مضمون رسالة المسيح
لما اجتمع الباحثون عن الحق مع القس فادي عبد المسيح وزميله ناجي فياض للمرة الثالثة، طلب الشيخ عبد العليم الشرقاوي من الضيفين أن يكون موضوع الحلقة : “رسالة المسيح ومبادئها”.
بدأ القس فادي عبد المسيح البحث بالكلمات التالية:
كتبت تعاليم يسوع على صفحات الأناجيل الأربعة، التي تحتوي على العبادات والمعاملات، بالإضافة إلى الوعود والصلوات والأدعية. نجد أيضاً مجموعة من الأمثال التي ضربها يسوع لقساة القلوب وللراغبين في قبول الحق، كما نجد نبواته عن الأمور المستقبلية مع دلائل عن مجيئه الثاني المجيد، والكلمات الأخيرة التي قالها قبل صلبه... فمن يرغب أن يتعرف على كل هذه الآيات الثمينة، عليه أن يقرأ الأناجيل مصلياً لله كي ينال القوة والحق.
المعاملات
سأل الشيخ محمد الفيلالي:
ما هي شريعة المسيح عيسى؟ لأننا نجد في القرآن “فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ” (آل عمران 3: 50 والزخرف 43: 63) فما هي الوصايا التي يجب أتِّباعها؟؟
أجاب ناجي فياض:
لخص يسوع وصاياه وأوامره في آية واحدة عندما قال:
“وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً”
(يو13: 34).
قال الشيخ أحمد البعمراني:
إنها وصية بالغة الأهمية، إذ كيف تجاسر المسيح وشرَّع تشريعاً جديداً، لم يطلب منهم أن يحبوا بعضهم بعضاً فحسب بل جعل محبته الخاصة مقياساً لشريعته الجديدة، ويمكن القول وبإيجاز ان عيسى هو شريعة العهد الجديد كما أن محمداً من خلال سنّته النبوية أتم شريعة الإسلام.
أضاف التاجر البشير الدمشقي:
هناك فرق كبير بين الشخصيتين، فعيسى أمر بتنفيذ محبته العظيمة كما عاشها وقدمها للجمع، بينما محمد أمر بالجهاد والقتال وسفك الدماء. لم يقصد المسيح إنشاء حكم دنيوي بل سعى إلى إنشاء مملكة روحية، بالمقابل رغب محمد في تنفيذ حكم الله على الأرض بكل ما أوتي من قوة.
سأل الشيخ متولي صابر:
ماهو موقف عيسى من القتال والجهاد ؟؟ لقد قرأت في الإنجيل بأن عيسى دعى أنصاره لتأسيس ملكوت الله على الأرض إلى الأبد.
أجاب القس فادي عبد المسيح:
قال يسوع أثناء محاكمته أمام الوالي الروماني بيلاطس:
“أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي”
(يو 18 :36-37).
قال الشيخ أحمد البعمراني:
رفض عيسى تنفيذ مخطّطه بالوسائل السياسة، لأنه أراد أن يربّي الإنسان على الصدق والحق، ففضّل الجهاد الروحي مستغنيا عن الأسلحة ومستعينا بالحق.
سأل الشيخ عبد الله السفياني:
ما هوالحق؟ في أيامنا نجد طرقاً متعددة وكل واحدة منها تدعي بأنها تمثل الطريق الأفضل.
أجاب ناجي فياض:
تمعن في كلام يسوع، اختبر أقواله فتكتشف بنفسك الطريق الذي سيوصلك إلى السلام العام والشامل.
“سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ”
(متى 5: 43-45).
قام الشيخ عبد السميع الوهراني من مكانه متهجما وقال:
إذا أحببنا أعداءنا وسامحناهم باستمرار لعاملونا بما يحلو لهم، ظانين هذه المحبة خوفاً وضعفاً، فتكون بداية النهاية. لذلك أرى من الواجب علينا أن نكافح ونقاتل من أجل حقوقنا ونقاصص كل ظالم سوّلت له نفسه التعدي علينا.
سأل الشيخ متولي صابر:
كيف يمكنني أن أحب جاري الذي يخطئ بحقي وبحق زوجتي وأولادي باستمرار؟ إذا جازيته بالمثل لرد الصاع صاعين ولبدأت بيننا سلسلة ردود الفعل السيئة.
أجاب القس فادي عبد المسيح:
إن كل من يريد أن يسامح مثلما يسامحنا الله، عليه أن يفتح قلبه للمحبة الإلهية. ألم يرد في القرآن أن اتِّباع الشرع ومسامحة الآخرين هو الطريق الأفضل، فيحق لنا نحن النصارى أن نسامح أعداءنا لأن الله قد غفر لنا جميع خطايانا بواسطة كفارة يسوع المسيح؟ لم يغفر خطايانا فقط بل خطايا كل الناس حتى آثام أعدائنا. فلأجل كفارة يسوع يحق لنا أن نغفر للجميع كل ما يصدر عنهم.
قاطعه الشيخ عبد السميع الوهراني فقال:
كلام رَنَّان لكنه غير واقعي. لماذا نجد في بعض الدول قتالاً وحروباً بين المسيحيين والمسلمين، إذ رفضوا منحهم فرص عمل أو أمكنة للسكن. أنا لا أجد عند أتباع عيسى محبة تجاه خصومهم، وكل ما قلته من قبل هو عبارة عن حبر على ورق ليس إلا.
أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
على رسلك، لقد أرسل نبينا محمد أكثر من 60 صحابياً مضطهدين من قبل قريش إلى ملك الحبشة ليطلبوا الحماية واللُّجوء لدى النصارى، لأنه علم مسبقا أن أتباع عيسى رحماء يحبون أعداءهم ولن يستعبدوهم حيث نقرأ في القرآن:
“...وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ” (المائدة 5: 82).
فلا ينبغي أن نتخذ سوء تصرف بعض المسيحيين كقاعدة عامة أو مقياساً نطبقه على الجميع . كثيرون منهم يتصفون بأمور نفتقدها ونحن في أمَسِّ الحاجة إليها. يقول القرآن:
“ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنجيل وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً” (الحديد 57: 27).
تنهد الشيخ محمد الفيلالي وقال:
كم ستكون حياتنا جميلة لو أحب الناس بعضهم بعضا وسامحوا بعضهم بعضاً حتى يعم السلام كل البلدان والقبائل. إن العالم كله يتوق إلى ذلك الشخص الذي يأتي بقانون الروح، وينشر السلام على الأرض، عوض الحرب والدمار، ويحول البغض والكراهية إلى الحب والمودة.
تدخل رياض العلمي لتوضيح الفكرة:
إن الشريعة، بل كل الشرائع، قاصرة عن تغيير الإنسان، فإما أن تهديه أو تجزيه على عمله. بينما نحتاج إلى شريعة تجدد الذهن والفكر والروح. لقد رأينا أن شريعة المسيح لم تركز على القصاص والعقاب، بقدر ما اهتمت بمعرفة الأفكار والمقاصد والدوافع في دواخل الفرد، حتى تقهر وتحطم النوايا السيّئة وتطرحها جانباً.
قال القس فادي عبد المسيح:
أحسنت القول، لقد أدركت سراً مهماً وعميقاً، فيسوع لم يقصد إصلاح الشر بواسطة قوانين صارمة وزجرية، أو عن طريق الخوف والوعيد والترهيب ، بل ركز على تجديد الأذهان والأفكار، إذ قال:
“قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ” (متى 5: 27، 28).
إن قول يسوع هذا ينفذ إلى صميم القلب كالسّيف الحاد، لقد جعل من الجميع خطاة فلا أحد صالح أو طاهر، وشريعة المسيح تقودنا إلى التوبة والندامة والاستغفار والتضرع إلى الله.
تابع ناجي فياض قوله:
أوضح يسوع أن كل من يقول لأخيه “يا أحمق” أو أي قول غير محترم فقد استوجب نار جهنم، وكل من يحقد على أحد فهو في نظره قد ارتكب ذنباً عظيماً.
“قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ” (متى 5: 21، 22).
