في الصلاة وانحرافاتها
 
 االشماس جورج اسكندر
      " الصلاة هي الكلام مع الله كما لو كنا نكلم إنساناً " ( خوري ارس).
  
 مقدمة 
  
الله  يحب إلى حد أنه " يخرج من ذاته " وهذا يدعى " انخطافاً " ويتفجر هذا الحب  في الخليقة . فالخلق هو الله يقتحم العالم الذي خلق ، هذا الفضاء اللامحدود  الذي نظّم ، وحدائق الإنسان الذي أحبّ ، فإن استقبله الإنسان أو تهرب منه ،  فالله يبحث عن اللقاء ويلاحقه : " آدم ، أين أنت ؟ - سمعت صوتك في الجنة ?  " هكذا تبدأ صلاة الدهور ? يقول كبريال مرسال : " الصلاة هي أن نقبل محبة  الله لنا " ، أن نقبل ، أي أن نصغي ونجيب ، أن نعيش حواراً يجب أن ينضج  حباً . عندئذ يأتي العهد ، يتكلم الله ويجيب الإنسان . ثم يتكلم الإنسان  ويجيب الله ? هذه هي الصلاة . 
يقف  الناس من الصلاة مواقف مختلفة : منهم من لا يصلي أو يصلي قليلاً . ومنهم  من لا يؤمنون بالصلاة ويظنون أن أشغالاً أخرى أكثر فائدة من الصلاة  تستدعيهم . ومنهم من ينسب إلى الصلاة فعالية سحرية ويصلّون ليحصلوا على  جميع رغباتهم المادية . ومنهم من يرغبون في الصلاة إنما يدّعون أنهم لا  يستطيعون أو لا يعرفون . وفي جميع الأحوال لا يضع هؤلاء الصلاة موضعها  الصحيح وهو السعي وراء الإيمان . والإنسان من جهة ثانية ، مدفوعاً  بالفعالية الآنية ، يصلي بلغة الإنتاج البشري . وهو يحكم على ذاته بالا  يفهم ، وبالأحرى بألا يعيش حياة صلاة حقيقية . وأخيراً هناك فئة تصلي وتعرف  أن تصلي . 
       المسيح والصلاة
  
أهم  مراحل اقتحام الله لعالمنا ، العلامة الكبرى ، السر الأكبر ، هو يسوع "  الكلمة صار بشراً وحلّ بيننا " . المسيح هو سر اللقاء بالله . بما أنه إله ،  فهو كلمة الله الكبرى ? الكلمة ? الموجهة إلى الإنسان . وبما إنه إنسان ،  فهو جواب الإنسان الأكبر الموجه إلى الله . إنه النعم السامية ، الصلاة  الكبرى ، طوال حياته ، على الصليب ، على المذبح ? سر العهد ? الافخارستيا ?  هو ، مذّاك ، الحضور الأكبر بيننا لابن الله المتجسد لاجلنا والمائت  لاجلنا والقائم من الموت لاجلنا وهو يشفع بنا دائماً ? صلاتنا الكبرى ،  الشخصية والجماعية ، هي إذن القداس . فالمسيح يدعونا فيه وينتظرنا ليصلي  معنا . 
