دورالموسيقى في حياة داود
نظم داود بالوحي مزامير فائقة القيمة، منها مزامير تأملية وأخرى مستوحاة من حياة الرعيان. وقد تناولت مواضيع مختلفة. ففيها التسابيح والسرد التاريخي، وفيها وصف لأفراح القطاف ولفخامة تدشين بيت الملك، وفيها ايضا الذكريات والامل، فضلا عن الطلبات والتوسلات. (انظر المزامير ٣٢، ٢٣، ١٤٥، ٨، ٣٠، ٣٨، ٧٢، ٥١، ٨٦ وعناوينها.) اما عند ممات شاول وابنه يوناثان، فبكاهما داود بمرثاة بعنوان «القوس» استهلها بالكلمات: «البهاء يا اسرائيل مقتول على مرتفعاتك». فعكست نغماتها الحزينة اساه العميق. لقد برع داود في التعبير عن احاسيسه المختلفة شعرا وعزفا. — ٢ صموئيل ١:١٧-١٩.
كان داود مفعما بالحيوية والنشاط، لذلك استهوته الموسيقى المرحة النابضة بالحياة ذات الايقاع القوي. مثلا، عندما اصعد تابوت العهد الى صهيون، اخذ يطفر ويرقص بكل قوته احتفالا بالمناسبة. وتشير الرواية ان الموسيقى كانت حماسية للغاية حتى ان زوجته ميكال عيّرته، ولكنه لم يبالِ. فقد احب يهوه، فراح يرقص ويطفر امام الهه على انغام هذه الموسيقى التي اهتز لها قلبه. — ٢ صموئيل ٦:١٤، ١٦، ٢١.
فضلا عن هذا كله، امتاز داود بصنع آلات موسيقية جديدة. (٢ اخبار الايام ٧:٦) وهكذا، يمكن القول انه جمع البراعة من اطرافها في الشعر والتلحين والغناء والعزف وصنع الآلات الموسيقية. لكنَّ انجازاته لم تقف عند هذا الحد.
الترنيم والموسيقى في الهيكل
يُعدّ تنظيم الترنيم والموسيقى في بيت يهوه من اهم مآثر داود. فقد اقام آساف وهيمان ويدوثون (الذي يدعى ايضا إيثان كما يظهر) على رأس ٠٠٠,٤ مرنم وموسيقي، بينهم ٢٨٨ خبيرا تولَّوا مهام التدريب والاشراف. وكان هؤلاء المرنمون والموسيقيون يحضرون جميعا الى الهيكل لتسبيح يهوه في الاعياد السنوية الثلاثة. فتخيل عظمة هذه الجوقة المهيبة! — ١ اخبار الايام ٢٣:٥؛ ٢٥:١، ٦، ٧.
اقتصر الترنيم في الهيكل على الذكور. اما العبارة «على لحن الصبايا» في عنوان المزمور ٤٦، فتشير الى اصوات او آلة موسيقية عالية الطبقة. وكان المرنمون يرنمون في اتحاد النغمات، «كواحد» بحسب ٢ اخبار الايام ٥:١٣. وغالبا ما كانت الترانيم تؤدّى بمرافقة موسيقية، مثل العديد من مزامير داود كالمزمور ٣. كما تضمّن البعض منها لازمة مثل اللازمة في المزمور ٤٢:٥، ١١ و ٤٣:٥. وراجت ايضا الترانيم التي تؤدَّى على طريقة التجاوب، حيث تتناوب جوقتان او جوقة ومرنم منفرد ترنيم ابيات القصيدة. وهذا ما نجده في المزمور ٢٤ الذي وضعه داود بمناسبة اصعاد تابوت العهد الى صهيون. — ٢ صموئيل ٦:١١-١٧.
ولكن الترنيم لم يكن حكرا على الذين خدموا في الهيكل. بل كان الشعب ايضا يرنمون خلال صعودهم الى اورشليم للاحتفال بالاعياد السنوية، ولعل هذا هو المقصود بالعنوان: «ترنيمة المصاعد». (مزمور ١٢٠ الى ١٣٤) ففي المزمور ١٣٣ مثلا، تغنّى داود بالاخوَّة التي تمتع بها الاسرائيليون في تلك المناسبات. فقد استهله بالكلمات التالية: «هوذا ما احسن وما احلى ان يسكن الاخوة معا في وحدة!». تخيل صوت الموسيقى التي رافقت هذه الترنيمة.