أحبّائي.. إنّ القديس بولس يؤكّد إنّ الله أعلن عن ذاته للبشر بمختلف الطرق، والتي تشير إلى إله حي حقيقي مُدبِّر للكون والخليقة، يرعَى النفوس حتّى أصغرها وأحقرها، ويتعهّد روح الإنسان بالرعاية الإلهيّة ليُصيّره من أبناء الفردوس، إلّا أنّ البشر رفضوا الإشارات الإلهيّة عن الله وحوّلوها إلى آلهة، فعبدوا المخلوقات المحدودة العاجزة غير العاقلة ونسجوا حولها القصص والأساطير، وبينما يزعمون الحكمة سقطوا في فخ الجهل بالله وبالكون وبطبيعة الأشياء المخلوقة. لقد استبدلوا المجد الإلهي غير الفاني بشبه صورٍ لبشرٍ فانين، واستعبدوا أنفسهم لدوابٍ وطيورٍ وزحّافاتٍ يتطلّعون إليها ويخاطبونها ويُقدّمون لها الأضاحي والتقدمات، ولكنّها لا تُرسِل جوابًا، فأقاموا كهنتهم لتلقّي أجوبة الآلهة، وخدعوا قلوب البسطاء، وأصبح الكهنة لسان الآلهة العجماء..
ولم يكتفْ البشر بهذا ولكنّهم غرقوا في مستنقع الفجور والإثم وبدّلوا العلاقة الطبيعيّة بين الرجل والمرأة بالتي على خلاف الطبيعة؟؟!!
هدأ صوت الكاهن قليلاً، وبعد تنهدٍ عميقٍ، قال:
نعم يا أحبّائي، فالشهوة بئرٌ بلا قرار، ومياهٌ لا تروي، وبحارٌ لا تجف.. لقد امتلأ قلب الإنسان من الإثم والزنا والشرّ والطمع والخبث والحسد والاقتتال والخصام والمكر والبُغضة والكبرياء والقسوة.. هذا هو حال الإنسان البعيد عن عبادة الله الحقيقي.. البعيد عن فداء الربّ يسوع المسيح الذي تجسّد ليُحيي المائت ويرفع الساقط ويقبل التائه ويدفع الخائر ويُعزّي من لفّه الحزن والأسَى..
بدت ابتسامة على وجه الكاهن وكأنّه قد رأى مشهدًا سماويًّا وقال:
إنّ الخلاص فقط بيسوع المسيح.. الابن الوحيد للآب.. مَنْ يَقبْله له حياة أبديّة، ومَنْ يرفضه سيحيا في العدم والقلق والحيرة إلى ملء الدهور.
كانت كلمات الكاهن ناريّة.. صادمة.. وكأنها معولٌ من صوّان يهوي على فكري المُنبسط. لم أكن أتوقّع أنّ أسمع تلك الكلمات التي بها رائحة التقوى. لقد ذهبت إلى هناك وفكري مُحمَّل بممارسات لا أخلاقيّة وطبائع وحشيّة وسفك دماء.. ولكني في المقابل سمعتُ عن الخلاص والتحرُّر من الفساد والخطيئة.. سمعت عن إلهٍ حانٍ يعبأ، بل ويُحبّ البشر..