف استحق أن أكون في صحبة دانيال إن لم اطلب الله بمثابر دائمة وبابتهال مملوء غيرة؟].
ومن جهة عمله اليومي، كرجل دولة لم يكن متآمرًا ولا وصوليًا بل رجل الله الحكيم. بلا شك كانت له ضعفاته لكنه يُحسب بلا لوم، لم يستطيع ألدّ أعدائه أن ينطقوا بكلمة ضده، ولم يذكر الكتاب المقدس عنه خطأ معينًا. "ثم إن الوزراء والمرازبة كانوا يطلبون علة يجدونها على دانيال من جهة المملكة فلم يقدروا أن يجدوا علة ولا ذنبًا لأنه كان أمينًا، ولم يُجد فيه خطأ ولا ذنب" (دا 6: 4). كما قال للملك: "لأنيّ وُجدت بريئًا قدامه وقدامك أيضًا أيها الملك لم أفعل ذنبًا" (دا 6: 22).
دانيال الذي كرمه أهل الأرض فصار رجل دولة بيده أسرار ممالك تسيطر على العالم، جعله الله سفيره وقدم له أسراره الإلهية وكشف له عن تاريخ دقيق لنهاية العالم.
في تعليق القديس هيبوليتس الروماني على سفر دانيال دعاه الطوباي والقديس والبار والشاهد للمسيح، فمن كلماته عنه:
[إننيّ أُباشر حمل الشهادة لذلك الرجل القديس والبار، النبي والشاهد للمسيح، الذي ليس فقط أعلن عن رؤى نبوخذنصر الملك في تلك الأيام، وإنما أيضًا درب بنفسه الفتية الذين لهم فكر مشابه لفكره، مُقيمًا شهودًا أمناء في العالم].
كان شاهدًا أمينًا لله، ترك أثرًا عميقًا في حياة الملك الوثني الذي انجذب إلى الله وأعلن إيمانه به، قال عنه نبوخذنصر: "إنيّ أعلم أن فيك روح الآلهة القدوسين ولا يعسر عليك سر" (دا 4: 9)، وقال له بيلشاصر آخر ملوك بابل: "قد سمعت عنك أن فيك روح الآلهة وأن فيك نيرة وفطنة وحكمة فاضلة" (دا 5: 14). قيل أيضًا عنه: "فيه روح فاضلة، وكان أمينًا ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب" (دا 6: 3-4). وذكر في سفر حزقيال كأحد الأبرار الثلاثة: "نوح ودانيال وأيوب" (حز 14: 14). وعندما وبخ الله ملك صور قال: "ها أنت أحكم من دانيال، سرّ ما لا يخفي عليك" (حز 28: 3).
5. لم يُعطَ لدانيال أن يفهم كل ما قدمه الله له من رؤى، "لأن الأقوال مخفية ومختومة إلى وقت النهاية" (دا 12: 9)، ويقول الرب: "أما أنت فأذهب إلى النهاية فتستريح وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام" (دا 12: 13). وقدر ما تقترب النهاية يلزمنا أن نتيقظ لندرك بعض أسرار سفر دانيال.
6. إذ نعيش كدانيال ورفقائه نستعد للدخول مع مسيحنا في مجده يوم ظهوره: "وتكونون حيث أكون أنا".
سفر دانيال ورؤيا يوحنا:

  • يُدعى سفر دانيال: "رؤيا العهد القديم، بينما يُدعى رؤيا يوحنا "رؤيا العهد الجديد".
  • كما رافق ملاك -غالبًا رئيس الملائكة جبرائيل- دانيال النبي ليفسر له أكثر الرؤى (دا 7: 16؛ 8: 16؛ 9: 22)، هكذا كثيرًا ما رافق ملاك يوحنا الحبيب ليُمارس نفس العمل.
  • استخدم سفر الرؤيا لقب "ابن الإنسان" عن السيد المسيح (دا 1: 13؛ 14: 14) اللقب الذي ورد في دانيال (دا 7: 13-14).
  • دُعي دانيال بواسطة الملاك "الرجل المحبوب" ثلاث مرات (دا 9: 23؛ 10: 11، 19). ودُعي القديس يوحنا الحبيب "التلميذ الذي كان يسوع يحبه" خمس مرات (يو 11: 23؛ 19: 26؛ 20: 2؛ 21: 7، 20).
  • كتب دانيال السفر وهو أسير في بابل، وكتب القديس يوحنا رؤياه وهو في الأسر في جزيرة بطمس (رؤ 1: 9).
  • سفر دانيال هو السفر الخاص بغلبة مملكة المسيح على الإمبراطوريات الأربع كما هو سفر أخروي، وسفر الرؤيا هو سفر الكنيسة المتألمة في العالم والمنتصرة التي تترقب مجيء مسيحها... وهو أيضًا سفر أخروي.
  • يكشف السفران عن ختوم يفتحها الرب ليعلن أسراره لخائفيه... لكن تبقى بعض الأسرار مختومة (رؤ 5؛ 10: 4؛ 22: 4؛ دا 12: 4).
  • وصف القديس يوحنا في رؤيا شخص السيد المسيح بأن رأسه وشعره أبيضان... (رؤ 1: 14) بنفس الوصف الذي قدمه دانيال النبي (دا 7: 9).
  • تشابه السفران في وصفهما للعرش الإلهي وحوله ربوات ربوات وألوف ألوف من الملائكة (دا 7: 9-10؛ رؤ 4: 2، 9؛ 5: 11).
  • أدان الله في دانيال بيلشاصر (دا 5: 22-23) بنفس السبب الذي به أدان البعض في سفر الرؤيا (رؤ 9: 20).
  • رأى القديس يوحنا رجلًا واقفًا على البحر يرفع يده إلى السماء ويقسم بالحيّ إلى أبد الآبدين (رؤ 10: 5-6)، وهو ذات المنظر الذي رآه دانيال (دا 12: 7).
  • تحدث كل من السفرين عن مدة الزمان والزمانين والنصف زمان (ثلاث سنوات ونصف أو 1260 يومًا). (رؤ 11: 3، 12: 6؛ دا 7: 25؛ 12: 7).
  • تصوير إبليس بتنين ذنبه يجر ثلث نجوم السماء ويطرحها إلى الأرض (رؤ 12: 4) يشبه ما ورد في دانيال (دا 8: 10).
  • حديث السفرين عن ضد المسيح متطابق.
  • وصف السفرين ليوم الدينونة وفتح الأسفار متشابه (رؤ 20: 12؛ دا 7: 10).
دانيال بين الأنبياء الكبار:

1. تهتم أسفار الأنبياء الكبار (إشعياء، حزقيال، إرميا، دانيال) بالكشف عن شخص الملك، بينما أسفار الأنبياء الصغار (الإثنا عشر) فتهتم بالكشف عن الملكوت، وإن كان يصعب فصل المسيَّا الملك عن مملكته أو عن كنيسته التي هي جسده.
2. مارس اثنان من الأنبياء الكبار خدمتهما النبوية في أرض الموعد، هما إشعياء الرجل الأرستقراطي، وإرميا الكاهن الريفي المتوقف عن العمل الكهنوتي. ومارس الاثنان خدمتهما في أرض السبي، أحدهما وسط الشعب على ضفاف نهر خابور (حزقيال) وهو كاهن متوقف عن عمله والآخر في بلاط بابل رجل الدولة. يرى يوسيفوس المؤرخ أن والديه شريفان من أصل ملوكي. هكذا تجري كلمة الله إلى كل إنسانٍ أينما وجد، وفي كل الأوساط.
لقد قدم الأنبياء الكبار صورة حيَّة متكاملة عن شخصية الملك الروحي الذي يُقيم مملكته وسط البشرية.
فإشعياء عاش في أيام ازدهار يهوذا، لذا رفع قلوبنا إلى العرش الإلهي لنرى أن سرّ ازدهارنا الحقيقي هو الشركة في الأمجاد السماوية خلال النعمة الإلهية.
وعاصر إرميا أواخر ملوك يهوذا حيث امتلأ كأس الشر، فجاء يُعلن كراهية الله للخطية، مُؤكدًا تسليم الله شعبه ومدينته وهيله للأعداء من أجل التأديب.
وخدم حزقيال مجموعة من المسبيين في بابل الذين لم يتأدبوا بالرغم من قساوة الغربة وحرمانهم من خدمة الهيكل. وقد حُرم هو نفسه ككاهن من هذا العمل، لذا دخل به الرب إلى الهيكل العهد الجديد ليرى مجد بيت الرب، لا في حرف الناموس الموسوي وإنما في نزول المسيا إلى العالم ليُقيم هيكلًا جديدًا بإمكانيات إلهية فائقة.
أما دانيال فخدم في قصر بابل حيث أعظم دولة في ذلك الحين، وبات الأمر كما بلا رجاء في عودة الشعب إلى وطنه وإلى هيكل الله المقدس والذبيحة، لذا جاءت نبوته تتحدث عن مملكة الله الروحية المستمرة بالرغم من مقاومة الأمم (بابل، مادي وفارس، اليونان، الرومان). هذه المقاومة لن تتوقف حتى يأتي ضد المسيح الذي يظن أنه قادر على نزع مملكة المسيَّا تمامًا، فإذا به ينهار ويملك الرب مع قديسيه في السموات أبديًا.
محتوياته:

جاء السفر يحمل اتجاهًا تاريخيًا نبويًا بخصوص العالم الأممي من عصر نبوخذنصر حتى مجيء ضد المسيح وإلى نهاية العالم.
ينقسم السفر إلى قسم تاريخي لا يخلو من رؤى ونبوات، وقسم نبوي رؤيوي لا يخلو من جوانب تاريخية.
أولًا: القسم التاريخي (ليلة تاريخية) (ص 1-6).

يُمثل هذا القسم ليلة تاريخية مظلمة بالفساد مع العنف، خلالها تقوم إمبراطورية على أنقاض إمبراطورية، والكل يقاوم عمل الله، لكن الله الذي يسمح للشر أن يتسلط إلى حين يُدينه بكل وسيلة من أجل القلة المختارة. وقد جاءت هذه الأصحاحات التاريخية تُدينه.
ثانيًا: القسم النبوي الرؤيوي (نهار نبوي) (ص 7-12).

يحمل هذا القسم رؤى نبوات مشرقة تبعث الرجاء وسط الضيق والألم، حتى يجتاز المؤمنون العالم إلى شركة المجد السماوي.
قدمت نبوات زمنية هامة تحدد ميلاد السيد المسيح، وتاريخ صلبه، وأيضًا أحداث انقضاء الدهر. فكما تحدث عن تأسيس مملكة السيد المسيح أوضح مقاومة عدو الخير لها، خاصة في الأيام الأخيرة بظهور ضد المسيح. كما تنبأ عن مجيء السيد المسيح الثاني ومجد القديسين الأبدي ودينونة الأشرار. ويُضيف إليها البعض خراب الهيكل على يد تيطس الروماني. هذا بجانب النبوات الخاصة بتاريخ اليهود والإمبراطوريات الأربع، أي البابلية والفارسية (مادي وفارس) واليونانية والرومانية في شيء من التفصيل. لقد دُعي "نبي الأزمنة الأخيرة"، الذي وهبه الله أن ينطلق قلبه لا ليرى أحداث العالم المقبلة فحسب بل يعبر إلى ما وراء التاريخ ليتأمل الأبدية. بهذا تحقق القول الإلهي "سّر الله لخائفيه".
7. الوحوش الأربعة والقرن الصغير.
8. الكبش والتيس.
9. سبعون أسبوعًا.
10. رؤية مجد الله.
11. نبوات عن فارس والمملكة اليونانية ونهاية العالم.
12. الضيقة العظيمة والقيامة.
ثالثًا: تتمة دانيال (الفصلان 13، 14 من الأسفار القانونية الثانية).