إن  القديس يوحنا فم الذهب ترجم شعور الكنيسة العميق وشعور المسيحيين  الحقيقيين بقوله : " لا شيء أقوى من الصلاة ولا شيء يشبهها . " إن مقدرة  الإنسان على مخاطبة الله أكبر دليل على أنه صورة الله . وصلاة المسيحي هي  اشتراك في حوار الكلمة الأزلية مع الآب بالروح القدس . هو روح المسيح  بالذات الذي يصلي فينا بأنات لا توصف " ( روم 8 /26 ) . والصلاة وحدها تضمن  لنا نعمة الثبات في المحبة ، لأن الثبات في الصلاة بالنسبة للرجل الراشد  مطلق للسعادة الحقيقية . والصلاة أيضاً تضع الإنسان في احترام عميق واعتراف  بحقارته أمام الله القدوس . ولكن في الوقت نفسه ترفع الإنسان فوق كل خليقة  لتضعه أمام الخالق وجهاً لوجه . وفي الصلاة يتحدث الإنسان إلى الله . فهي  إذاً لقاء مع الله فحوار معه . ما أكثر الناس الذين يجدون أعذاراً لئلا  يصلوا ، فأنت لا تقول ، لا حاجة لي لأن أظهر حبي ، حبي لخطيبتي لأنها تعرفه  . فلا تقل : لا حاجة إلى التحدث إلى الله لأنه يعرف أني أحبه . وأنت لا  تقول أيضاً : ليس لدي الوقت الكافي لأنفرد لحظة بخطيبتي وأتحدث معها عن  مستقبلنا . فلماذا تقول ليس لدي دقيقة واحدة للصلاة . وهذا لا يهم ، فإني  أقوم بعملي وهذا صلاة أيضاً . إن الحب يتطلب التوقف مجاناً . فإذا كنت تحب  فيجيب أن تجد الوقت للحب . فالصلاة هي توقف وهي إعطاء الوقت لله في كل يوم  وكل أسبوع . إن الفتاة المخطوبة التي تبدأ رسائل خطيبها إليها تتناقص يوماً  بعد يوم تعلم أن حبه لها في خطر . وأنت إذا لم تتحدث يومياً مع الله يصبح  حبك له في خطر . إذا لم تعد تصلي فلن تعرف يسوع المسيح ولن تسمعه يحدثك في  حياتك . لأنك حتى تراه وتفهمه ، يجب أن تنظر إليه وتصغي إليه في مواعيد  يومية . 
والصلاة  : هي الالتفات إلى الله ، فإذا لم تصلِ فإنك تلتفت إلى نفسك . والصلاة هي  الاتصال بالله . فإذا لم تصلي تبقى وحدك . وبما أن الإنسان بحاجة إلى إله  فإنك تقف بجانب الإله . وإذا عشت وحدك بعيداً عن الله ، فإنك تعيش بدونه .  وإذا عشت بدون الله فإنك تنساه ببطء . وإذا نسيت الله تنتهي بنكران وجوده .
         لأية غاية كان يسوع يصلي ؟
  
مم يتألف هذا الحوار بين الآب والابن والروح القدس ؟ 
- يصلي يسوع أولاً لينير طريق رسالته ويوجهها : إلى أين أرسله أبوه ؟ " وفي الليل المظلم يصلي في مكان قفر " .
- يصلي يسوع لاجل رسله ، لاجل كنيسته الفتيّة : " سمعان ، سمعان ، صليت لاجلك كيلا يزول إيمانك " ( لو 22/ 31 ? 32 ) .
-  يصلي يسوع لكي يشكر أباه : " فتهلل بالروح القدس وقال : أشكرك يا أبي ، يا  سيد السماء والأرض لأنك أخفيت سرك عن الحكماء والفهماء وأظهرته للأطفال .  نعم يا أبت ، هكذا كانت المشيئة أمامك " ( لو 10 / 21 ) . 
-  يصلي يسوع لينال الشجاعة على حمل الصليب ، وفقاً لمشيئة الآب " فسقط أرضاً  وراح يصلي : يا أبت ، لا كمشيئتي ، لكن كمشيئتك " ( متى 26 / 39 ) .
-  يصلي يسوع لكي ينال خلاصه ، أي قيامته ، وقيامتنا . ليلة خميس الأسرار : "  رفع يسوع عينيه إلى السماء وقال : يا أبت ، قد أتت الساعة ، مجّد ابنك  ليمجدك ابنك بما أعطيته من سلطان على جميع البشر حتى يهب الحياة الأبدية  لمن وهبتهم له " ( يو 17 / 1 ? 2 ) .
