ثم توجّه الى أعماق قلبه وناجى وفحص ذاته (٣١) وغربل أفعاله، محاولاً دائماً أن يُثبت أن أعماله كاملة، كلها خير. لكنه رفض ان يفكّر لحظة، ليس بما فعل، بل بما يوجد في قلبه من كبرياء واعتداد بالنفس وشعور انه مثل الله العظيم!. لم يعرف أن الله أعظم ممّا نفكّر به وأقدس مما نستطيع ان نتصوّره...
غضب الرب على اصحاب ايوب لأنهم ضيّقو الفكر وقساة القلب، وبسبب جهلهم، حكموا ظُلماً أن ايوب لا بدّ أنه مخطىء في امر ما، ومذنب في جهة ما ويحاول أن يخفي ذنبه فأدّبه الرب (٤: ٨- ١٥: ٩) ولم يريدوا أن يفكّروا بعُمْق للحظة، ورفضوا ان يصغوا لكي يعرفوا ما يجري او يعترفوا انهم امام حالة لا يعرفون تشخيصها لانهم لم يكونوا صادقين أمام الرب. أما ايوب فمع أنه نطقَ بما لم يفهم وتمادى في حكمه وحكَمَ بما هو اعظم منه، الا أنه كان صادقاً شفافا ينطق بما يرى ويشعر ويعتقد، ورفض التملّق والادّعاء، مما جعل الرب يدعوه "عبدي" ستّ مرّات(١: ٨/ ٢: ٣/٨، ٤٢: ٧).
بعدما فشلَ أصحابه ورفضوا أن يغيّروا رؤيتهم للأمور ويرونها من زاوية أخرى، تدخّل اليهو الشاب وتحدّث في ستّة اصحاحات عن كبرياء مَن يدّعي أنه بري بلا ذنب ولا اثم (٣٣: ٩)، وتكلّم ووضّح بنعمة أن الله يتكلّم مع الانسان، والانسان لا ينتبه ولا يُلاحظ ان الله هو الذي يتكلّم مع الانسان من خلال كلمته ومن خلال الوجع والالم والضيق والوحدة حتى يحوّل الانسان عن عمله ويكتم الكبرياء عنه(ص٣٣) حتى تكره نفسه حياته وتعيا روحه فيه، وعندما تنسحق ذات الانسان، يترأف الرب عليه ويطلقه وينجّيه من العذاب الابدي أوّلاً، ومِن حياة التعب والشقاء والبُعد عن الله.
ثم تحدّث اليهو عن الانسان الذي يشرب الهزء كالماء، وكله ذنوب، وعن الله الذي لا يظلم أحداً ولا يعوّج القضاء أبداً (٣٤: ١٠) وانه عادل؟، فالاشرار لن ينجحوا في الشر حتى ولو نجحوا قليلاً (٣٤: ٢٠)، ثم شرح لايوب مدى موقفه الذي أخطأ الرؤية والتحليل وكأنّ الله ينتفع من أعمال الانسان، وأخيراً كشف أليهو عن تسامي وعظمة الله في الحكم، وعن حكمته التي لا تستقصى ولا يدركها بشَرٌ بل علينا مخافته ورهبته.