دانيال وعلم الآثار:

1. يقول روبرت بويد Robert T. Boyd أنه يوجد اكتشاف هام جدًا في بابل خاص بخرائب لكلية ومكتبة وبرنامج دراسي لتدريب رؤساء مواطنين على تفسير الأحلام والرؤى. جاء أحد السجلات:
أ. يُلقى الجاحدون لأحد الآلهة أحياء في أتونٍ ناري.
ب. يُلقى من يُمارس عملًا ضد الملك حيًا في جب أسود.
2. اُكتشفت سجلات جاء فيها أنه من عادة نبوخذنصر ليس فقط في بابل بل وفي أور الكلدانيين أن يأمر بعبادة التماثيل الضخمة.
3. وُجد أيضًا في الحفريات الأتون وقد نُقش عليه: "هنا موضع حرق من يجدفون على آلهة الكلدانيين، يموتون بالنار".
4. جاء في سفر دانيال أن بيلشاصر هو آخر ملوك بابل (ص 5)، بينما وجد لوح من الطين جاء فيه أن نابونيدس Nabonidus كان آخر ملوك بابل وقد سمح له الفارسيون أن يعيش متقاعدًا. وقد ظن النقَّاد أن وجود تعارض بين الكتاب المقدس والتاريخ، لكن بالبحث بين مئات الألواح الطينية عُرف أن نابونيدس له ابن يُدعى بيلشاصر وقد عينه ليملك موضعه في حياته. كانت هذه العادة منتشرة في تلك الأيام. فعند اقتحام فارس بابل كان نابونيدس في أحد قصوره بعيدًا عن بابل بينما سقط بيلشاصر في أيديهم. ومما يؤكد ذلك قول الملك لدانيال: "وتتسلط ثالثًا في المملكة" (دا 5: 16)، أي الرجل الثالث بعد نابونيدس وبيلشاصر. هذا يؤكد دقة ما ورد في سفر دانيال.
5. وُجدت آثار لجب الأسود الذي أُلقي فيه دانيال، وعليه النقش التالي: "الموضع الذي يموت فيه من يُغضب الملك، حيث تمزقه الوحوش المفترسة".
6. أظهرت الحفريات أنه كان لحائط القصر طلية رقيقة من الجص المدهون، وبفضل لون الكلس الأبيض كان أي شيء داكن يتحرك عليه يُشاهد بكل جلاء. هذا يُطابق ما ورد في (دا 5: 5) "ظهرت أصابع يد إنسانٍ وكتبت بازاء النبراس على مكلس حائط قصر الملك".
مناهج التفسير:

توجد مناهج كثيرة لتفسير نبوات دانيال والرؤى الواردة فيه، منها:
1. التفسير الآبائي، الذي ساد آباء الكنيسة الأولى. يرى أن تمثال الذهب (ص 2) يُشير إلى الأربع ممالك "بابل؛ مادي وفارس؛ اليونان؛ الرومان". في المملكة الأخيرة يختلط الحديد بالخزف إشارة إلى اختلاط أممٍ غالبة مع قوة روما الوثنية. وجاءت رؤيا الوحوش الأربعة (ص 7) مطابقة لذلك. وإن العشرة قرون الواردة في هذه الرؤيا إما عشرة ملوك أفراد، أو عشر أقسام للملكة الرومانية.
2. التفسير "ضد البابوية"، وكما يدعوه البعض "النظام البروتستانتي Protestant System ، وهو يفترض أن دانيال النبي والقديس يوحنا سبق فتنبأ عن السلطان البابوي. أتباع ضد البابوية الحديثون يُعالجون موضوع "القرن الصغير" بكونه البابا الروماني . يرى الأستاذ Bush في عمله "Hierophant" أن "القرن الصغير" هو دون شك السلطة الكنيسة البابوية وأن الغوصيين وشرلمان قد قاموا بتحقيق دورهم في هذه الرؤيا الهامة. وقد رفض كثير من اخوتنا البروتستانت هذا التفسير مثل كلفن Calvin.
3. التفسير المستقبلي: يرون في دانيال نبوات ستحقق في المستقبل.
سفر دانيال والنقاد


سفر دانيال وبورفيري Porphyry (فروفيريوس Porphyrius):

لم يوجد عبر كل القرون صوت واحد حتى القرن السابع عشر ينكر نسبة هذا السفر لدانيال النبي سوى صوت بورفيري Porphyry وهو فيلسوف يوناني أفلاطوني حديث غير مسيحي عاش في القرن الثالث (233-304 م.). وقد ردّ عليه القديس جيروم وميثوديوس وغيرهما.
ولد بورفيرى في صور بسوريا، وتتلمذ على يدي لونجينوس Longinus في أثينا، ثم ذهب إلى روما وهناك تتلمذ على أفلوطين فليسوف الأفلاطونية الجديدة الشهير وتعلم أفكاره، واهتم بالبحث التاريخي والفلسفي. وفي دفاعه عن تعدد الآلهة polytheism والأديان المحلية وعبادة الآلهة الشهيرة وجد هو وأتباعه من الأفلاطونيين الجدد أن عدوهم الأعظم هو المسيحية والمسيحيين. ذهب إلى سيسليا Sicily وأقام هناك إلى فترة قصيرة (268-271) لأغراض صحية، ثم عاد إلى روما بعد موت أفلوطين (حوالي 270 م.) وتعهد مدرسته إلى يوم موته. تصور أنه قادر على استئصال المسيحية من جذورها. وفي محاولته هذه كتب 15 مجلدًا بعنوان "ضد المسيحيين Against the Christians"، ركز فيها هجومه على أسفار الكتاب المقدس ككل ومن ضمنها سفر دانيال النبي. وقام يوسابيوس القيصري بتفنيد ما ورد في كتاباته في 25 كتابًا، وللأسف فُقدت هذه الكتب.
أشار إليها القديس جيروم وسقراط ، وفيلوستورجيوس Philostorgius.
هاجم بورفيري هذا السفر بعنفٍ، لأنه لا يؤمن بالوحي الإلهي ولا بالنبوات أو المعجزات. جاء السفر يتنبأ في شيء من التفصيل عن ممالك وملوك حدد بعضهم بالاسم. تنبأ عن الفرس الذين لم يكن أحد في عصره يمكن أن يتخيل نصرتهم على دولة بابل العظيمة، كما تنبأ عن اليونانيين الذين لم يكن لهم وزن سياسي في ذلك الحين، وأيضًا عن شخصية الإسكندر الأكبر قبل مجيئه بحوالي 225 عامًا الذي لما جاء إلى أورشليم ثائرًا على اليهود قدم له رئيس الكهنة نبوات دانيال عن نصراته فذُهل وسجد إلى الأرض أمام الله. ومما أثار الفيلسوف الملحد تحديد دانيال الدقيق لموعد التجسد الإلهي وأيضًا التنبوء عن زمن الخراب والضيقة العظيمة وظهور المسيح وقيامة الأبرار والدينونة.
في القرن السابع عشر تغيرت الفكرة بظهور حركة الربوبية Deism الإنجليزية، التي دعت إلى الإيمان بدينٍ طبيعي مبني على العقل وحده، فقبلت وجود الله لكنها رفضت الإيمان المسيحي كما رفضت الكتاب المقدس كإعلان عن الله. منذ ذلك الحين إلى الوقت الحاضر يرفض بعض الدارسين المتحررين نسبة السفر إلى دانيال النبي في القرن السادس قبل الميلاد، ويحسبونه من وضع القرن الثاني قبل الميلاد في فترة المكابيين (168-164 ق.م.)، غالبًا ما حددوا عصر أنطيخوس الرابع أو "أبيفانوس" Antiochus Epiphanes (175-163 ق.م.).
وكما يقول Glean L. Archer:
[ربما باستثناء إشعياء لا يوجد في العهد القديم من يحمل تحديًا صارخًا للعقلانيين rationalists (الذين يعتمدون على العقل وحده مع رفض فكرة الوحي الإلهي) مثل دانيال. فيحوي سفره ليس فقط نبوات على مدى قريب مثل السبع سنوات لجنون نبوخذنصر (أصحاح 4)، وسقوط بابل السريع أمام المحاربين من فارس ومادي (أصحاح 5)، بل ونبوات بعيدة المدى مثل التنبؤ عن الممالك الأربع المتعاقبة (أصحاح 2)، مع دقة الإتقان في هذا التعاقب، وتأكيد الأزمنة الأخيرة (الأصحاحان 7-8، والاهتمام بوجه الخصوص على المملكة الثالثة)، والتنبؤ عن مجيء المسيح الأول، وبنية السبعين أسبوعًا (أصحاح 9)، ثم تقديم عرضٍ مفصلٍ عن الصراع بين إمبراطوريتي السلوقيين والبطالسة وسيرة القرنين الصغيرين (أصحاح 11)].
اعتمد النقاد المتحررون على الأسانيد التالية:
أولًا: أهم أسباب شكهم النبوات الواردة في السفر بخصوص قيام إمبراطوريات متتالية دقيقة وعجيبة. فما أعلنه دانيال عن المستقبل كان يُسجله كمن يعيش فيه ويُسجل تاريخًا كأنه حدث فعلًا. فقد تنبأ في شيء من التفصيل عن الأحداث خلال الثلاثة قرون السابقة لميلاد السيد المسيح التي نتحدث عنها في صُلب التفسير. ولما جاءت هذه النبوات بدقة، تطابق ما كتبه المؤرخون المعاصرون للأحداث ومن بعدهم مثل هيرودت Herodotus، الأمر الذي دفع هؤلاء النقاد المتحررون أن يدَّعوا بأن السفر قد سُجل بعد قيام هذه الإمبراطوريات على أنها نبوات سابقة منسوبة لدانيال. كما هاجموا السفر بكل عنفٍ. في الواقع يرفض هؤلاء الذين يدعون "متحررين" الكتاب المقدس، بل والله ككائن ضابط للكل، في قبضته أحداث التاريخ. بهذا الفكر حاول النقاد المتحررون أن ينتزعوا عن كلمة الله قدسيتها وإمكانياتها بكونها كلمة إلهية كاشفة للمستقبل.
هذا السبب استخدمه بورفيري Porphyry الذي هاجم المسيحية كما هاجم اليهودية والكتاب المقدس بعهديه.