               كيف نصلي ؟
  
لو  تأملنا حقيقة في صلاتنا لرأيناها بعيدة عن روح الإنجيل . فبالواقع غالباً  ما تكون صلاتنا تجارة مع الله ، نريد أن نكسب بالصلاة شيئاً مادياً .  وكثيراً ما تكون صلاتنا طلباً . بينما هي في الحقيقة مثول مجاني أمام الله "  أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ? " وغالباً ما نفهم صلاتنا أخذاً مع  أنها تقدمة أيضاً . هي تقدمة حياتنا ونفوسنا كلها وتقدمة حياة العالم .  وإذا حدث لنا أن لا نصلي لنحصل على شيء على الأقل فإننا نصر على تسجيل بعض  الرضى الحسي . وهنا يخيب ظننا وإحساسنا فنترك كل جهد ، ونقول : لم يعطني  شيئاً ? وأشعر بأنني " أتحدث في الفراغ . ولم أحس به ? " عندما نصلي لا  نشعر بشيء إلا بنعمة خاصة لأن كل شعور يأتي من الحواس والواقع فالصلاة هي  حضور أمام شخص لا يقع تحت الحواس أو الاحتكاك المادي . ولهذا لا نستطيع أن  نصلي حقيقة طالما ننتظر من الصلاة بعض اللذة . فالصلاة غالباً ما تكون  الرضى بالانزعاج أمام الله . فعندما يسحقك التعب ، وترهقك المسؤوليات  والهموم ، ويغمرك العمل ، ويأتي إليك الآخرون من كل صوب عندئذٍ يلزمك  التوقف والتجرد تماماً أمام الله وتقبل بالعجز البشري أمام الله . عندئذٍ  تشعر بأن إضاعة وقتك هدراً في حضرته تعالى هي فعل إيمان ومحبة وسجود . وهذا  هو أساس الصلاة . يجب أن تريد الصلاة ، لأن الرغبة في الصلاة ، صلاة .  فحاول أن تكون حاضراً أمام الله ، حاول أن تبقى أمامه الوقت الذي قررته ولا  تقل أبداً " لا أستطيع الصلاة ولا أعرف أن أصلي " لأن قبول محاولة الصلاة  هي صلاة ، وقيمة صلاتك هي في الجهد الذي تطلبه منك الصلاة ، أما بالنسبة  لله فقيمتها في عمل الروح القدس فيك. 
     الصلاة مستجابة
  
هذه  حقيقة أكدها لنا المسيح عندما قال : " اطلبوا تجدوا اقرعوا يُفتح لكم ، كل  ما تطلبونه باسمي تنالونه ? حتى الآن لم تسألوا باسمي شيئاً " . ومع هذا  فأنت تصلي دون أن تلمس جواباً ، وتتذمر كثيراً من أن صلاتك لم تستجب ،  فلأنك قلبت الأدوار ، إذ تطلب من الله أن يحقق إرادتك ويتمم مخططك ، ويضع  نفسه في خدمتك . بينما الصلاة هي على عكس ذلك تماماً ، هي الطلب من الله أن  يتمم أرادته ويحقق مخططه وتضع نفسك تماماً في خدمته . لا يطلب منك أن  تغيّر الله وأن تأمر الله ، بل أن تتغيّر أنت وترتبط فيه وتخضع لإلهاماته .  إذا أردت الاستماع إلى الموسيقى من الراديو ، يجب أن تفتحه أولاً ثم تفتش  عن المحطة والموجة المطلوبتين . وإذا أردت أن تحتك بالله يجب أن تصلي ، أي  أن تضع نفسك تحت تصرفه وتتركه ينقل إليك نعمته ومحبته ، وهو يعطيك ما يراه  خيراً لك . أنت لا تستنكر جمال هدية تهديها إلى من تحب . كذلك الله إن حبه  لا متناه ، لذا لا يستطيع أن يحدّ هديته لك على الأشياء الأرضية ، فهو يعطي  ذاته فلا يحق لك أن تطلب من الله : أن يجعلك تربح ورقة يانصيب أو أن تنجح  في امتحانك وأن يزداد دخلك ، إلا إذا أضفت قائلاً : " إذا رأيت يا إلهي فيه  مجدك وازدياد حبي لك ولقريبي " . ثم ثق بالله وأعلم أنه لا يريد إلا خيرك  وصلاحك وأعلم أنه ، إن لم يلبِ رغبتك ، فإن حبه يجيبك وإنما بطريقة مختلفة .  إن الله لا يعطي إلا إذا طلبت منه لأنه يحترم كثيراً حريتك . 
     أنواع الصلاة
  
هناك عدة أنواع وطرق للصلاة .
1- صلاة طلب : هي  ضرورية للحصول على الخلاص الأبدي . ويجب أن تشمل هذه الصلاة تلك التي  علمنا إياها يسوع المسيح " اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا ، كما نحن نغفر لمن  أساء إلينا ? " يجب أن نطلب من الله ، بالإضافة إلى نعمته ، عفوه ، في صلاة  ندامة وتكفير . وعلينا أن نصلي لأجل خلاص القريب ، وهو في خطر الموت وخاصة  إذا كان في خطر الانزلاق في الخطيئة ، ونصلي من أجل موتانا . 
2- الصلاة الشفهية : نعبّر  عنها بالكلام الذي نلفظه . ولكي تكون هذه الصلاة صالحة يجب ، على الأقل ،  أن نوقظ فينا الصلاة العقلية أي اللقاء مع الله . ليس لهذه الصلاة نمط معين  ، وإنما المهم هو التعبير عنها بأساليب مختلفة حسب حالة الفرد الشخصية .  اقترح على عدة فنانين رسم لوحة لمنظر واحد ، فجاء المنظر واحداً إنما مختلف  الأطراف من فنان لآخر . ولاحظ عدة أزواج أن تعبيرهم عن الحب يختلف من  عائلة إلى أخرى . وهكذا أشكال الصلاة ، فإنها تختلف من إنسان إلى آخر ،  باختلاف الثقافة والسن والطباع . فلا تحتقر شكلاً من هذه الأشكال ، فكلها  مقبولة أمام الله ، شرط أن لا ننسى الهدف ، فأنت تخطئ بكل كيانك وتحب بكل  كيانك ، فينبغي أن تصلي بكل كيانك . فاجعل جسدك يصلي واترك نفسك تصلي واترك  الروح القدس يعمل فيك . 
3- الصلاة الجمهورية : (  هي صلاة الجماعة المؤمنة في الكنيسة ? الذبيحة ) . إن أكبر فرح وسرور  يستطيع أبناء العائلة الواحدة أن يقدموه لأبيهم هو أن يجتمعوا معاً  ويعيّدوه . هكذا هي الصلاة الجمهورية والصلاة الطقسية ، فهي ليست طريقة  اختيارية بل تعبير طبيعي بالنسبة لأبناء الله الملتزمين بنفس الحب . كل  صلاة حقيقية يجب أن تكون شخصية وجماعية معاً . يمكن أن تكون منفردة أو في  جماعة ، وهذان الشكلان من الصلاة متكاملان . لا ينبغي للإنسان أن يذوب في  جماعة ولا أن ينقطع عنها . فعليه أن يصلي في قلبه ، وفي صمته ، وفي غرفته ،  بأسلوبه وحسب حاجته : " إذا أردت أن تصلي أدخل إلى مخدعك وأغلق بابك عليك  وصل لأبيك سراً ? " ( متى 6/6 ) . ولكن لا ينسى أنه من واجبه العودة إلى  الجماعة لينضم إليها في الصلاة فيستند إليهم ويسندهم : " إذا أجتمع اثنان  أو ثلاثة باسمي فأنا أكون بينهم " ( متى 18/20 ) . إذا أهملنا كل صلاة  فردية ، تصبح الصلاة الجماعية سريعاً خارجية عنا ، آلية ، وفي كل الأحوال  غير شخصية . وإذا فعلنا العكس ، أي إذا أهملنا الصلاة الجمهورية ، تصبح  الصلاة الفردية ، وقد عُزلت عن كل صلاة جماعية ، ضيقة أنانية . ففي داخل  جماعة كنسية يجب أن تعلم من جديد ، وبدون انقطاع الطريقة الحقيقية للصلاة .  
4- صلاة تأمل : وأخيراً  كلما تعمق الحب ، قلّت الحاجة إلى التعبير عنه بالحركات والكلام ، وظهرت  الحاجة إلى الصمت، والصلاة تتبسط . إن صلاتك لا تكون أقل قيمة إذ تشعر  برغبة إلى الكلام ? بل بالعكس ? تكون صلاتك أقوى إذا شعرت بالرغبة إلى  النظر والتأمل والحب بصمت . 
             أوهام الصلاة
  
لنزيل كل ما يشوّه الصلاة ، كثيرة هي الصلوات المشوّهة ، للإله المشوّه ، الصلوات الكاذبة لإله كاذب . 
1- الصلاة السحرية :  أطباء مشعوذون يجمعون الأموال من جرّاء الإيمان بالخرافات يقولون لك :  يكفي أن تردد عشر مرات أو خمسين مرة أو مئة صلاة سحرية فيذوب السرطان  كالسمنة على النار . كثيرون هم المسيحيون الذين يتقدمون من الله أو من  العذراء كمن موزّع أوتوماتيكي وجد لخدمة حاجاتهم ونزواتهم . يردّدون صلاة ،  يقومون بتساعية وينتظرون الأعجوبة التي يجب أن تحدث بسرعة . وإن لم تحدث  اضطرموا غيظاً وتركوا الله ? إلى المرة القادمة . كلا الله ، الإله الحقيقي  ليس " خاتم علاء الدين " ، كما أنه لا وجود " لعبارات فعّالة " . 
2- سلاسل من الصلوات :  تصلك رسالة تأمرك بان تردد صلاة معينة عدّة مرات وأن تكتبها عدّة مرات  وتوزعها على عدة أشخاص . وهكذا تتساقط عليك العجائب . فإن رفضت أن تصلي أو  قطعت السلسلة ، انهالت عليك الضربات بغزارة ? هذه الحماقات ، هل تستحق  التوقف عندها ؟ أقطع هذه السلاسل وأرم بهذه الصلوات الكاذبة في النار ? 
3- الشموع المصلية :  القناديل وإن كهربائية وإلكترونية ، والشموع مهما كانت كبيرة ، فهي ليست  صلاة في حدّ ذاتها ، الإنسان وحده يصلي . لا شك في أن النفس المصلية ذات  الإيمان الصحيح والمتزن تستطيع أن تعبّر عن طلبتها بواسطة شمعة . فالعذراء  وابنها يبتسمان لها ، وليس فقط تاجر الشموع . لكن كل هذه الشموع ، من دون  نفوس مصلية ؟ كل هذه القناديل ? في غياب الأنوار الحية ، أنوار الإيمان  المشع ؟ تودّون أن تصلوا بين الأنوار ؟ ادفئوا بالأحرى أجساد وقلوب الشيوخ  والفقراء والمنبوذين " فالديانة الطاهرة النقية عند الله أبينا هي أن يعتني  الإنسان بالأيتام والأرامل في ضيقتهم " ( يع 1/27 ) . 
