خلق الإنسان:
11 ـ إذًا، فالعقل والجسد (المادى) المتميزين الواحد عن الآخر، يظلان كل واحد ضمن حدود طبيعته، ويحملان في ذاتهما عظمة الكلمة الخالق، وهما مسبحان صامتان وشاهدان مثيران جدًا لعمله الكلى القدرة. لم يكن بعد يوجد كائن مكون من الاثنين (العقل والحس) معًا، ولا أى إتحاد من هذه الطبائع المتضادة، إنه مثال أسمى للحكمة والتنوع في خلق الطبائع، ولم يكن معروفًا بعد كل غنى الصلاح. ولأن الكلمة الخالق قرر أن يظهر غنى هذا الصلاح، ويخلق كائنًا حيًا واحدًا مكونًا من الاثنين معًا، ـ أى من الطبيعتين المنظورة وغير المنظورة ـ لذلك خلق الإنسان. ولقد خلق الجسد من المادة التي كانت موجودة، الجسد وبعد ذلك وضع فيه نفخة منه التي عُرفت بأنها نفس عاقلة وصورة لله، ثم أقامه على الأرض كعالم ثانٍ عظيم في صغره؛ ملاك آخر، عابد مركب[13].
له معرفة كاملة بأعماق الخليقة المنظورة، أما الخليقة غير المنظورة فيعرفها جزئيًا فقط؛ ملك على الموجودات التي على الأرض ولكنه تحت سلطان الملك الذي في الأعالى. أرضى وسماوى، زمنى ومع ذلك غير مائت. منظور ولكنه عقلى. في وضع متوسط بين الوضاعة والعظمة. هو نفسه روح وجسد في شخص واحد. روح بسبب النعمة التي وُهبت له، وجسد لكى يسمو الإنسان بواسطته. الواحد لكى يحيا ويمجد الله المحسن إليه، والآخر لكى يتألم وبالألم يتذكر، ويتم إصلاحه إذا تكبر بسبب عظمته. كائن حى يتدرب على الأرض لكى ينتقل إلى عالم آخر، وكأن غاية السر هو أن يصير إلهًا[14] بميله إلى الله. فإنى أرى أن نور الحق الذي نناله هنا ولكن بقدر معين يتجه بنا لكى نرى ونختبر بهاء الله. الذي هو بهاء ذاك الذي كوننا[15]، والذي سوف يحلنا ثم يعيد تكويننا بطريقة أكثر مجدًا[16].