وكما يقول القديس جيروم: [إنه إذ رأى دقة ما كتبه دانيال النبي وقد تحقق عبر التاريخ، الأمر الذي لا يستطيع أن ينكره، لجأ إلى الادعاء بأن السفر كُتب كسجلٍ تاريخي بعد أن تمت الأحداث؛ فجاء هجوم بورفيري يؤكد دقة دانيال].
أما عن تقديم نبوات تاريخية مفصلة، فهذا ليس بغريبٍ عن الكتاب المقدس، فقد تنبأ إبراهيم عن أمورٍ تمت أحداثها خلال خمسة قرون، إذ يقول له الله: "اعلم يقينًا أن نسلك سيكون غريبًا في أرض ليست لهم ويُستعبدون لهم؛ فيذلونهم أربعمائة سنة. ثم الأمة التي يُستعبدون لها أنا أُدينها؛ وبعد ذلك يخرجون بأملاكٍ جزيلةٍ... وفي الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا، لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملًا" (تك 15: 13-16). لقد حمل هذا النص نبوات دقيقة:
· ولادة إسحق ابن الموعد، إذ يكون لإبراهيم نسل يُستعبد في مصر لمدة حوالي 400 عامًا.
· في خروجهم يحملون معهم الكثير.
· يُدين الله الأمة التي استعبدتهم، حيث غرق فرعون وجنوده في بحر سوف.
· عودتهم إلى كنعان تحت قيادة موسى ويشوع من بعده.
· هزيمة الأموريين أمامهم.
تحققت هذه الأحداث بكاملها خلال خمسة قرون بعد النبوة.
أما عن سبب تقديم دانيال تفاصيل أكثر من غيره من الأنبياء فهذا أمر طبيعي إذ اقترب عصر السيد المسيح. فالوعد الذي أخذه أبونا آدم وحواء كان يبدو غامضًا (تك 5:3)، وجاء بأكثر تفصيل في عصر الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب حيث وُعد إبراهيم: "بنسلك تتبارك جميع أمم الأرض" (تك 12: 3؛ 18: 18؛ 22: 18؛ 26: 4). ازداد الوضوح في عهد داود النبي (حوالي 1000 ق.م) حيث نسمع عن المسيا القادم كملك يقاومه الرؤساء، كما يكشف المرتل عن بعض أحداث الصلب (مز 22)، وبعد حوالي ثلاثة قرون يُحدثنا إشعياء النبي عن ميلاد السيد المسيح من عذراء (إش 9: 6-7) ويتحدث عن الصلب كمن يُعاصره (إش 53)، جاء دانيال ليحدد لنا موعد مجيئه وما يسبقه من صراعات بين الممالك العظيمة إلخ. إذن ما جاء في دانيال ينسجم تمامًا مع روح الكتاب المقدس ووحدته.
ثانيًا: المعجزات الواردة في السفر مثل خلاص الثلاثة فتية في أتون النار ودانيال في جب الأسود إلخ. وليست إذ يرفض هؤلاء النقاد المعجزة وكل ما هو فائق للطبيعة، سواء في سفر دانيال أو غيره من الأسفار. إن كان سفر دانيال يُقدم الكثير من المعجزات، لكنها معجزات هادفة وبناءَّه، وليسَ استعراضًا لقوة الله وسلطانه، إنما لتحقيق هدف تأديب الله لشعبه بالسبي وهو تحريرهم من العبادة الوثنية ورجاستها، حتى يلتصقوا به ويتكئوا على صدره ويثقوا في عنايته بهم وقدرته وحكمته. كما كتب لنفع البابليين الذين كان دانيال يعيش في وسطهم.
فمن بين هذه المعجزات:
* كشف حلم نبوخذنصر وتفسيره لدانيال (دا 2) ليعلن الله للملك المعتز بذاته أنه يضعف أمام حلم بسيط، وأنه الله العالم بكل شيء حتى أفكار الإنسان وأحلامه هو ضابط الكل.
* وفي إنقاذ الثلاثة فتية في أتون النار (دا 3) يعلن عن حب الله الفائق لمؤمنيه، فيُحرك الطبيعة لحسابهم حتى ولو بخلاف قوانينها الطبيعية، فيحول أتون النار إلى ندى وموضع راحة.
* طرد نبوخذنصر إلى البرية ليعيش مع الحيوانات (دا 4) غايته تأكيد عمل الله الذي يُحطم الكبرياء ليقيم منا نفوسًا مقدسة له لعلها تقترب إليه وتُشاركه مجده إن أرادت.
* الكتابة على الحائط أثناء الاحتفال بوليمة سمتها الرجاسة (دا 5)، غايتها تأكيد إدانة الخطية، فإنه ليس أحد فوق قانون العدالة الإلهية.
* إنقاذ دانيال في جب الأسود (دا 6) يعلن عن رعاية الله للمؤمن الأمين؛ فيُحول جب الأسود الجائعة إلى سماء مفرحة... ويلتقي مع الملائكة ويتلمس خدمة سمائية فائقة.
ثالثًا: يهاجم المتحررون السفر بسبب الرؤى، معتمدين في ذلك على وجود أسفار رؤيوية زائفة، لكن غير منطقي. لأن وجود عملة زائفة في كل العصور لا يعني إنكار وجود عملة حقيقية، هكذا وجود رؤى زائفة لا يُحتم أن كل الرؤى زائفة. فإبراهيم أب الآباء تمتع برؤى سُجلت في الكتاب المقدس، ويعقوب أيضًا رأى سلمًا نازلًا من السماء وسفر زكريا يُقدم لنا مجموعة من الرؤى، وفي العهد الجديد يوجد سفر باسم "رؤيا يوحنا"، جاء منسجمًا مع سفر دانيال كما رأينا، حيث يحسبه الكثيرون تأكيدًا وامتدادًا لسفر دانيال.
رابعًا: أشار سفر حكمة ابن سيراخ (حوالي 170 ق.م.) إلى إشعياء، إرميا، حزقيال والاثني عشر نبيًا الصغار ولم يذكر دانيال، مما يوحي بعدم وجود هذا السفر في أيامه. هذا وقد جاء في نفس السفر "ولم يُولد رجل مثل يوسف" (ابن سيراخ 49: 15)، فيظنون أنه لا يمكن لشخص يعرف دانيال ينطق بهذا لأنه "مثل يوسف".

