من يرى هذا، ينكر عناية الله، ويتساءل أهل هذه عناية الله؟ أهل هذه دينونة عادلة أن يحيا العاقل الأمين وسط المتاعب، بينما يحيا الفاسق وسط الخيرات؟. وهل يكون الواحد محطًا للإعجاب به والآخر يُحتقر؟ الواحد يستمتع بمباهج كثيرة والآخر يعانى المتاعب والمشقات؟ .
إن من لا يؤمن بالقيامة لن يستطيع أن يعطى إجابة على هذه التساؤلات. بل يبقى صامتًا لا تعليق لديه. وعلى العكس من ذلك. من يتناول موضوع القيامة بحكمة واهتمام، سيكون من السهل عليه أن يواجه التجديف، ويقول لكل من ثبطت عزيمتهم من نحو هذه الأمور: كفوا عن توجيه الاتهامات لله الذي خلقكم، لأن أمور الإنسان لا تنحصر فقط في الحدود الزمنية للحياة الحاضرة، بل تمتد لي حياة أخرى لا نهاية لها .
ففي الدهر التي سينال من احتمل وسلك بتقوى جزاءه عن كل ما عاناه في هذه الحياة، بينما سيُعاقب الفاسق والبائس على خطيئته ومتعه المحرمة التي اقترفها .
ولهذا يجب ألا نبدي آراءنا في عناية الله مكتفين بالنظر فقط للأمور الحاضرة، بل يجب أن ننظر أيضًا للمستقبل. لأن الأمور الحاضرة هي جهاد وسباق واختبار، أما الأمور المستقبلة فهي مِنَح وأكاليل وجوائز. وكما أنه يجب على لاعب القفز أن يبذل جهدًا وعرقًا ومشقة ليكون جديرًا للمنافسة، هكذا أيضًا الإنسان التقي يجب عليه أن يتحلى بالصبر في مواجهة أمور كثيرة في هذا العالم وأن يتحمل كل شيء بشجاعة ، لأنه ينتظر أن يُتوج ببهاء في الدهر التي .
ونحن نرى أن اللصوص ونُباش القبور والقتلة والقراصنة في البحار، يستمتعون بمباهج كثيرة على حساب الآخرين، بما يقتنوه من غنى محرم .
غير أنهم يدفعون ثمن هذا غاليًا عندما يخضعون لحكم القضاء. هكذا فإن كل الذين يشترون نساءً ساقطات يقيمون موائد سافيرية[†] ويتفاخرون ويتباهون نابذين الفقراء، فعندما يأتي أبن الله الوحيد مع ملائكته ويجلس على العرش، وأمامه تنكشف الأعمال، سيؤتي بهم دون أن يكون لهم من يدافع عنهم. لهذا لا نعتبرهم محظوظين بسبب حياتهم المترفة في هذا الدهر, ولكن فلنبكِ عليهم لأجل العقاب الذي ينتظرهم, ولا نحزن علي الإنسان النقي لاحتماله مشقات هذا العالم, بل يجب أن نطوبه لما ينتظره من خيرات الدهر الآتي.