- هنا يحتاج المجاهد إلى صبروشجاعة. وبخاصة الشجاعة. وينبغي ألاّ يتزعزع وعليه أن يجابه الخيال باستدعاء متواصل لإسم يسوع، وأن يحصر فكره في كلمات((الصلاة)) ويثبت عليها، وألاّ يفكر في شيء آخر خلال الصلاة سواء كان شراً أو عملاً صالحاً. وإذا أحاط به الألم فيما عليه إلاّ أن يكون على يقين بأنّ شفاءَه قد بدأ. كما قلنا آنفاً- ((فإنّ المرأة وهي تلد تحزن، لأنّ ساعتها قد جاءت. ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح. لأنه قد ولد إنسان في العالم))
(يو 16 : 21 ). مثل هذا يحدث هنا. فإنّ الإنسان الجديد يّخلق بواسطة الألم. إنّ حياة جديدة تولد. هي حياة المسيح...
يقول الآباء القديسون المتوشحون بالله إنّ على المجاهد أن يقاوم التجديف بالإحتقار. فإنّ التجديف لا يزول إلاّ بهذا النهج. والأفكار المجدّفة ليست منا وإنما هي هواجس الشرير. ويمكن القول إنّ هذا ينطبق عليه قول الرب : ((لا تستطيعون أن تعبدوا الله والمال)) أي أن العقل لا يستطيع القيام بعملين في آن واحد. فلا يمكنه أن يلتذّ بشهد((الصلاة)) الكلي الحلاوة من جهة وأن يشك من جهة أخرى إبان الصلاة في قوة الصلاة شيء آخر. وما هذا الشك إلاّ هجوم يشنه الشيطان. فيجب أن يجابَه بالإحتقار. وإذا استمرَّ هاجس التجديف، وجب إفشاء أمره إلى الأب الروحي. حينذاك يزول فوراً. كما تزول أيضاً على النمط جميع هواجس التجديف المزمنة.والهاجس المزمن الذي يثور خلال الصلاة بنوع خاص لا بد للمجاهد من يفشي أمره بالإعتراف بوجوده أمام أبيه الروحي، وحينذاك يختفي الشيطان المختبئ تحت هذا الهاجس، كما تختفي الأفعى إذا ما رفعنا الحجر الذي اختبأتْ تحته.
وأما مقاومة النعاس الشديد، فتتطلّب جهاداً خاصاً. في هذا الجبل المقدّس صنع كثير من الآباء مقعداً برجل واحدة، فإذا دبَّ إليهم النعاس انقلب بهم المقعد وسقطوا معه إلى الأرض وحينذاك يستيقظون. وما هذا في حقيقة الأمر إلاَّ مظهر من مظاهر صراعهم مع الشيطان. عرفتُ راهباً وضع في قلايته إناء مملوءاً بالماء. فكان إذا نعس حمل الإناء ونقله إلى موضع آخر في قلايته. وعلى هذا المنوال كان يقاوم روح النعاس الشيطاني...
وعلى المجاهد أن يعتبرشيخه المرشد((صورة المسيح)) وأنه لمثل موسى. وبقدرته وأدعيته سيخرج من عبودية مصر ويتحرّر من طغيان فرعون((الأهواء)) وعليه أن يُقبل على المجاهدة، متغاضياً عن نقاط الضعف عند شيخه، وهي التي يضخُمها له الشيطان. وعليه أن يرى ما يبدي من حب لله وما يتحلّى به من نبيل المناقب. وإذا حدث أن تبينّ صدفةً أنّ لشيخه خطايا كثيرة وأهواء متعدّدة فعلية أن يتجنَّب انتقاده وليعتبرْ خطايا شيخه المرشد، خطاياه الشخصيّة. وليذرف الدمع الكثير بسببها.