يرد على ذلك :

1. الدليل ضعيف للغاية، لأن ذكر الأنبياء الصغار بعد إشعياء وإرميا وحزقيال (ابن سيراخ 49: 8-10) إنما هو وضع طبيعي، حيث كان سفر دانيال في الأصل العبري ضمن مجموعة "كتوبيم" وليس مجموعة "أنبياء". لأن دانيال لم يُقدم نفسه كنبي في مقدمة السفر بل كفتى مسبي نال نعمة أمام رئيس الخصيان في قصر نبوخذنصر، وقد عاش أغلب حياته بعيدًا عن أُمته. وفي بابل لم يُعرف كنبي ولا كمصلح روحي بين اليهود المسبيين.
2. عدم ذكر "دانيال" في ابن سيراخ لا يعني عدم وجوده؛ فإن أحدًا من الدارسين لم يُنكر وجود سفر عزرا بالرغم من عدم ذكر عزرا عندما أشار إلى زربابل ويهوشع رئيس الكهنة ونحميا. هذا ولم يذكر ابن سيراخ أيوب ولا القضاة الاثني عشر مثل جدعون وشمشون ودبورة وغيرهم، ولم يذكر ملوك كثيرين مثل آسا ويهوشفاط... فهل يعني هذا أنها شخصيات وهمية لم تكن موجودة. هذا وقد أوضحت مخطوطات قمران ما لدانيال النبي من شهرة في عصره.
3. العبارة الخاصة بيوسف شرحها سفر ابن سيراخ نفسه، إذ قيل: "ولم يُولد رجل مثل يوسف رئيس إخوته وعمدة الشعب، عظامه اُفتقدت وبعد موته تنبأت". فإن كان دانيال قد شابه يوسف في كونه متغربًا في قصر وثني لكنه لم يكن يشبهه في الأمور الثلاثة المذكورة في ابن سيراخ عن يوسف.
خامسًا: لماذا لم يتأثر الأنبياء المتأخرون مثل حجي وزكريا وملاخي بما ورد في دانيال مادام قد كتب في عصر سابق لهم؟ يرد على ذلك أن هناك اختلاف في الغرض بين ما كتبه دانيال وما كتبه هؤلاء الأنبياء.
سادسًا: عدم ذكر اسم دانيال في السجلات البابلية والفارسية كدليلٍ على عدم وجوده. ويُرد على ذلك بأن كثير من العظماء لم يُذكروا في سجلات التاريخ مثل الوزراء والمشيرين وقادة الجيوش ورجال العمارة مثل الذين بنوا الأهرامات.
سابعًا: ذكر ما جاء في إرميا (إر 25: 11-12؛ 29: 10) يعني أن سفر دانيال كُتب بعد قبول سفر إرميا كسفر قانوني وذلك بعد عصر دانيال. يرد على ذلك بأنه كان يكفي أن يكون لدى دانيال هذا السفر بين يديه أو قد عرف كلمات إرميا عن والديه خاصة وأنهما كانا من الأشراف أو ربما من الأسرة الملكية.
ثامنًا: من جهة اللغة، توجد ثلاث كلمات يونانية لأدوات موسيقية وبعض الكلمات الفارسية، هذا في نظرهم يعني أن السفر قد وًضع بعد قيام الإمبراطوريتين الفارسية واليونانية، حاسبين أن ما سُجل كنبوات إنما هو تاريخ قد تحقق وضعه الكاتب كنبوات مستقبلية. يرد على ذلك بالآتي:
1. إن كان دانيال قد عاش قبل قيام الثقافة اليونانية في أوج عظمتها بزمنٍ طويل، لكن هذه الثقافة بدأت مبكرًا جدًا، وكان لها أثرها في هذه المنطقة بسبب وجود مستعمرات إغريقية في القرن السابع ق.م. وكان في جيوش نبوخذنصر فرق يونانية مرتزقة خدمت معه وأخرى خدمت مع الجيش المصري في معركة كركميش سنة 605 ق.م.
2. وُجد في نينوى بعض الأسرى اليونانيين منذ عام 700 ق.م.، وكان من السهل جدًا على نبوخذنصر أن يستولى على آلات موسيقية يونانية أتى بها إلى قصره .
3. يقول هاريسون Harrison إن أسماء هذه الآلات الموسيقية تبدو أنها يونانية في الأصل، لكنها ترجع في أصلها إلى ما بين النهرين.
4. لا يمكن تجاهل دور الآراميين كوسطاء تجاريين بين مصر واليونان، وبين بابل والشرق، بجانب احتكاكهم السياسي بالدول المجاورة... هذا كله جعلهم يستخدمون بعض المصطلحات الأجنبية ضمن مصطلحاتهم اللغوية. يُقدم بعض الدارسين مثل Charles Boutflower في كتابة In and Around Daniel قوائم تاريخية عن تبادل الرجال والجنود والصناع المهرة وغيرهم بين الأمم .
5. لقد ظن النقاد أن النصوص الكلدانية في السفر هي آرامية عامية ترجع إلى ما بعد القرن السادس ق.م، لكن جاءت الاكتشافات والدراسات الحديثة ليس بما يشتهيه النقاد ، إذ برهنت أن لغة السفر قديمة ترجع إلى القرن السادس ق.م. يرى Gleanson Archer أن لغة السفر لا تناسب حقبة لاحقة للعصر الفارسي، وذلك من خلال الدراسة المقارنة بين لغة السفر ولغة مخطوطات البحر الميت. فإن لغة السفر ومفرداته توضح أن السفر أقدم من المخطوطات، ترجع إلى القرن السادس أو الخامس ق.م، وأنها كُتبت في القطاع الشرقي للعالم المتحدث بالآرامية مثل بابل وليس في فلسطين.
ومما يسترعي الانتباه أن النصوص الآرامية في السفر تتفق في كل خصائص الهجاء وأصول الكلمات والتراكيب النحوية مع الآرامية في النقوش السامية الشمالية من القرن التاسع والثامن والسابع ق.م، كما تتفق مع آرامية البرديات المصرية التي اكتشفت في جزيرة فيلة عند أسوان والتي ترجع إلى القرن الخامس ق.م. سفر دانيال به مزيج من الكلمات العبرية البابلية والفارسية مثلما هو موجود ببرديات القرن الخامس ق.م، بينما تختلف عن آرامية النبطيين التي تخلو من أي كلمات فارسية أو عبرية أو بابلية، ولكنها تمتلئ بالمصطلحات العبرية، كما أنها تختلف عن آرامية بالميرا (تدمر) التي تمتلئ بكلمات يونانية، في حين أن بها بضع كلمات بالفارسية دون وجود أي كلمات عبرية أو بابلية .
لغة السفر لا تناسب عصر المكابيين حيث لم تكن اللغة العبرية مستخدمة كلغة حية، إذ حل محلها الآرامية العامية. هذا وتشترك بعض المصطلحات مع ما جاء في سفر حزقيال الذي كُتب أثناء السبي في القرن السادس ق.م. كما تختلف آرامية سفر دانيال بصورة واضحة عن اللهجة التي كانت سائدة للترجمة التفسيرية الكلدانية المتأخرة للعهد القديم، وتقترب كثيرًا من لغة سفر عزرا الذي كُتب في زمن قريب جدًا من زمن دانيال النبي.
أكدت الدراسات التي قام بها Rosenthal أن اللغة الآرامية المستخدمة في سفر دانيال هي نفس اللغة التي نمت في بلاط الملوك والسفارات منذ القرن السابع ق.م. وما بعده، وقد انتشرت انتشارًا واسعًا في الشرق الأدنى.
6. الاعتراض بأن لغته العبرية ضعيفة تُناسب وقت متأخر عن عصر دانيال. فيُرد على ذلك بأننا لا نتوقع من إنسان سُبي وهو فتى صغير وعاش في القصر البابلي في ثقافة كلدانية أن يُجيد العبرية كما ينبغي.
7. بخصوص الكلمات الفارسية فقد ثبت حديثًا أن كثيرًا من الكلمات التي كان العلماء يحسبونها فارسية أصيلة أنها ذات أصل بابلي قديم. أغلب الكلمات التي أشار إليها هؤلاء النقاد بكونها فارسية هي ألقاب وأسماء ملابس وتعبيرات فنية، يمكن أن تكون قد عبَرت من مادي إلى بابل في أيام دانيال أو قبله.
يقول G.L. Archerإن الـ15 كلمة الفارسية المستعارة والتي تظهر في آرامية سفر دانيال تدل على أن الكاتب كان مرتبطًا بالعصر الفارسي. كما أنه لم يستخدم ألفاظا يونانية باستثناء ثلاث أسماء لأدوات موسيقية يدل على أن الكاتب قبل العصر اليوناني.
تاسعًا: يُدعي البعض وجود أخطاء تاريخية، لقد أوضح الدكتور روبرت ولسن Dr. Robert Dick Wilson أحد كبار الدارسين العبرانيين في العصر بطلان هذه الحجج، ويمكن الرجوع إلى ذلك في: International Standard Bible Encyclopedia.
1. جاء في (دا 1: 1) أن نبوخذنصر قام بحملته ضد أورشليم في السنة الثالثة من ملك يهوياقيم، بينما يذكر إرميا النبي أن هذه الحملة كانت في السنة الرابعة للملك [راجع دا 1: 1].
2. عاش دانيال حتى السنة الأولى لكورش الملك (دا 1: 21) بينما تمتع برؤيا في السنة الثالثة لذات الملك (دا 10: 1) [راجع دا 1: 21].
3. ما جاء في دانيال "في ملك داريوس وفي ملك كورش الفارسي" (دا 6: 8) يتفق مع الحقائق التي كشفت عنها الآثار، ومع نصوص السفر نفسه، بافتراض أن داريوس قد حكم في نفس الوقت مع كورش كنائب ملك عن كورش.
4. رأى دانيال رؤيا في السنة الثالثة لبيلشاصر الملك (دا 8: 1) كآخر ملك بابلي بينما عُرف في التاريخ أن نابونيدس هو آخر ملوك بابل (راجع: دانيال وعلم الآثار).
عاشرًا: اعتراضات جغرافية:

