معمودية يسوع
اقترح ناجي فياض:
لنستمر في قراءة الإنجيل كي نرى لماذا أتى يسوع المسيح إلى يوحنا، وماذا طلب منه؟؟
قرأ التاجر البشير الدمشقي:
“حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلاً أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ! فَقَالَ يَسُوعُ لَهُ اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرٍّ حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ. فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللّهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ”
(انجيل متى 3: 13–17).
قال الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
إنّ هذا النص مثير من عدة نواحي، فكيف يعقل أن يأتي المسيح إلى يحيى حتى يعتمد على يديه، وقد عاش المسيح عيسى حياة خالية من الخطيئة، وفي سلام تام مع الله. لم يكن في حاجة إلى توبة ولا إلى معمودية تغطيس ولا إلى تطهير القلب لأنه روح الله المتجسّد، غير أن يحيى كان يَعْلَم كل هذه الأمور، لهذا امتنع بشدة في الوهلة الأولى أن يعمد المسيح أمام الجماهير، فلماذا ألحّ عيسى أن يعتمد في نهر الأردن؟؟
أجاب القس فادي عبد المسيح:
تمعّن فيما قاله يسوع المسيح ليوحنا. لقد ذكره بأنه يليق بنا أن نكمل كل بر، فلم يعتمد يسوع لأجل خطاياه بل لأجل ذنوبنا وسوء أعمالنا المقرفة*.
فيسوع رفع خطايانا وخطية العالم بأكملها وعوقب عوضا عنا وأُغطس لأجلنا حتى نتطهر.
سأل الشيخ عبد الله السفياني:
لماذا نزل روح الله على عيسى كهيئة حمامة؟ إنه مولود من مريم العذراء بواسطة الروح القدس، ألم تكن هذه الولادة الروحية تُغنيه عن هذه الحمامة النازلة عليه لكي ينال قوة من الله ويتمم قصده؟
أجابه الشيخ أحمد البعمراني:
قرأنا في المصحف أن عيسى ابن مريم ولد من روح الله الذي كان ملازماً له على الدوام، غير أن الله القدير ايده ببينات وبروحه القدوس لتتميم قصده.
أجاب ناجي فياض:
اعترف المسيح بعد معموديته أنه هو الذي سيرفع خطية العالم على كتفيه، وفي ذلك الوقت انفتحت السماوات وأنزل روح الله عليه حتى يشد أزره ويقوي عزمه في سبيل تحقيق هذا الفداء. أمّا الشكل الذي اتخذه الروح القدس والمتمثل في شكل حمامة، فإنه يرمز الى السلام . إن الروح القدس ليس حمامة بل اتخذ هذا الشكل ليشهد أنه بمعمودية يسوع المسيح ابتدأت المصالحة بين الله والخليقة.
قال الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
قرأت في الإنجيل حسب البشير يوحنا، أنّ يحيى لما أقبل إليه عيسى قال: “هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم” فماذا تعني عبارة “حمل الله” التي لقب بها عيسى؟؟
قال القس فادي عبد المسيح:
نجى أبناء يعقوب أثناء مكوثهم في مصر من غضب الله، بواسطة حمل الفصح الذي رشوا دمه على عتبة أبواب بيوتهم. بالطريقة نفسها كان يسوع على أتم استعداد أن يموت مثل “الذبح العظيم” الوارد في القرآن (سورة الصافات 37: 107) حتى يرفع غضب الله عن الجميع إذا وضعوا أنفسهم تحت حماية دمه المسفوك والطاهر.
تمتم الشيخ عبد السميع الوهراني قائلا:
نقرأ مرة أخرى بأن المسيح عيسى هو ابن الله، فلماذا جاء صوت من السماء حتى يخبر الناس “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت” مع العلم أن الله ليس له ولد، فلماذا نجد مثل هذا التجديف على الله في الإنجيل كأنه صادر عنه؟؟
أجاب الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
عندما اعتمد عيسى انفتحت السماوات لأن معموديته كانت مهمة،وهذا العمل دفع بالله للتدخل كي يخبر الناس عن ابنه وعمله العجيب. بالمقابل من يجرؤ على منع الله من القول بأن له ابن ممتلئ بالمحبة؟ من الأفضل أن نصغي عوضاً عن الإكثار في الكلام واصدار الأحكام الجاهزة. الله لم يقل بأن له ولد بل قال أن له ابن روحي وهو على كل شيء قدير.
