(4) الدخلاء في التلمود: كان الختان - حسب رأي الفريسيين - إلى جانب المعمودية وتقديم الذبائحن أمورًا أساسية لا غنى عنها، ["فكل إنسان مختتن، ملتزم ان يعمل بكل الناموس" (غل 5: 30)]. فكان على الداخلين إلى اليهودية، الخضوع خضوعًا كاملًا للشريعة الموسوية والناموس التقليدي. ولقد ميز الربيون (معلمو اليهود) بين "الدخيل النزيل" و"دخيل البر"، ولكنه لم يكن سوى تمييزًا نظريًا، ويرى "شورر" أن هذا التمييز نشأ في زمن متأخر.
وكان "دخيل البر" أو "دخيل العهد" يعتبر إنسانًا إسرائيليًا كاملًا، أما "دخيل الباب" (نزيلك الذي داخل أبوابك - خر 20: 10) فكان يعتبر أمميًا أكثر منه يهوديًا، إذ قد اعترف فقط بإيمانه بالله، إله إسرائيل، والتزم بمراعاة مبادئ نوح السبعة القديمة، وهي: الامتناع عن التجديف على اللهن وعن عبادة الأوثان، والقتل، والزنا، والسرقة، وأكل لحم احيوان ميت ميتة طبيعية، وعصيان السلطات اليهودية.
وكان يلزم لقبول الدخيل ثلاثة أمور: الختان، والمعمودية وتقديم الذبائح. أما النساء فكان عليهن إتمام المعمودية وتقديم الذبائح فقط. ولذلك كانت الدخيلات أكثر عددًا من الرجال. وقد ذكر يوسيفوس أن نساء دمشق كن شغوفات بالديانة اليهودية. وهناك من يشك في وجود شرط المعمودية للدخيل، إذ لم يذكرها الرسول بولس أو فيلو أو يوسيفوس، ولكن الأرجح أن الأممي - الذي كان يعتبر نجسًا - لم يكن يسمح له بدخول الهيكل دون أن يتطهر.
وتتلخص خطوات قبول الدخيل فيما يلي: يُسأل أولًا عن سبب رغبته في اعتناق اليهودية، ويخبرونه أن إسرائيل الآن في محنة، فإذا أجاب بأنه يعلم ذلكن ومع ذلك فإنه يشعر بعدم استحقاقه للمشاركة في تلك المحنة، فإنهم يقبلونه. ثم يلقنونه بعد ذلك بعض الوصايا الهينة والثقيلة، وقواعد جمع الحصاد، والعشور، والعقوبات التي توقع في حالة كسر الوصايا. فإذا كان مستعدًا لقبول كل ما سبق، فإنه كان يختن. وبعد شفائه، يعمدونه بالتغطيس دون تأخير.
وعند الاحتفال بمعموديته، كان يقف بجانبه اثنان من الحكماء يلقنانه المزيد من الوصايا الهينة والثقيلة مرة أخرى. وعندما يخرج من المعمودية، يقول له المجتمعون: "لمن سلمت ذاتك؟ مبارك أنت لأنك سلمت نفسك لله. إن العالم قد خلق من أجل إسرائيل، والإسرائيليون فقط هم المدعوون أولاد الله. أما ما أخبرناك به عن محنة إسرائيل، فلكي نجعل مكافأتك أعظم". وكان يعتبر - بعد المعمودية - إنسانًا جديدًا، كأنه "طفل حديث الولادة" ويُعطى اسمًا جديدًا مثل "إبراهيم بن إبراهيم" أو تفتح الأسفار المقدسة عفويًا ويعطى أول اسم يذكر في النص. ومن تلك اللحظة - يتخلى عن كل ماضيه بما فيه زواجه.
ورغم أنه أصبح شرعيًا رجلًا جديدًا تمتدحه قصائد التلمود، إلا أنه كان يُنظر إليه باعتباره أقل من أي شخص وُلد يهوديًا، ويقول الربي اليهودي تشلب (Chelbo) عن "الدخيل ضار بإسرائيل كالجرب" (انظر في 3: 5).