1. قيل أن شوشن خاضعة لبابل، بينما يرى البعض أنها كانت في ذات الوقت تابعة لمادي. يقول ونكلر Winkler أنه عند تقسيم الولايات الآشورية بين الحلفاء الماديين والبابليين، أصبحت عيلام خاضعة لبابل وليس لمادي، علاوة على أنه ينبغي أن نذكر أن دانيال نفسه كان في شوشن في رؤيا.
2. أن نبوخذنصر ما كان ليقوم بحملة ضد أورشليم، تاركًا في مؤخرته حامية مصرية عند كركميش، مُعرضًا بذلك خط اتصالاته للخطر عند احتمال التقهقر إلى بابل. لم يعد لهذا الاعتراض وزن بعد أن تبين أن موقع كركميش ليس عند سيريسيوم كما كان يُظن قبلًا، ولكنه عند جيرابيس Jirabis على بعد 150 ميلًا إلى الفرات الأعلى. وكان بإمكان حامية من كركميش أن تقطع خط التراجع إلى نينوى، ولكنها كانت أبعد من أن تقطع خط الاتصال إلى بابل.
3. القول بأن داريوس وليّ على المملكة مئة وعشرين مرزبانًا (واليًا) على المملكة كلها، ولكن لم يكن هناك ما يمنع نائب ملك مثل داريوس، من أن يكون له العديد من المرازبة (الولاة)، فسرجون ملك أشور يذكر أنه كان يحكم مئة وسبعة عشر شعبًا وبلدًا أقام عليها ولاة من قبله.
براهين على صحة السفر وقانونيته:

1. الدليل الداخلي :

واضح من نص السفر أن الكاتب دانيال النبي في القرن السادس قبل الميلاد الذي عاش في القصر الملكي ببابل عشرات السنوات:
أ. يعرف الكاتب تاريخ المدينة وعادتها وطريقة حياة أهلها معرفة دقيقة.
ب. يعلم الكاتب طبقات علماء بابل، وهم المجوس والسحرة والعرافون والكلدانيون (دا 2: 2).
ج. على دراية كاملة بأسلوب هؤلاء العلماء: تعبير الأحلام وتبيين الألغاز وحل العقد (دا 5: 12)، وأفكارهم الدينية: "الآلهة الذين ليست سكناهم مع البشر" (دا 2: 11).
د. استخدام الكاتب صور الحيوانات المجنحة، خاصة الأسد المجنح (دا 7: 3-4)، الذي يُشير إلى بابل.
ه. ذكر بعض الأمور الدقيقة التي ما كان يمكن كتابتها في عصر لاحق مثل:
  • نشاط نبوخذنصر في أعمال البناء (دا 4: 30).
  • لم يلق داريوس الملك دانيال في النار بل في جب الأسود، لأنه كان عابدًا للإله "النار".
  • لقد قُبلت نبوة حزقيال النبي بصفة عامة على أنها معاصرة له (592-570 ق.م)، وقد أشار حزقيال إلى دانيال (دا 28: 3)، هذا الذي كان معاصرًا له. وهذه شهادة كافية أن سفر دانيال كُتب في أيام دانيال (605-530 ق.م).
2. استحالة أن يكون السفر قد كتب في عصر المكابيين .