أجاب القس فادي عبد المسيح:
انسجم القدوس مع تلك الانحناءة التي قام بها يسوع اثناء معموديته نيابة عنا على يد يحيى. لقد سر بما قام به يسوع وبناء عليه اعتبره ابنه، وقال ما معناه “لقد تم هذا حسب إرادتي وأمنيتي وقصدي، واريد أن أنشئ سلاماً مع العصاة المتمردين واخلصهم من غضبي الموعود، فلا يستطيع أحدأن يمشي في طريق الفداء إلى المنتهى إلا ابني الحبيب هذا”. ولأجل إنكار الذات سماه القدوس ابنه الحبيب. إنه لم يقل هذا هو ولدي بل قال “ابني”. صدقت القول عندما قلت بانه ليس لله ولد حسب الولادة الجسدية، لكن هو ابن شرعي مولود من روح الله.
تجربة يسوع من قبل الشيطان
قال ناجي فياض:
لنتعمق في دراسة هذه الفقرة التي تاتي مباشرة بعد معمودية يسوع، كي ندرك بشكل واضح وجلي من هو ابن الله، ما يجب عليه أن يقوم به وما يجب عليه تجنبه.
فطلب من رياض العلمي الذي ظل صامتاً طوال هذه الحلقة أن يقرأ النص التالي:
قرأ رياض العلمي:
“ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيراً. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللّهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزاً فَأَجَابَ مَكْتُوبٌ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ،
بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللّهِ”
(انجيل متى 4: 1-4).
قال الشيخ محمد الفيلالي:
لماذا أصعد روح الله عيسى بعد معموديته مباشرة للالتقاء بابليس؟؟
أجاب القس فادي عبد المسيح:
كان يجب على يسوع بعد بداية خدمته كفادي للعالمين، أن يصطدم بعدوالله الأول عاجلا أم آجلا وكي يعرف من هو المنتصر منذ البداية. لذلك قاد روح الله يسوع مباشرة بعد معموديته إلى الحلبة لمصارعة الشرير.
قال الشيخ عبد الله السفياني:
أظن أن الشيطان كان يعرف مسبقا أن عيسى هو ابن لله،لأن الشياطين يعرفون أكثر مما نعرف نحن، غير أنني لا أستطيع أن استوعب بشكل جيد رفض المسيح لاقتراح الشيطان بأن يصنع من الحجارة خبزاً. لو أن عيسى استجاب لطلبه لما كان في حاجة بعد ذلك إلى الكد والشغل والتعب، بل كان حصل على خبز طري مخبوز في الصحراء ومطبوخ تحت أشعة الشمس الملتهبة.
أجاب ناجي فياض:
يبحث يسوع دائما عن أشخاص تائبين وأنقياء القلب. لم يبحث عن مؤمنين آمنوا لأجل الخبز المجاني. لهذا رفض السلطة الدنيوية وسلطة ملء البطون لأن هذا كله مؤقت وزمني. بل رغب في تقديم الغذاء الروحي المجدد للقلوب. بالمقابل لم يرفض ضرورة الخبز الجسدي، بل أكد أن الغذاء الروحي هو أهم، باعتباره كلمة الله الخالقة والشافية الغافرة والمعزية والمجددة للقلوب. فالمؤمنون يعيشون من قراءة الإنجيل باستمرار، ومن لم يتعمق في كلمة ربه باستمرار سيموت روحيا وبشكل تدريجي.
استمر الشيخ أحمد البعمراني في قراءة الإنجيل:
“ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، وَقَالَ لَهُ إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللّهِ فَا طْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ قَالَ لَهُ يَسُوعُ مَكْتُوبٌ
أَيْضاً لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ”
(انجيل متى 4: 5-7).
سأل الشيخ عبد الله السفياني:
لماذا لم يرم عيسى بنفسه من قبة الهيكل كما طلب منه الشيطان كي تحمله الملائكة إلى داخل الهيكل ويكلم الجماهير من المنبر؟ فلو استجاب لطلبة الشيطان لكان ذو هالة عظمى ولنال السجود والتقدير من الناس.
أجابه الشيخ عبد العليم الشرقاوي:
لقد أدركْتَ السر لامحالة، فالمسيح عيسى لم يرد أن يجذب الجماهير إليه بالخبز أو بالألعاب البهلوانية، ولا بالمال أو بالعجائب الخارقة، بل قصد أن يُرشدهم إلى النضوج الروحي من خلال تواضعه ومحبته وقداسته. فلو رمى المسيح بنفسه من أعلى الهيكل لارتطم جسمه بالأرض ومات، وهذا هو غرض وهدف إبليس الكذاب وأب الكذابين. لا يريد العدو القديم إلا أن يبيد الله ومسيحه ويستهزئ بهما.