قال الشيخ محمد الفيلالي:
إن شريعة المسيح عيسى تنفذ إلى القلوب حتى تنخس أصحابها وتدينهم على أعمالهم غير الصالحة، فلا يبقى أحد باراً بل الجميع أشرار. أمّا سؤالي فهو: ما هو هدف هذه الشريعة؟ وأين تنتهي؟
أجاب القس فادي عبد المسيح:
شريعة يسوع تماثل شريعة الله، فليست سيرته هي المقياس لسلوكنا وحسب، بل الله ذاته هو مقياس شريعتنا تصديقاً لقول ابن مريم:
“فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ” (متى 5: 48).
يسوع يطلب منا أن لا نقيس أنفسنا على بعضنا البعض، بل أن نتخذ من القدير مقياساً لفضائلنا، فمحبته وقداسته هما أساس الحكم في يوم الدينونة.
قال الشيخ عبد السميع الوهراني:
أعوذ بالله من غضب الله، إن الله كبير (الله أكبر) فمن هو هذا الإنسان ؟– أليس بفان ومؤقّت– حتى يقارن نفسه بالله الأزلي الأبدي؟ كما أنه لا يحق للنجس أن يقترب من القدوس الطاهر، ولا الضعيف من القوي الجبار. فلو جاز للمتعالي أن يقيس فكره بأفكارنا لكانت نتائجنا صفراً على صفر.
قال ناجي فياض:
الله يحبنا كثيراً ويريد منا أن نحب كما أحبنا، ونرحم كما هو رحيم. فأبونا السماوي يريد أن يرفعنا إلى مستواه ويجعل من الخطاة أنقياء وأحباء حسب الروح، كي تظهر من خلال سلوكهم ملامح وصفات أبيهم الروحي.
ردّ رياض العلمي:
لواتخذنا من الكامل مقياساً لنا لاكتشفنا أننا دون المستوى المطلوب وفاسدين، عندئذ ستظهر أمامنا خطايانا بشكل جلي وواضح. فما هو الحل يا ترى الذي أوجده عيسى كي ينتشلنا من هذا اليأس المميت؟ أعلم أن المسيح لم يأت ليهلكنا بل لينقذنا وينجينا من الموت.
العبادات
أجاب القس فادي عبد المسيح:
لم يقتصر يسوع على المعاملات والعقوبات فحسب، بل اعتمد أيضاً العبادات التي أولاها أهمية قصوى. لقد علّمنا الصلاة بطريقة جديدة، إذ قال:
“وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ”
(متى6: 5-8).
سأل الشيخ عبد الله السفياني:
ما هي الصلاة المستجابة عند الله؟ وما هي اللغة التي لا يجب علي أن أخاطبه بها؟ وهل بإمكانه أن يميز صوت ستة مليارات شخص أثناء صلواتهم؟؟ كما أسأل ومن خلال قول عيسى: ما هي الكلمات القليلة المستجابة عند الله؟؟
أجاب ناجي فياض:
منح المسيح لأتباعه نموذجاً للصلاة، فلو أردت الفوز ورغبت أن تستجاب صلاتك احفظ هذه الصلاة عن ظهر قلب وتمعن فيها وادع بها ربك وسوف تجد استجابةً من مجيب الدعوات.
سأل الشيخ متولي صابر:
هل بإمكانك أن تخبرنا عن هذه الصلاة التي علّمها عيسى لأتباعه؟؟
أجاب ناجي فياض:
إقرأ في إنجيل يسوع حسب البشير متى في الأصحاح السادس وابتداءً من الآية التاسعة فستجد نموذجاً لهذه الصلاة:
“فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَّتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاَّتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَلاَّتِكُمْ”
(متى6: 9-15).
سأل الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
كيف نستطيع نحن العباد أن نسمي المجيد العظيم:”أبانا” إن الله هو خالقنا ونحن عباده وخاصته، فَمَنْ من المملوكين أو من العبيد يتجرأ على تسمية سيده بـ”الآب”؟ هذا الاسم يثير في نفسي كثيراً من التحفظات وأعتبره خروجاً عن اللياقة والاحترام. ان الله رب وسيد فكيف نصفه بـ”أبانا السماوي”.