أ. أشار سفر المكابيين الأول (كُتب حوالي عام 135 ق.م.) إلى سفر دانيال كسفر قانونيٍ، فلا يمكن أن يكون قد كُتب السفر في عصرهم بل في عصر سابق لهم. نتساءل مع Walvoord ونقول هل كان في إمكان اليهود الذين عاشوا في العصر المكابي أن يقبلوا السفر ككتاب مقدس وينسبونه لدانيال الذي عاش قبل عصرهم بحوالي أربعة قرون، إن لم يكن السفر مكتوبًا فعلًا قبل أيامهم، وعصرهم، بزمن، وكان في عداد الأسفار القانونية الموحي بها.
ب. لم يظهر أي نبي في الفترة ما بين ملاخي النبي في نهاية القرن الخامس ق.م. وبين يوحنا المعمدان في النصف الأول من القرن الأول الميلادي. ويؤكد سفر المكابيين على هذه الحقيقة يقول: "فحل بإسرائيل ويل عظيم لم يعرفوا مثله منذ اليوم الذي لم يظهر فيهم نبي" (1 مك 9: 27)، "ووضعوا الحجارة (حجارة مذبح المحرقات) في موضع لائق إلى أن يظهر نبي بيدي رأيه في شأنها" (1 مك 4: 46). "وان اليهود وكهنتهم سرهم أن يكون سمعان رئيسًا لهم وكاهنًا أعظم مدى الحياة إلى أن يقوم نبي أمين فيهم يقودهم ويهتم بالهيكل" (1 مك 14: 41).
ويقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس"ومن ارتحشتا (464-442 ق.م) إلى زماننا كتب تاريخنا (كل الأشياء سجلت) ولكن لم يقم بنفس السلطان مع أولئك الذين سبقوهم لأنه لم يكن هناك تعاقبًا حقيقيًا للأنبياء منذ ذلك الوقت". إذ عرف المكابيون هذه الحقيقة، وإذ لم يوجد نبي في زمانهم، بل ولم يقم نبي منذ ملاخي، لذلك كان من المستحيل عليهم أن يقبلوا سفرًا كُتب في أيامهم ويضموه إلى الأسفار المُوحى بها، وأن يستشهدوا بكاتبه كأحد أبطال الإيمان العظماء.
ج. شهد سفر المكابيين الأول لدانيال النبي وبره "تذكروا دانيال: براءته أنقذه الله من أفواه الأسود" (1 مك 2: 61). كما اقتبس السفر من دانيال النبي نبوته عن "رجسة الخراب" (1 مك 1: 29). ولا يمكن بل ومن المستحيل أن يذكر سفر المكابيين دانيال النبي مع إبراهيم وداود وغيرهم من عظماء الإيمان، ويقتبس من سفره، لو كان السفر قد كتب في أيامهم.
د. برهنت مخطوطات قمران، وخاصة المخطوطتان المكتوبتان باللغة العبرية في كهف 11Q سنة 1956م على انتشار سفر دانيال وشهرته منذ القديم، كما أكدت المخطوطة Florililegium والتي أشارت إلى سفر دانيال بالقول "دانيال النبي" مثلما قال السيد المسيح في (مت 24: 15) على أن السفر كان يُقرأ ومُعترف به في القرن الثاني كسفر مقدس مكتوب بالروح القدس.
يقول أحد العلماء Raymond K. Harrison أن مخطوطات قمران بما فيها مخطوطات سفر دانيال كلها منسوخة عن مخطوطات أقدم منها على الأقل بنصف قرن، وبما أن جماعة قمران هي مكابية، أي من العصر المكابي، فتكون مخطوطات دانيال الموجودة لديهم منسوخة من نسخة أقدم من العصر المكابي ذاته على الأقل بنصف قرن.
3. لو كان هذا السفر من الأسفار المنحولة أو المزيفة لما نُسب إلى دانيال الذي في ذهن بعض اللاهوتيين المتحررين شخصية وهمية لم يقم بالدور الوارد في السفر، بل نسب كاتبه إلى أحد الشخصيات المشهورة لدى اليهود؛ وأيضًا لما قبله اليهود ضمن أسفار الكتاب المقدس القانونية.
4. حوت الترجمة السبعينية للعهد القديم التي ترجع إلى 280، 180 ق.م.، هذا السفر، كسفرٍ قانوني.
5. نعرف من يوسيفوس أن اليهود في أيام السيد المسيح عرفوا دانيال ككاتب للسفر وأنه سفر قانوني.
يخبرنا يوسيفوس أن الإسكندر الأكبر اتجه نحو أورشليم لمعاقبة اليهود لولائهم لداريوس ملك الفرس. قاد جيشًا عظيمًا جدًا وأراد أن ينتقم من اليهود، لكن رئيس الكهنة الأعظم يوياداع (نح 12: 11، 22) التقى به على رأس موكب من الكهنة واللاويين لاستقباله. أثار المنظر الإسكندر الأكبر إذ رأى نفس المنظر في رؤيا سابقة، فشعر أن الأمر صادر من قبل الله. أظهر رئيس الكهنة للإسكندر نبوة دانيال التي تعلن عن أن ملكًا يونانيًا يطيح بمملكة فارس.هذا حدث في سنة 322 ق.م. وصار الإسكندر صديقًا لليهود يعاملهم بلطف غير عادي بعد ذلك، هذا يكشف أن اليهود عرفوا السفر قبل الإسكندر وفهموا من نبواته قيام المملكة اليونانية بعد مملكة فارس.
هذا والسفر نفسه يُشير إلى أن كاتبه هو دانيال النبي (دا 7: 1؛ 8: 2؛ 9: 2؛ 10: 1-2؛ 12: 4).
أعظم من هذا كله فإن العهد الجديد قد أشار إلى سفر دانيال أكثر من مرة. ففي (مت 24: 15) أشار السيد المسيح إلى رجسة الخراب تحدث عنها دانيال. وتوجد عبارة مشابهة في (مر 13: 14). هكذا ربنا يسوع "الحق" يشهد أن دانيال شخصية تاريخية حقيقية ونبي ونُسب السفر إليه.
يقول G.L. Archerإن الأمر الهام هنا هو أن السيد المسيح لم يشر ببساطة إلى سفرٍ في العهد القديم يُدعى "دانيال"، بل بالأحرى عن شخص دانيال حيث أن استخدامdia يُشيرإلى شخصٍ بشري. وكأن السيد المسيح أكد وجود شخصية دانيال، وأنه واضع السفر، وأن ما تنبأ عنه بخصوص رجسة الخراب لم يتحقق بعد.
من وحي سفر دانيال

أنر عينيّ فأراك يا ضابط الكل!


* في وسط هذا السبي المؤقت،
أنر عينيّ فأراك يا ضابط الكل!
أرى التاريخ كله في قبضة يديك،
فتطمئن نفسي يا سند حياتي!
* لتقم ممالك عظيمة، وليظهر جبابرة،
فأنت وحدك ملك الملوك ورب الأرباب.
ملكوتك أبدي يتحدى كل قوات الظلمة!
ويُحطم ضد المسيح وكل أتباعه،
وتأتي إليّ قادمًا على السحاب،
لتحملني معك يا سرّ مجدي!
* لتسحب أعماقي وسط الأحداث،
فأرى العالم كله في قبضة يديك،
أراك تعد ليّ مكانًا في أحضانك الأبوية.
لترفعني من السبي إلى حرية مجد أولاد الله!
لك الشكر والتسبيح يا مصدر تهليلي!

رد مع اقتباس