الفصل الأول
ماهى الخطيـة ؟
الخطية كما عرَّفها لنا الكتاب المقدّس هى التعدّي على شرائع الله وأوامره، يقول القديس يوحنَّا الحبيب: " كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضاً، وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي " (1يو4:3).
في عالمنا يُعد المعتدي على قوانين أرضية وضعها بشر مجرماً، فكم يكون إجرام من يتعدّى على قوانين السماء التي وضعها ملك السماء والأرض وسيّد كل البشر؟! فالخاطيء إذن مجرماً لأنّه تعدَّى على ناموس الله.
وليس هذا فقط بل استبدل ناموس الله بناموس إبليس حتى تلُذ له خطاياه، ويجد لنفسه مسلكاً ليبرر به أفعاله الأثيمة، نعم لقد أبدل الخطاة ناموس المحبة والصفح والغفران.. بناموس الكراهية والحقد والخصام والحسد.. زعماً منهم بأنَّ الحياة تتطلب أن يعامل الإنسان الآخرين بالمثل، وإلاَّ انقضوا عليه كوحوش وافترسوه.
وأبدلوا ناموس التواضع بالكبرياء والسعي وراء العظمة العالمية، قائلين: إن هذا يليق بمركزهم الاجتماعيّ، ومدَّعين أنّه يجب أن يكون هناك تفاوت في المعاملات، كما أنَّ هناك تفاوتاً في المراكز والثروات.. بين البشر!
كما أبدلوا ناموس الحشمة والوقار اللائقين بأولاد وبنات الله، بناموس الموضة الخليعة، التي تجعل الإنسان في صورة تقشعر لها الأبدان، وناموس القداسة بالنجاسة، فامتهنوا حُرمة العفاف، وبدلاً من أن يمتلئوا بالروح القدس وينعموا بثماره، امتلئوا سكراً وأكلاً.. مدَّعين أنَّ في هذا لذة الحياة!
والحق إنَّ كل من يحيا بهذا الفكر الشهوانيّ العقيم، لم يدرك أنَّ الله لم يُعطِ الإنسان الوصايا إلاَّ لسعادته، وأنَّ كل تصرّف ضد هذه الوصايا يكون ضد سعادته، وأفضل تشبيه له هو المجنون الذي يحيا وسط الآلام ويقول: إنَّها ينابيع السعادة!! ويحتضن النار معتقداً أنَّها النور!! ويسير في طريق الهاوية ظاناً منه أنَّها طريق الحياة!!
إنَّ كل من يرجع إلى التاريخ، يعرف أنَّ الخطية هى التي كانت السبب في كل المصائب التي حلّت على العالم، منذ أن وجد إلى وقتنا هذا:
+ فما الذي طرح المحبّة من قلب آدم وملأه بالخوف، وطرده من جنّة عدن، وجعله يشعر بعُريه؟!
+ وما السبب الذي جعل قايين يخرج هائماً على وجهه، هارباً من مكان إلى آخر، وقلبه مضطرباً خوفاً من أن يحصد ما قد زرعته يداه؟!
+ بل ما الذي جعل الله يغضب على خليقته، ويُلاشيها مرّة بالطوفان ومرّة بالنار والكبريت؟!
+ هل تستطيع أن تقول لي ما الذي جلب الشقاء على العالم أجمع، إذ الجميع بدون استثناء يأكلون خبزهم بعرق جبينهم؟!
إنَّها الخطية.. ولهذا يقول مار إسحق السريانيّ:
لماذا أغرق الله جيل كامل بالطوفان أيام نوح؟
أليس بسبب الفسق!
ولماذا احترقت مدينة سدوم؟
أليس لأنّهم أسلموا أعضاءهم إلى الشهوة والنجاسة!
لأي سبب سقط شمشون المنذر لله من بطن أُمه؟
أليس لأنّه دنّس أعضائه المقدسة باجتماعه مع فاسقة!
وداود الذي استحق بفضائله أن يُشرق المسيح منه.
أليس بسبب فسقه مع امرأة نال القصاص!
لولا الخطية ما حدث كل ذلك.. ولهذا يصف مُعلّمنا القديس بولس الرسول الخطية بأنَّها: " خَاطئة جداً " (رو13:7)، وحزقيال النبيّ يؤكد أنَّ الموت هو أُجرة كل من يفعلها: " النَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ " (حز4:18).