الكنيسة في إثيوبيا:
دخل النفوذ السامي إلى الحبشة في القرن السابع أو الثامن قبل الميلاد، كما سبق القول. ويدعي ملوك أكسيوم أنهم سلالة منليك بن سليمان. ولكن أول معلومات أكيدة عن مملكة أكسيوم، ترجع إلى منتصف القرن الأول الميلادي، حين كانت أكسيوم عاصمة غنية، واحتفظت بقداستها القديمة حتى إن ملوك الحبشة منذ ذلك الوقت حتى القرن التاسع عشر كانوا يذهبون إليها ليتوجوا فيها. وليس هناك ما يدعو إلى الشك في أن فرومنتيوس (حوالي 330) كان أول من أدخل إليها المسيحية. فحسب الروايات القديمة، حدث عندما كان ميروب الصوري راجعًا من الهند مع ابني أخته، أن وقع في الأسر وقتل، وأخذ الولدان إلى ملك الحبشة، وقد هلك أحدهما، أما فرومنتيوس فقد نجح في هداية الشعب إلى المسيحية، فرسمه القديس أثناسيوس بطريرك الإسكندرية، أول مطران لإثيوبيا باسم "أبي سلامة " "(أي أبو السلام). ومنذ ذلك الوقت حتى منتصف القرن العشرين -بدون انقطاع تقريبًا- ظل "أبونا" يعين بواسطة بطريرك الإسكندرية. ومنذ القرن الثالث عشر كان يلزم أن يكون قبطيًا.
بعد أن دمغ مجمع خلقيدون (سنة 450 م) بالهرطقة كل من لا يؤمن "بالطبيعتين" في المسيح، انفصلت الكنيستان المصرية والإثيوبية عن روما، لتمسكهما بإيمانهما بشدة بلاهوت المسيح مما لا يسمح لهما باعتبار "ناسوته" طبيعة فيه. وفي القرن الخامس دخل عدد كبير من الرهبان إلى الحبشة، ومنذ ذلك الوقت تزايد الميل لحياة الرهبنة.
وحوالي سنة 525 م. هاجم الملك كالب ملك أكسيوم الحميريين عبر البحر الأحمر -إما لاضطهادهم المسيحيين أو لتعرضهم لتجارته الواسعة في ذلك القرن- وظل يحكم جزءًا كبيرًا من شبه الجزيرة العربية لمدة نحو نصف قرن. وكان النفوذ اليوناني ملموسًا، فكانت كاتدرائية أكسيوم قطعة رائعة من الفن المعماري. وكانت تحيط بالكنائس أسوار متينة وأبراج قوية. وعندما غزا العرب أفريقيا ظلت إثيوبيا طيلة 300 عام تدافع عن جريتها وإيمانها المسيحي، وكانت الدولة الوحيدة التي نجحت في ذلك، رغم تعرضها للدمار، وظلت بعيدة عن أعين العالم المسيحي في أوربا طيلة ألف سنة. وقد حاول البرتغاليون في القرن السادس عشر - الذين عاونوا إثيوبيا على الاحتفاظ باستقلالها - أن يحولوها إلى الإيمان الكاثوليكي والتخلي عن عقيدة الطبيعة الواحدة ، ولكنهم لم ينجحوا في ذلك، إلا أنه في القرن السابع عشر استطاع الأب بدروبيزا - بحنكته - أن يكسب الملك نيجوسنيوس إلى عقيدته، فبنى عددًا كبيرًا من الكنائس وتمت اصلاحات كثيرة في الدولة، لكن خليفته منديز لم يكن في مثل براعة بدرو، فاشتدت المعارضة وامتدت إلى كل البلاد حتى اضطر الملك نيجوس إلى التخلي عن العرش لابنه فاسيليداس الذي طرد كل الجيزويت من البلاد في سنة 1633، وأعاد العلاقات مع الكنيسة المصرية، ومنذ ذلك الوقت لم تستطع روما توطيد نفوذها في إثيوبيا رغم المحاولات المتكررة.
ثم اختفت إثيوبيا عن الأنظار مرة أخرى لمدة قرن من الزمان إلى أن زار المستكشف بروس البلاد (1770 - 1772) وكتب عنها تقريرًا أيقظ اهتمام العالم المسيحي بها. وقد ترجم مرشده الحبشي الكتاب المقدس إلى الحبشية ونشرته جمعية التوراة البريطانية والأجنبية. وفي سنة 1829 أرسلت جمعية المرسلين البروتستنتية جوبات وكوجلر إلى الحبشة، وذهب بعدهما عدد من المرسلين الكاثوليك. ونتيجة لمقاومة الكهنة الأحباش، طرد المرسلون البروتستنت في سنة 1838, ثم طرد المرسلون الكاثوليك في سنة 1854. ولكن في سنة 1858 أصبح أحد الأشخاص -الذي تعلم في شبابه في مدرسة بروتستنتية- "أبانا" ، فسمح للإرساليات البروتستنتية بالعودة ولكنها لم تنجح إلا قليلًا في تأسيس عمل دائم بالنسبة للاضطرابات السياسية، بينما كان الملك كيسا (ثيودور) - نابليون أفريقيا - يحاول حشد كل الموارد الوطنية وتأسيس امبراطورية أفريقية. وفي ذلك الوقت بدأ النفوذ البريطاني يتسلل إلى إثيوبيا بعد انتحار ثيودور في سنة (1868)، وبخاصة بعد أن نجح منليك الثاني في تنصيب نفسه إمبراطورًا (1899). وفي القرن العشرين استطاعت الإرساليات العمل دون التعرض للخطر.