أجاب القس فادي عبد المسيح:
الحق معك، ليس هناك إنسان مولود من روح الله إلا يسوع المسيح، وليس هناك من هو قدوس وكامل مثل الله. ولهذا السبب تجد أن يسوع هوالمستحق الوحيد أن يسمي الله “أباه” وبهذا أعلن لنا يسوع اسم الاب، وأشرك هذا الامتياز مع أتباعه الأحباء، وأدخلهم إلى هذا الحق كإخوة مستحقين مثله إلى صلاة خاصة. منذ ذلك الوقت أصبحنا أولاد الله بالتبني، نتمتع بكل الحقوق والواجبات، وكل متجاسر على تسمية الله أباه ينال حبّاً خاصّاً منه ويقبله كابن له.
تمتم الشيخ أحمد البعمراني:
هذه العبارة تفوق إدراكنا. إن كان الله أبانا فسوف يبث فينا صفاته الروحيه وقوته ومحبته حتى نستطيع أن نكون بحق أولاداً له، ونعيش كما يحب منا أن نكون عليه. هذا يعني أن كل خاطئ يتقدس والفاني يصير أبديا والأناني يصبح متواضعا. فلو صحَّ هذا القول تكون بداية عهد جديد لكل الحضارات ويكون تغيير جذري لكل ما هو موجود على الأرض.
أجاب ناجي فياض:
توصلت إلى نتيجة مهمة. فهذه هي الطلبة الأولى التي نتوجه بها إلى أبينا السَّماوي “ليتقدس اسمك”. إن الله قدوس في ذاته ولا يحتاج إلى تقديس منا، بل يريدنا أن نتقدس إلى النهاية، ونذكر اسمه كأولاد سالكين في محبة وطهارة. أرسل لنا روحه القدوس لنولد ولادة ثانية روحية، فالطلبة الأولى هي أن نطلب من أبينا أن يولد له أولاد بالروح وأتباع كثيرين على هذه الأرض، ويسلكوا حسب قداسته كي يمجده الجميع، وذلك حسب قوله:
“فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ”
متى 5: 16).
سأل الشيخ عبد السميع الوهراني:
لماذا يجب على المسيحي أن يطلب مجيء ملكوت الله على الأرض؟ هل كان الخميني على صواب عندما دعا إلى إنشاء حكم الله ومملكته على الأرض؟؟
أجاب القس فادي عبد المسيح:
كلا، إن أبانا السماوي لا يرغب في إنشاء دولة أو مملكة سياسية مبنية على القهر والظلم، بل يريد إنشاء ملكوت ابنه القدوس الذي قُـدِّم كفارة ليقدس به غير المقدسين كي يستحقوا أن يعيشوا في حظيرة أبيهم السماوي. إن هذه الطلبة تدعو إلى إخراج الأرواح النجسة من القلوب الملتوية حتى تنفتح ويحل فيها روح الآب والابن. ان الرب يدعوكم أن تنشروا ملكوته الروحي من خلال إيمانكم وصلواتكم وأقوالكم وأعمالكم.
قال الشيخ عبد الله السفياني:
مكتوب “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” هل هذه الفكرة تشير إلى القضاء والقدر، أي أن كل الأمور لا تتم إلا بحسب رغبة المتعالي وقصده، ولا يكون إلا ما يريد؟؟
أجاب ناجي فياض:
أظن أن عندك أولاداً يرغبون في أن يكون مستقبلهم زاهراً، ويحبون أن يتعلموا في أحسن المدارس التي لم تتح لك الظروف أن تتعلم أنت فيها، وأن يحصلوا على عمل مريح أفضل من عملك الشاق. إذاً أنت تتمنى لهم الخير والأفضل. إذا كان الإنسان هكذا فكيف بالله “الآب السَّماوي” وما يريده لأبنائه أن يكونوا عليه. كتب الرسول بولس خلاصة إرادة الله بكلمات مناسبة، إذ قال:
“لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللّهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ. لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللّهِ وَالنَّاسِ الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ”
(1 تيمو 2: 3-5).
قفز الشيخ عبد السميع الوهراني من مكانه مقاطعا المتكلم:
لقد صدق الكتاب، ألم تسمع بقوله “لا إله إلا الله وبأنّ عيسى رسول الله” اختاره الله حتى يكون وسيطا.
أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
تقريباً أصبت، ان عيسى إنسان وروح في نفس الوقت،وهو وسيطنا عند الله، وهدفه من التجسد والوساطة خلاص ونجاة البشرية لأن الله - كما قرأنا من قبل - يريد الخلاص والهداية للجميع، وهو لا يهدي البعض ويضل البعض الآخر، حاشا، بل يجذب كل قلب لاتِّباع خطوات المسيح عيسى.
قال القس فادي عبد المسيح:
علّمنا يسوع أن نهتم أولاً بالطلبات السماوية الثلاث المختصة بمقاصد أبينا السماوي، وعلَّمنا بعدئذ أن نصلي لأجل احتياجاتنا الخاصة. وأول ما نطلبه منه: “خبزنا اليومي الذي يكفينا”، فالله يمنح القوت والكسوة والأرض والمسكن والعمل والصحة والعائلة والسلام إذا آمنا به وطلبنا منه ذلك بكل يقين وإيمان. هو أبونا الحنون الذي يعطف على أبنائه ويحبهم حباً جماً لأجل وسيطنا يسوع المسيح. كما لا ننسى أن يسوع يشفع في طلباتنا، ولا محالة فهي مستجابة عند الله. ان طلبة الخبز اليومي تأتي في المرتبة الرابعة وليس في المرتبة الأولى، لأننا نطلب أولاً تنفيذ مقاصد أبينا الروحية، وبعد ذلك نسعى إلى أمنياتنا البشرية.
قاطعه الشيخ متولي صابر:
لماذا يجب علينا أن نصلي ونطلب من الله أن يمنحنا خبز يوم واحد فقط. إنه من الأفضل أن نطلب من الله قوت شهر كامل حتى لا نهتم فيما بعد بهذه الأمور التي تقض مضجعنا باستمرار.
ابتسم الشيخ أحمد البعمراني:
هل هذا كل ما تريد أن تكون عليه حياتك؟ هل هذا هو اهتمامك الأول؟ أريد أن أطرح عليك سؤالاً: مثلا، إن أقبل إليك ابنك وقال لك “أبي أعطني خبزاً وجبنة لأسبوع كامل” ماذا سيكون جوابك؟؟ ستقول له بطبيعة الحال “يكفيك خبز اليوم الواحد” لكن إن أجابك: “لا أعرف إن كنت ستعطيني الخبز فيما بعد”؟؟ بماذا ستجيبه؟ ستضمه إلى صدرك وتقول له: “إن أباك موجود لأجلك وهو سيعتني بك”.
قال التاجر البشير الدمشقي:
إن الطلبة الخامسة يحتاجها كل إنسان باستثناء يسوع المسيح، إذ يجب علينا أن نستغفر لربنا كل يوم لأجل خطايانا التي اقترفناها سواء عن قصد أو عن جهل، فالكل خاطئ، وليس هناك من هو أفضل وأحسن من الثاني . حتى محمد طلب من ربه المغفرة تقريباً أربع مرات حسب آيات القران (انظر: غافر40: 55، محمد 47: 19،الفتح 48: 2، النصر 110 :3 )، إذن يحق لنا أن نتواضع ونلتمس الغفران من الله. لكن لماذا يطلب يسوع في هذه الصلاة الغفران من الله مع العلم أنه طاهر ولم يقترف أي ذنب طوال حياته؟
أجاب ناجي فياض:
لقد حمل يسوع المسيح خطايانا وذنوبنا على عاتقه لمحبته الفائقة لنا، كما أنه صلى هذه الصلاة نيابة عنا، ولنا يقين بأن صلاته وصلواتنا تأتي بغفران أكيد. هو مات لأجلنا حتى نعيش في سلام واطمئنان، وكفر عن خطايانا حتى نتبرر ونقف أمام الله “أبينا” أنقياء بفضل نعمته. فبسبب كفارة المسيح غفر لنا أبونا السماوي جميع خطايانا بشكل دائم ونهائي.