قال رياض العلمي:
قرأنا في هاتين الفقرتين عبارة صغيرة وردت عدة مرات وهي: “مكتوب” لم يجب عيسى إبليس من خلال أفكاره الخاصة وثقافته وحكمته بل كان جوابه مؤسسا.على الوحي الإلهي، واستخدم كلمة “الصمد” كحق لا يتغير. أمّا إبليس فيعرف الكتب المقدسة ويتظاهر بالتقوى حتى يضل عباد الله. غير أن عيسى قد انتصر على المخادع مرة أخرى بواسطة كلمة “مكتوب” فيظهر أن السر العظيم في مواجهة إبليس ووساوسه يكمن في حفظ كلمة الله عن غيب حتى نستطيع مواجهة ما يقذفه الشيطان في عقولنا وقلوبنا. لكن ليس من الحكمة أن نردد الكلمات كالببغاء بدون فهم، بل علينا أن نختار الكلام المناسب في الوقت المناسب. لم يلق يسوع موعظة على الشيطان بل أمره من خلال آية واحدة: “لا تجرب الرب الهك” وهذا يساعدنا ويحثنا على استخدام عقولنا حتى لا نرمي بأنفسنا إلى التهلكة.
استمر التاجر البشير الدمشقي في القراءة:
“ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضاً إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، وَقَالَ لَهُ أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ·اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ،
وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ”
(انجيل متى 4: 8-11).
قال الشيخ متولي صابر:
فعلا إن إبليس هوالكذاب بل وأب الكذابين، لأنه أوهم ابن مريم بامتلاكه كل البلدان وكل الذهب والممتلكات وأن السلطة هي بين يديه، لكن العكس هو الصحيح فالكل بين يدي الله وليس بيد الشيطان.
قال القس فادي عبد المسيح:
توضح لنا هذه الآيات أن يسوع لم يشأ أن يكون رسولا سياسياً أو ملكا دنيوياً، وكل من يعتقد هذا في المسيح يكون قد أخطأ خطأً فادحا. إن ابن مريم لم يقع في الفخ الذي نصبه له الشيطان باحكام أثناء محاولته الثالثة، لأن هدف يسوع على هذه الأرض ليس السعي إلى الرفاهية، بل شعاره المحبة والقداسة والتواضع. فقصد المسيح بهذا أن ينشئ أمة روحية تعتمد على التواضع وفي الوقت نفسه يجنب أتباعه طرق الشيطان وسبله الملتوية المؤدية إلى الطمع والكبرياء.
قال الشيخ عبد السميع الوهراني:
الحمد لله، لقد طرد عيسى الشيطان بكلمة “مكتوب: للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد”. فالمسيح عيسى لم يستجب لطلب الشرير على الرغم من أهميته، وبهذا العمل أكد أنه المسلم الحقيقي وأنه لا يشرك بالله أحداً وأنه ليس هناك من يستحق السجود إلا الله الواحد الصمد.
قال الشيخ أحمد البعمراني:
مر علينا في هذه الجلسة أن جبريل سمى عيسى : “ابن العلي وابن الله” وأن الله نفسه دعاه بابنه الحبيب. وقرأنا في تجربة المسيح مع الشيطان أن هذا الأخير لقبه بعبارة “ابن الله”. يتضح من هذه الآيات أن الله والأرواح يعرفون أكثر مما نعرف. لذا فنحن في حاجة إلى توسيع أذهاننا وطلب الإستنارة لقلوبنا حتى ندرك جوهر المسيح روحيا وليس جسدياً.
قال الشيخ محمد الفيلالي:
عندما فارقه إبليس أقبلت إليه الملائكة وقدمت له كل ما يحتاجه من طعام وشراب. لقد تأثرت بعمل المسيح عيسى هذا إذ هو لم يصم شهرا كاملا من شروق الشمس إلى غروبها مثلما نفعل نحن في شهر رمضان المبارك، بل صام أربعين يوماً وليلة استعداداً للمهمة المنوطة به، ويصبح بحق حمل الله الوديع. فالشيطان لم يقترب منه عندما كان قائما يصلي بل جربه عندما أتم صلواته وتأملاته الروحية وشعر بالجوع والعطش، عندئذ دنا منه المجرب متظاهرا بأنه سيقدم له معروفاً. أمّا ابن مريم فقد اكتشف خطة الشيطان وانتصر عليه بإنجيله على الرغم من الضعف والألم الَّذَين ألَمَّا بجسده.