فمثلاً إذا كان هناك ملك عظيم للغاية التقى على قارعة الطريق بإنسانة فقيرة مملوءة بالقروح والجروح المُدمرة لكل قوى الجسد، وليس لها ما تقتات به إلا من مخلفات القمامة، ولا ترتدي إلا الرداء الرث التي تفوح منه روائح أموات القبور، فنظر إليها وتحنن فأشفق عليها وأخذها لنفسه ابنه، فغسلها وطهرها وعالجها، ثم ألبسها زي الملكات المُطرَّز وزينها بكل زينة ثمينة باهظة الثمن، ثم علمها وقومها، وأجلسها على مائدته وأعطاها خاتمه وأعلنها ابنته، وهي بدورها سطرت في فكرها ما فعله بها بشرف ومحبة عظيمة، فحفظت كل ما فعله في قلبها وأخذت تتذكر كل حين أنها في أصلها وذاتها لم يكن لها شرف ولا كرامة ولا أي شيء تستطيع أن تفتخر به، أو حتى أن لها فضل فيما نالت، فشرفها في محبة سيدها الذي صار لها أباً، والآن تقف أمامه في خضوع المحبة الهادئ بتقوى ووداعة في حياء تواضع، فخرها كله بعمله معها، وهكذا النفس التي شَرَّفها الله بسكناه وأعطاها نعمة ودخلت معه بالتوبة والإيمان الحي في شركة، فأنها تضع عمله تذكاراً لها أمام أعينها ليلاً ونهاراً، ولو تعثرت أو سقطت فأنها تقوم فوراً وتركض إليه بمحبة وثقة شديدة بسبب وضعها الجديد، وضع التبني في المسيح، فهي لا تذكر الخطية في ذاتها، بل تذكر جزيل رحمته عليها وتتكل على نعمته، لأن كل نفس دخلت في شركة مع الله تدرك تماماً أننا طالما في الجسد فمازال هناك بعض الشوائب التي نحتاج أن نتطهر منها، ولكننا لا نذكر حياة الخطية بل نهرب منها ونحتمي في دم حمل الله الذي يطهرنا من كل شوائب تتعلق بنا: