دخلت إلى الغرفة فتاةٌ لتطمئن على سارة، وكانت تسألها عن حالها بوجهٍ صبوحٍ ارتسمت عليه ابتسامةٌ كعادة أهل المكان. وحينما اطمأنّت عليها قالت لها: سأُحضِر لك طعام الغذاء بعد نصف الساعة. أومأت سارة إيماءة موافقة مشفوعة بشكرٍ صامت. نظر إليها أبشالوم قائلاً: ولكن ماذا تفعلين في هذا المكان؟ أليس هذا هو نَزْلُ المسيحيّين؟!!
حكت له سارة عن كلّ شيءٍ بدءًا بماريا التي عرفتها في السجن وقد كانت تحاول أنْ تُخفِّف من كربها، وكيف كانت تُشجّعها أثناء لسعات السياط القاسيّة، كما أوضحت له كم يعاملونها في المكان بحُبٍّ غامرٍ وكأنّها واحدة منهم، دون أي مقابل. وبدأت تشرح له عن حوارها مع أمّها عن يسوع، المسيّا، الذي جاء ليبذر الحبّ في أرض العالم الجافّة وكيف كان يُلاحقه قادة اليهود ويؤلبون ضدّه جموع الشعب خوفًا على مراكزهم وطموحاتهم الماديّة والسياسيّة.. كانت تحكي بينما كان وجه أبشالوم شاردًا وكأنّه يواجه مُعلّمه الرابي موشى الذي يُلقي عليه بنظرات الغضب لأنّه يسمع عن إله المسيحيّين.. كان يشعر بقلبه يقبل الكلمات إلاّ أنّ عقله الذي تكدّس بافتراءات الرابيّين ضدّ المسيّا وقف حائلاً بينه وبين كلمات سارة. كان كلام سارة يتآلف ويجدل مع نصّ المزمور الثاني والعشرين ونصّ إشعياء شبكةً قد اقتنصته للمسيّا.
ما أقسَى الحقيقة التي تُخالفُ قناعاتنا القديمة وتُرسِلُ لنا شعًاعًا ذهبيًّا ليرينا ذبول إيماننا القديم وعقائدنا السابقة. وما أعتَى الصراع مع قوى التقاليد والعادات والاحتفالات الدينيّة والمُسلّمات الإيمانيّة التي تترعرع في مجتمعٍ أُحادي التعليم لا يسمح بصوتٍ للآخر في ساحته. ولعلّ المشاعر التي قد فطرت على صورة المجمع وأصوات الرابيّين ورفقة المدراش وسُكُون السبت ووليمة الفصح هي التي تقود التمرُّد على جِدّة الحياة التي كانت تبنيها النعمة من خلال كلمات سارّة.
كان الصراع متأجّجًا ما بين العقل الذي يتحصَّن بالذاكرة التي تُلقي بسهامها على يسوع، وبين نقاوة الحياة ولا محدوديّة القدرة وقوّة التأثير التي لحياة يسوع تلك التي لا يُخطئها بصيرٌ.