4- الصلاة الثرثرة :  ترداد العبارات واختيار الكلمات الطويلة وعدّ الصفحات المطوية وتحريك  الشفاه حيث تضيع النصوص وتتدافع وغالباً ما تتشوّه ، كل هذا يذكرنا بما  يأخذ الرب على اليهود : " هذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فبعيد عنّي " (  اش 29/13 ) . ويقول يسوع : " لا تثرثروا في صلواتكم كالوثنيين ، فإنهم  يتصورون أنه لكثرة كلامهم يستجاب لهم فلا تعملوا مثلهم " ( متى 6 / 7 ? 8 )  ، " ليس من يقول : يا رب ، يا رب ، يدخل ملكوت السماوات ، بل من يصنع  إرادة أبي الذي في السماوات " ( متى 7/21 ) .
5- الصلاة إلى جوبيتر :  يشق البرق حجب الليل ويندلع الرعد بقوة : فنسرع إلى النذر . يقترب الفحص :  نعترف ونتناول على عجل ، لكي ننجح ، كما لو كان الله جوبيتر ، يرعد ويدير  العالم وهو مستعد لأن ينزل أو أن يحبس المطر أو أن يرسل الطقس الجميل ،  الحياة أو الموت ، الصحة أو المرض ، الشهادة أو الرسوب تبعاً لنزوات غضبه  أو حبّه .
6- الصلاة التجارية :  إن نجحت قضيتنا يا رب ، نقدم لك ? أي : الويل لك إن لم تنجح القضية ? مع  أنني أعطيت الكاهن حسنة قداس لكي يكون الطقس جميلاً ويصحو يوم زفاف ابنتي ?  صليت كثيراً لكي يحبني ، فلم يحب سوى فلانة ? إذاً لن اصلي بعد اليوم ?  إله هؤلاء الناس الكاذب هو إله تاجر جالس وراء مكتبه . بما أنني اشتري، فما  عليه إلا أن يسلم البضاعة ، أعطِ تعطَ . شريعة العرض والطلب والسعر العادل  . ألم أدفع ما عليّ ؟ ليس الله متجر سعر محدود .
إذا  أردت أن تقدم لله تقدمة ، عربون طلب أو شكر ، فافعل ذلك قبل أن تعرف  النتيجة ، مرفقاً ذلك بصلاة : " كما تريد أنت وبالوقت الذي تريد وبالسبل  التي تريدها ? " 
7- الصلاة الأنانية :  كل الانحرافات وخيبات الأمل في الصلاة تعود إلى ما يلي : نعتبرها وصفة  طبّية لسعادتنا الصغرى . بينما الإله الحقيقي هو محبة ? محبة الآخرين وهو  يعد لنا السعادة ، سعادته الأبدية . كتب الكاردينال سالياج بهذا الصدد :  نحن نميل إلى أن نجعل من الصلاة آلة وسيلة للهروب من نتائج أعمالنا ،  لتخفيف الألم ، لاتقاء مصيبة . نطلب الشفاء لا الصبر ، نطلب الغنى لا  الشجاعة . نطلب السلام لا المحبة . نطلب من الله عجائب تساعدنا على الكسل  واللامبالاة وعلى تبرير أخطائنا . والله لا يجترح عجائب من هذا النوع ?  عبثاً نضاعف الزيارات التقوّية والاحتفالات ، فلن يستجاب لنا طلب ، إن لم  نبدأ ونطلب ارتدادنا ? هل صليتم لتتغلبوا على نزعاتكم وبخاصة على البغض  واحتقار القريب ؟ هل صليتم لتتجنبوا الافتراءات والنميمة ؟ باختصار ، هل  صليتم لتكونوا مسيحيين ومسيحيات أفضل ؟ 
8- حبس القديس انطونيوس البدواني :  " ساحبسك في الخزانة حتى توجد لي ما أضعت ? " غالباً ما نسمع هذه العبارات  ، بهذه العبارات نكون قد حكمنا عليه بالسجن المؤبد ، وذلك لكثرة الأشياء  الضائعة . لما لا نحرره ونطلب منه التفكير والإلهام ، ألا ترون أنه يعمل  محرراً أكثر منه محبوساً ؟ 