أمّا رياض العلمي فقال متسائلا:
ماذا تعني كلمة “كما” الواردة في الطلبة الخامسة؟ فهل معناها: “يا أبانا السماوي اغفر لنا بمقدار المغفرة التي نغفر بها للمذنبين إلينا”؟ وهل تعني أيضاً “يا أبانا لا تغفر لنا إن نحن لم نغفر للمذنبين إلينا”؟ إذا كان هذا صحيحاً فهي صلاة مخيفة لأنها تقسّي قلوب الناس بشكل تلقائي وتساهم في البغض واللعنة لغير الغافرين!!
أجاب القس فادي عبد المسيح:
غفر الله لنا كل خطايانا مجانا بفضل يسوع الفادي، الذي يريد منا أن نقتفي أثره ونغفر للجميع كل آثامهم بشكل شامل ونهائي، مثلما غفر لنا هو من قبل كي نكون بركة للآخرين كما باركنا هو.
قاطع الشيخ عبد السميع الوهراني القس فادي عبد المسيح مانعاً إياه من إتمام كلامه مجيبا:
كلام غير معقول، إنه لظلم كبير إذا سامَحْنَا كل قاتلٍ أو زانٍ أو سارقٍ ارتكب مثل هذه الأعمال الشنيعة، وغضضنا عنه الطرف كأن شيئاً لم يحدث، فنتيجة هذه المسامحة واضحة: ستعمّ الفوضى كل البلاد وهذا أمر غير عادل. إن كل آثم يستوجب العقاب والقصاص التام، ونقرأ في التوراة بأن “بدون سفك دم لا تحصل مغفرة”، فمن يسامح بدون قيد أو شرط يكون مشاركاً في الجرم، وقد قيل “الساكت عن الحق شيطان أخرس”.
أجاب ناجي فياض:
نطقت بالصواب، لكن لا تنس أن يسوع صالح الخليقة مع الله عندما سفك دمه الذي سال على الصليب حسب شريعة الكفارة الوارد ذكرها في التوراة، ومنذ ذلك الوقت عمّ الغفران والنعمة والسلام والمحبة والمسامحة كل الأرض. فلأجل يسوع المسيح المصلوب تستحق أن تسامح كل الناس، كما أنك مدعو ان تكون إبناً لأبيك السماوي الذي ينتظر منك أن تغفر للآخرين كما غفر لك من قبل.
لم يقتنع الشيخ عبد السميع الوهراني بهذا الجواب فتدخل قائلا:
نفهم من هذه الصلاة النموذجية أن الله يقودنا نحو التجارب والامتحانات والصعاب الشاقة، فيصدق عليه بأنه يهدي من يشاء إلى النور ويضل من يشاء عن الهداية.
أجاب القس فادي عبد المسيح:
إنك لمغرور بعض الشيء، فإلهنا ليس إله طاغ وجبار يهدي هذا ويضل ذاك، لا يوجد أب يقود ابنه أو ابنته إلى التجربة والارتداد عن سبل الحق، بل يحذرهم ويرشدهم ليميزوا الخير عن الشر. فهذه الطلبة نتوجه بها إلى الأب حتى يحفظنا ويمنعنا من السير وراء الخطيئة.
لاحظ الشيخ أحمد البعمراني:
إن الإنسان ضعيف أمام القوى الخارقة، والضعيف دائما يبحث عمَّن هو أقوى منه ليحميه من كل أذى. هكذا صلاة عيسى المسيح التي كان الهدف منها التوجه إلى الله طلبا للحماية من سلطة الشرير.
أوضح ناجي فياض:
لقب المسيح الله باسم جديد “أبانا” وهذا اللقب هو أول ما ورد في الصلاة الربانية كما أنه سمى الشيطان باسم جديد وهو “الشرير” وهذا اللقب جاء ذكره في ختام الصلاة النموذجية، فبين هذين الاسمين “الآب” و”الشرير” تسير سيرتنا، إذ يقدم يسوع نفسه كشفيع لنا وملجأ لنا نلتجئ إليه إذا وثقنا به، فالقرار يرجع لكل واحد منكم.
سأل الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
حدثتنا عن شريعة عيسى وعن صلاته النموذجية، هل هناك نصوص أخرى مهمة في الإنجيل يجب علينا معرفتها؟؟