                       صلوا لتصيروا مسيحيين أفضل
  
هذا  مفتاح السر ، الكلمة النهائية . الله أب ، أبونا ، يقول يسوع : " إذا  صليتم ، قولوا أبانا ? " عناية هذا الأب تلبس زنابق الحقل وتقوت طير السماء  ، فبالأحرى أن تهتم بالإنسان ، ابن الله ، وبكل شعرة من رأسه . لكن هذه  العناية تسعى وراء هدف واحد : تمجيد الابن النهائي ومعه كل جسده السري  المسيحيون . ليست العناية إذاً ، كما يظن العديد من المصلين ، تسهيل الطريق  وإقصاء الصعوبات من حياتنا ، ومنع السلاح من أن يكون فتّاكاً ، والجراثيم  من أن تهدم صحتنا ، والطيارات من أن تسقط ، والبركان من أن تقذف الحمم ،  ومحفظة النقود من أن تنزلق خارج الجيب المثقوب ، والشمس من أن تطلع ،  والمطر من أن ينزل . الغاية هي سعادتنا الأبدية عوضاً عن الحياة الصغيرة  الناعمة التي نشتهيها كلّ بمفرده . ليست غاية الصلاة إذاً أن نحمل الله على  العمل بإرادتنا ، بل أن نعمل نحن بإرادته : " إذا صليتم فهكذا قولوا :  أبانا ، ليأت ملكوتك ، لتكن مشيئتك ? " تقول الكنيسة في إحدى صلواتها : يا  رب ، بحنانك ، أصغ إلى صلواتنا ، ولكي تستجيب طلباتنا ، اجعلنا نطلب ما يلذ  لك . ما عدا ذلك ، كل صلاة وهم هي ، وذلك لأن الله يحبنا . 
     فلنؤمن ? ومن ثمّ نصلي
  
إنني  أسمع الاعتراضات تتوالى : لا وقت لدي للصلاة . لا اعرف كيف أصلي . لا  أستطيع . أنا شارد الذهن ? يا من قبلت عماد المحبة ، هل كرّست قليلاً من  الوقت فتساءلت : من أنا ؟ هل قررت يوماً أن تقضي بعض الوقت في الصلاة ؟ ? 
     الله يعلم سلفاً كل ما يلزمنا
  
يقول  لنا يسوع : إن أباكم عالمٌ بكل ما تحتاجون قبل أن تسألوه " ( متى 6/8 ) .  هذا أكيد وأفضل مما نعلم نحن ? لذا فالغاية من صلاتنا ليست إعلام الله بل  فتح قلوبنا . ذلك لا يعني أن الآب والابن والروح القدس لا يعلمون ما في  قلوبنا ، لكن قلبنا يستنير عندما نفتحه تماماً كما نفتح نوافذ الغرفة .  فيتغيّر للحال وبخاصة عندما ينفتح لله . وعي هذه الرغبة يصبح صرخة ، يصبح  حرية . وعندما تستفيق الحرية ، يكون الله دائماً حاضراً ليمد لها يده . "  اطلبوا تعطوا ، اسألوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم ? لأن من يطلب يعطى ومن يسأل  يجد ومن يقرع يفتح له " ( متى 7/7 -8 ، لو 11/9 ? 10 ) . بهذه الوصايا  الحنونة يقرع الله بابي ، يحترم حريتي كل الاحترام وينتظر دعائي . يترقب  صراخي لكي يأتي إلى نصرتي " يا رب إليك صرخت أسرع إليّ " . 
إذا  صليت اترك إرادة الله تمكث فيك وتحل محل إرادتك ? أترك محبة الله تغمرك  عوض حبك لذاتك ? وأن يتحقق بواسطتك مخطط الله وحبه ، في البشر ?